تابعنا
أثار احتمال توجيه الاحتلال الإسرائيلي ضربة عسكرية أوسع في لبنان، على خلفية أحداث مجدل شمس التي راح ضحيتها 12 شخصاً، إلى جانب التصعيد اليومي على الحدود، مخاوف من اندلاع حرب إقليمية واسعة النطاق تتعدى الحرب الدائرة في غزة.

وفوض مجلس الوزراء الأمني الإسرائيلي، أمس الأحد، رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت لتحديد "طريقة وتوقيت" الرد على الهجوم، بينما سارعت تل أبيب إلى تحميل حزب الله مسؤولية الهجوم، الذي بدوره نفاه بشكل قاطع.

وأفادت صحيفة "نيويورك تايمز" بأن مسؤولين دبلوماسيين غربيين سارعوا إلى منع تصاعد القتال على طول الحدود الإسرائيلية-اللبنانية بعد الحادثة، وقالت المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي، أدريان واتسون في بيان، إن "دبلوماسيين أمريكيين كانوا على اتصال مستمر مع الحكومتين الإسرائيلية واللبنانية يوم الأحد لاحتواء الأعمال العدائية".

ووفقاً لوزير الخارجية اللبناني عبد الله بو حبيب، طلبت الولايات المتحدة من الحكومة اللبنانية نقل رسالة إلى حزب الله لإظهار ضبط النفس في مواجهة أي رد فعل إسرائيلي آخر.

ويرى محللون أن إسرائيل تواجه مأزقاً صعباً في ردها على هجوم مجدل شمس، إذ تسعى لإيجاد طريق وسط بين التصعيد والتهدئة، بينما يرى بعض المسؤولين الإسرائيليين أنّ الحادثة تُشكل فرصة لضرب حزب الله بقوة، ومن ناحية أخرى يخشى آخرون عن مخاوفهم من خرق قواعد الاشتباك بين الطرفين، وهي الاقتصار على الضربات على طول الحدود بين الحدود اللبنانية والإسرائيلية.

هل اقتربت الحرب الشاملة؟

وذكرت صحيفة "هآرتس" العبرية أنه بعد وصول نتنياهو إلى إسرائيل أمس الأحد، بدأت جولة من المناقشات الأمنية حول خيارات الرد، مشيرة الصحيفة إلى أنه "لا يمكن لمثل هذا الحادث الخطير أن يمر من دون رد قاس من جانب قوات الدفاع الإسرائيلية".

ووفق "هآرتس" ركزت المناقشات على مدى قوة الرد الإسرائيلي المطلوب، فضلاً عن الجهود المبذولة للتنبؤ بكيفية رد حزب الله عليه، لافتة إلى أن تبادل الضربات القادمة سيحدد ما إذا كان في الحرب تحوّل قد حدث، حيث تنتقل الجبهة الشمالية إلى مركز الصدارة، أو ما إذا كان هذا مجرد تصعيد آخر يمكن احتواؤه من دون تغيير كبير في الاتجاه العام.

وفي غضون ذلك أعلن جيش الاحتلال اليوم الاثنين "رفع جاهزيته للمرحلة المقبلة من القتال في الجبهة الشمالية لبنان"، بينما نقل إعلام عبري عن الجيش توقعاته بجولة تصعيد تستمر لعدة أيام. وأضاف الجيش في بيان: "نرفع بشكل كبير جاهزيتنا للمرحلة المقبلة من القتال في الشمال، وبتزامن مع ذلك نخوض القتال في غزة".

وشهدت جبهة جنوب لبنان فجر اليوم الاثنين تصعيداً كانت ضحيته شخصين، وأُصيب ثلاثة آخرون إثر غارات شنها جيش الاحتلال، فيما ذكرت هيئة البث الإسرائيلية أنّ طائرات تابعة لسلاح الجو هاجمت مواقع تابعة لحزب الله قرب الحدود في جنوب لبنان.

