تابعنا
تشهد إسرائيل نقاشاً داخلياً بين القوى السياسية والمؤسسة الأمنية والعسكرية حول ترتيبات اليوم التالي للحرب في قطاع غزة، تعزز بعد تصريحات لرئيس الوزراء نتنياهو، ألمح فيها إلى إمكانية بقاء جيش الاحتلال في غزة وتأسيس حكومة عسكرية.

هاجم وزير الدفاع الإسرائيلي يؤاف غالانت، تلميحات نتنياهو، ورفض أي طرح يتضمن بقاء قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة وتأسيس حكم عسكري يفتح المجال أمام "الكثير من الدماء والضحايا"، وهو رأي سانده كلٌّ من بيني غانتس وغادي آيزنكوت، عضوي مجلس الحرب الإسرائيلي، بالإضافة إلى قادة المعارضة الإسرائيلية.

تلميحات نتنياهو لعودة الحكم العسكري إلى قطاع غزة تتفق مع طموحات اليمين المتطرف، خصوصاً وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، اللذين عبرّا في أكثر من مناسبة عن دعمهما لعودة الاستيطان الإسرائيلي إلى قطاع غزة.

هذا النقاش حضر في اجتماع الحكومة الإسرائيلية الأخير حول توسيع الهجوم الإسرائيلي على مدينة رفح، ونقل الصحفي الإسرائيلي ناحوم بارنياع عن مصادر داخل الحكومة أن نتنياهو طلب الدفع بفرقتين عسكريتين إلى قطاع غزة على أن تبقيا فيه لاحقاً، وهو ما لم يحدث بعد أن زج الجيش بلواء واحد في رفح.

20 ملياراً و5 ألوية قتالية

أسهمت المؤسسة العسكرية والأمنية في حوار بقاء جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة بعد أن طلب منها إعداد خطة لليوم التالي للحرب على قطاع غزة، قدمت على أثر ذلك وثيقة تضمنت تقديراتها العسكرية والأمنية.

وصلت الوثيقة إلى صحيفة يديعوت أحرونوت التي نشرت الجزء المرتبط بتكلفة الإدارة العسكرية في قطاع غزة.

ووفقاً للوثيقة فإن تكلفة حكم قطاع غزة تصل في السنة الواحدة إلى 20 مليار شيكل، أي ما يعادل 5.4 مليار دولار، كما ستضطر الإدارة العسكرية إلى إنشاء ممرات إضافية تجاه القطاع بتكلفة 150 مليون شيكل (40.5 مليون دولار) وذلك بخلاف تكلفتها التشغيلية.

بالإضافة إلى ذلك فإن هذه الإدارة ستكون مطالَبة بالإشراف على عملية إعادة الإعمار وتأهيل قطاع غزة وكل ما يرتبط بالحياة اليومية، كما سيكون مطلوباً من هذه الإدارة، وفقاً للوثيقة، توظيف ما يقرب من 400 موظف للعمل معها.

ومن المتوقع أن يحتاج جيش الاحتلال الإسرائيلي لتخصيص 5 ألوية قتالية للعمل في قطاع غزة، أربعة منها هجومية وتوجد في قطاع غزة، ولواء دفاعي، هذا يعني تقليصاً للقوات من الجبهات الأخرى وتحديداً الشمالية على الحدود مع لبنان وسوريا، والوسطى في الضفة الغربية، واستنزاف أكبر لقوات الاحتياط والمجندين الجدد.

لا يمكن فصل إعداد الوثيقة وتسريبها إلى الإعلام عن موقف المؤسسة الأمنية والعسكرية التي تعارض أي توجه لإعادة احتلال قطاع غزة، لكن من الصعب وصفها بالمبالغة. فبعد ثمانية أشهر من العمليات العسكرية في قطاع غزة ما زال جيش الاحتلال بحاجة إلى فرقتين عسكريتين بعدد يصل إلى 11 لواء للعمل في بيئة قطاع غزة.

