لماذا تُعزز ستوكهولم دفاعاتها في غوتلاند؟ (Tom Little/AFP)
تابعنا

عندما تكتب كلمة "غوتلاند" على أيّ محرك بحث، أول ما يُصادفك الإعلانات السياحية التي تروّج لطبيعة الجزيرة السويدية الخلّابة ومعمارها الأوروبي الجميل، مع التأكيد على هدوئها المغري بقضاء عطلة مريحة.

هدوء أصبح، شيئاً فشيئاً، في مهبّ ريح تأتيه مسلَّحة من الشرق، ومحيط الجزيرة البحري يعجّ بالسّفن الحربية الروسية، في تطورات تُهدد الجزيرة بأن تقع في قلب تنافس موسكو والغرب، وأن تعيش سيناريوهات مشابهة للتي تُهدها أوكرانيا الأسابيع الأخيرة.

في ظلّ هذا الواقع، سعت القوات السويدية إلى تعزيز وجودها على أراضي غوتلاند، تأهّباً لاجتياح تحسبه ستوكهولم محتملاً. كما يقرّبها ذلك من الانضمام إلى حلف الشمال الأطلسي، الخطوة التي رحّبت بها الأمانة العامة للحلف، فيما نظرت إليها موسكو بعين العداء.

تعزيز عسكري ومناورات

وسط تزايد التوتر بين روسيا والغرب حول أوكرانيا، عززت بحرية موسكو وجودها في بحر البلطيق. حيث شهدت نهاية الأسبوع الماضي إبحار ثلاث سفن روسية عبر مضيق الحزام العظيم في الدنمارك.

وأعلنت المنطقة العسكرية الغربية الروسية، يوم الاثنين الماضي، أن 20 سفينة من أسطولها ستُجري تدريبات في البلطيق. وأوضح البيان العسكري بأن تلك السفن من أسطول البلطيق الروسي، التي تشكّلت في عدة مجموعات تكتيكية، ستقوم بمهام مكافحة الغواصات والدفاع الجوي وإزالة الألغام.

وأمام تزايد هذا النشاط العسكري الروسي قرب سواحله، والمخاوف من إقدام موسكو على اجتياح أراضيه، أعلنت وزارة الدفاع السويدية تعزيز وجود قواتها على أراضي جزيرة غوتلاند الاستراتيجية. وفي 14 يناير/كانون الثاني، نشر الجيش السويدي عربات مدرّعة وعشرات العسكريين في شوارع مدينة فيسبي الساحلية بالجزيرة.

علل وزير الدفاع السويدي، بيتر هولتكفيست، هذا الأمر بأن "القوات المسلحة تتخذ الإجراءات اللازمة لحماية سلامة السويد وإظهار قدرتنا على حماية البلاد ومصالحها". وقال رئيس العمليات في الجيش السويدي مايكل كلايسون إن "هناك ما يدعو إلى توخي الحذر (...) ولهذا السبب وغيره نقوم بهذا النوع من الأنشطة حتى يشعر الناس بالأمان ويعرفوا أننا موجودون".

هذا وأعلنت ستوكهولم في 15 من الشهر الجاري تعرُّض أجواء مفاعلاتها النووية للاختراق من "طائرات درونز مجهولة الهوية"، في عملية وصفتها بـ"المنظَّمة". وأشارت التقارير الأمنية إلى أن "طائرات بدون طيار كبيرة وكانت قادرة على مقاومة الرياح العاصفة، ليل الجمعة الماضية، حامت في وقت واحد فوق 3 من المحطات النووية السويدية"، ولمَّحت إلى أن الأمر يتعلّق باستفزاز روسي للمملكة.

واستمرّت السويد في تعزيز دفاعاتها الجوية والبحرية والبرية في عرض البلطيق وجزيرة غوتلاند، حيث يُجري الجيش السويدي، منذ يوم السبت 29 يناير/كانون الثاني، تدريبات لقدراته العملياتية المشتركة تمت بتعبئة الطائرات المقاتلة والدبابات وقاذفات القنابل اليدوية من طراز "JAS 39" وغيرها.

هذا وتكمن الأهمية الاستراتيجية لجزيرة غوتلاند بأنها تسمح للقوات المتمركزة عليها بالسيطرة التامة على مداخل بحر البلطيق، وتمكّن القوات الروسية في حال اجتياحها من حرية الولوج إلى تلك المياه وبالتالي التحكّم في قلب القارة الأوروبية.

توجه نحو الناتو

هذا وتُعيد التطورات الأخيرة طرح ملف الانضمام إلى حلف الناتو على طاولة الحكومة السويدية، حيث توالت التقارير عن قرب اتخاذها ذلك الإجراء الذي قد يُكرّس وضع البلاد في قلب التصعيد بين الحلف وموسكو، كما يُهدد بنقل التوتر القائم على حدود أوكرانيا إلى أراضيها. حيث سبق للناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، أن صرحت بأنه "من الواضح تماماً أن انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو (…) سيكون له عواقب عسكرية وسياسية خطيرة".

هذا ما دفع وزير الدفاع السويدي، في وقت سابق، إلى التعليق قائلاً إن "عدم الانضمام إلى الناتو يظلّ الخيار الأفضل لضمان أمن المملكة". لكن من جهة أخرى، أضاف أن "المطالب (الروسية) ضدّ سيادة الدول الفردية غير مقبولة على الإطلاق (…) وأن روسيا تسعى باستمرار لتعزيز مواقفها في انتهاك للقانون الدولي".

بينما رحّب الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، في مؤتمر صحفي عقده في بروكسل، عقب اجتماعه بالوفد الروسي، بانضمام السويد وفنلندا إلى الحلف قائلاً: "فنلندا والسويد قريبتان جداً من الناتو في العديد من الجوانب، لذلك يمكن أن تحدث عملية (الانضمام) هذه بسرعة كبيرة إذا قررتا الانضمام".

انضمام لا يفصله الآن عن التحقق سوى القرار السياسي للدولتين، وأضاف ستولتنبرغ: "كما يجب أن يوجد قرار سياسي من 30 دولة في الناتو للموافقة عليه".

هذا وتواجه الحكومة السويدية (الاشتراكية الديموقراطية) ضغطاً داخلياً في هذا الشأن من اليمين الداعم للانضمام. في هذا الصدد صرّح وزير الدفاع السويدي بأن "الحكومة السويدية (يسار وسط) ليست ساذجة بشأن الوضع الأمني الحالي، لكنها لا ترغب أصلاً في دفع الأمور نحو المزيد من التصعيد".

TRT عربي
الأكثر تداولاً