وبينما هدد وزير الدفاع الإسرائيلي، يوآف غالانت أن حزب الله "سيدفع الثمن"، حذر القائد الأسبق للحرس الثوري الإيراني، محسن رضائي، إسرائيل من أنه في حال القيام بأي عمل عسكري ضد لبنان "فسيغوصون في مستنقع أعمق وأخطر من غزة".

وكتب رضائي في منشور على منصة إكس، إن "نتنياهو من باب اليأس أو الجنون، يظن أنه يستطيع الخروج من مستنقع غزة من خلال بدء مغامرة في لبنان، لكنه سيتخذ الخطا نحو مستنقع أعمق وأخطر".

لكن صحيفة هآرتس تطرقت إلى وجود فجوة كبيرة بين الخطاب العام الإسرائيلي المتشدد في التصعيد ضد حزب الله، وبين السياسة التي تبنتها إسرائيل في الواقع، إذ هدد سلسلة من المسؤولين الإسرائيليين منهم رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس أركان جيش الاحتلال ووزير الخارجية وبعض الوزراء الآخرين خلال الأيام القليلة الماضية بأن حزب الله سيدفع ثمناً باهظاً لما فعله.

وقالت الصحيفة: "لكن كثيراً من الأشخاص الذين يطلقون هذه التصريحات على دراية تامة بالقيود التي ستواجهها أي إجراءات تقوم بها قوات الدفاع الإسرائيلية، مثل تأخير شحنات الأسلحة من الولايات المتحدة؛ والعبء الثقيل الذي يقع على عاتق الجنود المقاتلين، سواء كانوا مجندين أم احتياطيين؛ والصعوبات التي تواجهها عملية التوغل البرية في جنوب لبنان".

وفي وقت سابق من يوليو/تموز الحالي، ذكر تقرير لصحيفة نيويورك تايمز أن جنرالات إسرائيل الكبار يعانون نقص الذخيرة ويريدون إنهاء الحرب، وأن الحرب في غزة أنهكت القوات الإسرائيلية وأن الجنرالات في غزة يعتقدون بعد أطول حرب خاضتها إسرائيل منذ عقود، أن قواتهم تحتاج إلى وقت للتعافي في حالة اندلاع حرب ضد حزب الله.

ما سيناريوهات التصعيد المطروحة؟

وقال الباحث المختص في الشأن الإسرائيلي، عصمت منصور، إن "الكارثة التي حصلت في مجدل شمس جاءت فرصة ذهبية لنتنياهو من أجل إقناع الولايات المتحدة والعالم بضرورة شن حرب على لبنان، أو توسيع المواجهة وكسر المعادلة القائمة على الحدود الشمالية".

فيما يرى منصور في حديثه إلى TRT عربي، أنه في الوقت ذاته توجد تعقيدات حول هوية المستهدفين، لكونهم من العرب، "أي أن إسرائيل ليست مستعدة للذهاب إلى حرب مدمرة مع لبنان لضحايا ليسوا من اليهود وفق وجهة النظر الإسرائيلية".

وحول موقف الولايات المتحدة، وهي الحليف الأقوى لإسرائيل، يلفت منصور إلى أن "التأييد الأمريكي لم يكن شاملاً، ولم يعطِ الضوء الأخضر للضربة، على اعتبار أن ما حصل لا يزال غير مؤكد ويحتاج إلى بحث، وحتى لو أن واشنطن تبنت الرواية الإسرائيلية، وهذا لا يبرر حرباً شاملة".

ويشير الباحث إلى سيناريوهات مطروحة للرد الإسرائيلي، الأول هو أن ينجح التلويح والتحذيرات والمحاولات الاسرائيلية في حث حراك دبلوماسي عالمي قوي يؤدي إلى حل الأزمة واحتوائها مسبقاً والتوصل لتفاهمات مع حزب الله.

