تابعنا
في ظل المباحثات حول توسيع حلف شمال الأطلسي، تراجعت كل من فنلندا والسويد عن القرارات التي اتّخذتاها سابقاً والمتعلقة بوقف توريد الأسلحة لتركيا، وتأكيدهما تعزيز سياستها في مكافحة تنظيم PKK الإرهابي.

شهد عاما 2019 و2020 موجة حظر لبيع الأسلحة الغربية إلى تركيا، وعقوبات على صناعاتها الدفاعية، مما أسهم في توتير الأجواء بين أنقرة والدول الغربية التي اتخذت مثل هذه الإجراءات.

في أكتوبر/تشرين الأول 2019 أقدمت 9 دول أوروبية أبرزها: فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا، على وقف صادراتها من الأسلحة إلى تركيا، بعد العملية العسكرية التي شنّها الجيش التركي ضد تنظيم PKK الإرهابي الذي يتخذ من شمال سوريا موطئ قدم له.

وفرضت الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر عام 2020 عقوبات على هيئة تطوير الصناعات التركية، ورئيسها إسماعيل ديمير، وموظفين آخرين، رداً على شراء تركيا منظومة صواريخ S-400 الروسية المخصصة للدفاع الجوي.

واستبقت كندا خطوة الولايات المتحدة الأمريكية باتخاذها قرار وقف مبيعات تكنولوجيا الطائرات المسيّرة إلى تركيا، بحجة استخدام الجيش الأذربيجاني تلك المعدات في القتال ضدّ أرمينيا.

أسباب حظر السلاح

تذرّعت الدول الغربية بأسباب كثيرة من أجل فرض حظر السلاح على تركيا وفرض عقوبات على صناعاتها الدفاعية، مثل العمليات العسكرية التركية ضد التنظيمات الإرهابية التي تنشط في شمال سوريا، وشراء منظومة دفاع جوي من روسيا ودعم أذربيجان في حربها ضد أرمينيا لتحرير أراضيها المحتلة.

وتفيد غلوريا ديمير، الباحثة في مركز "سيتا للدراسات"، بأنّ الدول الغربية فرضت قبل سنوات عقوبات على الصناعات الدفاعية التركية، وتذرّعت بعدّة أسباب، منها على سبيل المثال أن "السويد وكندا رفضتا عمليات تركيا في سوريا ضد تنظيم PKK الإرهابي".

وتؤكد ديمير في حديثها مع TRT عربي، أنّه من "الضروري إدراك وجود عوامل أخرى كامنة وراء البيانات الرسمية التي صدرت عن الدول الغربية وبررت فيها قرارات فرض حظر السلاح والعقوبات، فقد مارست الجماعات الموالية لتنظيم PKK الإرهابي، أو الجناح السوري المتمثل بـPYD الإرهابي، ضغوطاً كبيرة على بعض حكومات الدول الغربية لفرض عقوبات على تركيا"، على حد قولها.

وتشير الباحثة في مركز "سيتا" إلى الدور الذي لعبته مجموعات ضغط يونانية وأرمينية في إقناع الكونغرس الأمريكي بحظر بيع الأسلحة لتركيا، الأمر الذي زاد الموقف تعقيداً بين أنقرة وواشنطن.

وتعتقد غلوريا ديمير أنّ "النمو الذي شهدته الصناعات الدفاعية التركية ونجاحاتها التي حققتها، شكّلت تحدياً للهيمنة طويلة الأمد على السوق العالمية للصناعات الدفاعية الغربية، ويُنظر إلى ظهور الصناعات الدفاعية التركية من الكثير من الدول على أنّها تهديد، ليس بسبب زيادة حصّتها في السوق العالمية وحسب، بل نتيجة تعزيز استقلالية تركيا، واتجاهها أكثر للاعتماد على الذات".

ولذلك ترى الباحثة أنّ رفع العقوبات الغربية عن الصناعات الدفاعية التركية لا يرتبط فقط بالأسباب المذكورة أعلاه ، بل يتعلق بـ"ديناميكيّات جيوسياسية أوسع، ورغبة بعض الدول في الحفاظ على نفوذها الخارجي، وقدرتها على التأثير في سياسات الآخرين على الساحة الدولية".

كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد استهدفت في وقت سابق الصناعات الدفاعية التركية بالعقوبات لسبب معلن هو اقتناء أنقرة منظومة S-400 روسية الصنع، لتعزيز دفاعاتها الجوية بعد أن رفضت الولايات المتحدة شحن منظومة باتريوت إلى تركيا.

انفراج جزئي

وفي ظل المباحثات حول توسيع حلف شمال الأطلسي، تراجعت كل من فنلندا والسويد عن القرارات التي اتّخذتاها سابقاً والمتعلقة بوقف توريد الأسلحة لتركيا، وتأكيدهما تعزيز سياستها في مكافحة تنظيم PKK الإرهابي.

ومع موافقة تركيا على إحالة طلب انضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي للبرلمان من أجل التصويت عليه، أعلنت كندا استئناف المباحثات مع تركيا المتعلّقة برفع الحظر الكندي عن توريد التكنولوجيا المستخدمة في الصناعات الدفاعية إلى تركيا وبخاصة الطيران المسيّر، كما أكّد الرئيس الأمريكي جو بايدن ثقته بدعم تركيا لعضوية السويد في حلف شمال الأطلسي، وإمكانيّة بيع أمريكا مقاتلات F16 المطوّرة لتركيا.

أهمية رفع العقوبات

ويتحدّث المتخصص في شؤون الأمن ضمن معهد الشرق الأوسط التابع لجامعة سقاريا، فرقان خالد يولغو، عن أهمية رفع العقوبات وإنهاء حظر تصدير المعدات التي تستخدمها تركيا في الصناعات الدفاعية، مشيراً إلى "عدم وجود صناعات تعمل بالكامل على المنتجات المحلية، لأنّ محاولة إنتاج جميع الأجزاء الداخلية في الصناعة المحلية ستؤدي إلى انخفاض الربح، وتتسبب في تأخير الإنتاج وعمليات البحث والتطوير".

ويشير يولغو في حديثه مع TRT عربي، إلى أنّ "بناء المنتج المحلي من الصفر وتصنيع جميع المكوّنات محليّاً، من شأنه أن يؤخّر الإنتاج بشكل كبير ويضرّ عملية التصدير، ولذا تعمد الدول إلى استيراد المنتجات بكميّات كبيرة من الشركات العالمية المتخصصة".

وحسب الخبير المتخصص في شؤون الأمن، فإنّ "رفع حظر توريد الأسلحة والتكنولوجيا المستخدَمة في التصنيع سيقلّل الضغط على الصناعات الدفاعية التركية، ويقلّل من جهود البحث والتطوير، وسيزيد الإنتاج بمعدّل كبير، وبالتالي سيرتفع منسوب التصدير وتزيد الأرباح".

وأضاف يولغو: "توجد منتجات طلبتها شركات التصنيع التركية بالفعل، وبعضها دُفع ثمنه، ووصولها سيزيد من معدل نموّ وتطوّر الصناعات الدفاعية".

من جانبها نوّهت ديمير إلى أنّ تركيا التي تمتلك ثالث أكبر أسطول في العالم من طائرات F-16، تحتاج إلى عملية تحديث وتجديد له، حيث كانت آخر عملية تحديث لسلاح الجو التركي عام 2012.

وحسب الباحثة، فإنّ "حصول تركيا على طائرات F-16 المطوّرة، وإدخال طائرة (KAAN) محليّة الصنع من الجيل الخامس الخدمة، سيعزز من قدرات تركيا العسكرية بشكل كبير على المدى القريب، وهذا خيار حيويّ لأنقرة نظراً للوضع الجيوسياسي السائد في المناطق المحيطة بالبلاد".

وبخصوص مستقبل رفع العقوبات وحظر الأسلحة عن تركيا، يفيد يولغو بأنّ "كلاً من المملكة المتحدة والسويد وهولندا رفعت بالفعل حظر توريد الأسلحة إلى تركيا، في حين يستمر الحظر من ألمانيا والنرويج والنمسا".

وبدورها ترجّح ديمير أن "يُرفع كامل العقوبات والحظر المفروض على الصناعات الدفاعية التركية وبيع الأسلحة إلى تركيا"، معتبرةً أنّ التركيز ينصبّ الآن على "موعد حدوث ذلك، وليس على ما إذا كانت ستُرفع العقوبات أم لا"، وتوقّعت أن "تعود صفقات بيع الأسلحة مع كندا والسويد ضمن عام 2023 الجاري".

TRT عربي
الأكثر تداولاً