والثاني أن تبدأ إسرائيل بهجمة، لكن ليست شاملة على لبنان أو المنشآت الدولية، بل على حزب الله فقط، ووفق منصور فإن "هذا التصعيد يقلق العالم، وسيستدعي حزب الله إلى توسيع المواجهة، وبالتالي إمكانية الوصول إلى تفاهمات جديدة ووقف الجبهة بعد أن يقتنع العالم أن استمرارها سيؤدي إلى حرب شاملة، وطبعاً بتقديري هذا الاحتمال الأوسع والأكبر".

والسيناريو الثالث أن تبدأ إسرائيل هجوماً محدوداً على حزب الله، لا يشمل لبنان كله ولا المنشآت الدولية، ويعتقد منصور أن هذا التصعيد سيقلق العالم، ويدفع حزب الله إلى توسيع نطاق المواجهة، ما قد يؤدي إلى الوصول إلى تفاهمات جديدة وإيقاف الصراع، عندما يقتنع العالم بأن استمراره سيؤدي إلى حرب شاملة، و"هذا الاحتمال هو الأكثر ترجيحاً"، حسب منصور.

ويضيف: "يمكن أن تفكر إسرائيل استغلال الفرصة بتوجيه ضربة واسعة من خلالها تغير موازين القوى والمعادلة القائمة، وتأخذ المبادرة وتحرك العالم دبلوماسياً عبر الضغط العسكري، وبالتالي توقف جبهة الشمال، وتفصل بينها وبين غزة، وهذا ما يريده نتنياهو".

وبالنسبة إلى الرأي العام الإسرائيلي، يلفت منصور إلى أن جبهة الشمال "ضاغطة جداً في الداخل الإسرائيلي، ولذلك الدعوات هي للتصعيد والذهاب لحرب شاملة مع حزب الله".

من جهته، قال الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية، خالد حمادة، لقناة TRT عربي إن نتنياهو سيحاول توجيه ضربة نوعية إلى حزب الله وقد لا يكون الرد ضربة واحدة فقط، ولا يمكن تحديد أين ستكون لكن توجد مجموعة من الخيارات، مثلاً ستحاول إسرائيل اختيار هدف عسكري ثمين يتجاوز موضوع اغتيالات لعناصر.

ويعتقد حمادة أن هذه الضربة النوعية ستوجه إلى بنية تحتية أو مركز عسكري مهم لحزب الله، إذ يوجد في البقاع مواقع عسكرية وتجمع آليات وبنية تحتية مهمة للحزب، وهذا سيكون هدفاً ثميناً من الناحية العسكرية.

ويشير إلى احتمالية أن يكون الهجوم موجهاً نحو مركز عسكري، لكن أيضاً له دلالاته من حيث البيئة الحاضنة التي تحيط بهذا الهدف، وقد يكون هناك ضربتان وربما أكثر.

ويقول: "هذا يجب أن يضع في الحسبان رد حزب الله، هل سيبتلع هذه الضربة ويصمت، وهذا يتوقف على نوعية الضربة والأذية التي ستلحقها معنوياً ومادياً بحزب الله، أم إنه سيرد، وبالتالي نوع هذا الرد وبالإضافة إلى الضربة الإسرائيلية، ربما ستشكل السمات المميزة للمرحلة المقبلة من هذه المواجهة".

وفي هذا السياق، يقول المسؤولون الإسرائيليون إنهم لا يزالون منفتحين على التوصل إلى حل دبلوماسي للصراع مع حزب الله. وفي بيان صدر يوم الأحد، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإسرائيلية، أورين مارمورشتاين، إن تجنب الحرب الشاملة لا يزال ممكناً من خلال تنفيذ قرار الأمم المتحدة الصادر في عام 2006، الذي لم يجرِ تنفيذه أبداً، والذي يقضي بإنشاء منطقة منزوعة السلاح في جنوب لبنان.

TRT عربي
الأكثر تداولاً