تحدي الإصابات وتعبئة الشواغر

يقدِّر الصحفي الإسرائيلي يوسي يهوشع، أن مجموع مَن قُتل وأُصيب من قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول يصل إلى عديد لواء قتالي كامل. ووفقاً لبيانات جيش الاحتلال فقد أُصيب منذ بداية الحرب 3543 جندياً؛ 546 في حالة خطرة والبقية ما بين المتوسطة والخفيفة، كما قُتل من الجيش ما يقرب من 616 جندياً.

ويشير يهوشع، مراسل صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية للشؤون الأمنية والجيش، إلى أن تطور النظام الصحي الإسرائيلي حال دون زيادة القتلى في الجيش الإسرائيلي، لكن هذا الرقم يظل خطيراً.

ويذكر أمير رابابورت، الكاتب والمعلق على الشؤون الدفاعية في صحيفة ماكور ريشون، أن "عدد المعاقين الجدد في الجيش الإسرائيلي يقترب من رقم لا يُصدَّق هو 10 آلاف جندي، كثير منهم مصابون بأضرار نفسية".

هذا الأمر، وفقاً لرابابورت، ينعكس على عدد الجنود في الوحدات القتالية في صفوف الجيش الإسرائيلي لكنّ النقص الأشد "هو في القادة على مستوى الميدان -قادة السرايا والكتائب وحتى ما بعد ذلك".

خطورة ذلك ترجع إلى أن "تدريب كل قائد هو عملية تستغرق سنوات، والنقص ملموس في كل مكان، حدثت ظاهرة نقص حادة في القادة والمقاتلين فقط خلال حرب يوم الغفران، التي عاد على أثرها آلاف المسرَّحين إلى الخدمة العسكرية النظامية".

أزمة استنزاف القوات دفعت جيش الاحتلال الإسرائيلي، وفقاً لصحيفة هآرتس الإسرائيلية، إلى إرسال مجندين جدد دون خبرة قتالية كافية إلى جبهات القتال، كما هو الحال مع جنود الكتيبة 198 التابعة للواء التدريبي 460 المدرع، الذين يقاتلون في مخيم جباليا شمالي مدينة غزة على الرغم من افتقارها للخبرة القتالية اللازمة.

في ظل هذه المعطيات يصبح بقاء الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة وتأسيس حكم عسكري فيها، مخاطرة قد تُعرِّض قواته للاستنزاف، خصوصاً في ظل التهديدات التي ما زالت قائمة على بقية الجبهات.

أزمة التجنيد

طيلة السنوات الماضية اتجه جيش الاحتلال نحو فكرة الجيش الذكي الصغير الذي يعتمد أكثر على التكنولوجيا المتطورة مقابل عدد أقل من الجنود، وشكَّلت عملية السابع من أكتوبر/تشرين الأول قطعاً مع هذا النموذج، فالتكنولوجيا وحدها لن تكون قادرة على حماية الحدود وحراستها، وفقاً لعدد كبير من المنظِّرين العسكريين الإسرائيليين الذين دعوا إلى إعادة الاعتبار للعنصر البشري والقوات البرية.

وفي هذا الإطار يشير يوسي يهوشع إلى أن الجيش يدرس رفع عدد الكتائب التي تحمي قطاع غزة من 4 كانت تتمركز على طول الحدود مع غزة إلى 8، وكذلك الأمر مع الضفة الغربية والحدود مع لبنان وسوريا.

هذا الأمر يعني حاجة الجيش إلى مزيد من المجندين والضباط لتعبئة هذه الشواغر. وينقل يهوشع مجموعة من الإجراءات التي يجري النقاش حولها، منها رفع مدة التجنيد، والتوسع في تجنيد "الحريديم"، بالإضافة إلى الحد من تسرب الجنود من الخدمة العسكرية.

وفي حال بقاء جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة وانشغاله بتعقيدات الوضع الأمني والسياسي والاقتصادي، فإن ضغطاً كبيراً سيتعرض له الجيش ومنظومة التجنيد، ما يعني مزيداً من التوترات الداخلية والمجتمعية قد لا يكون المجتمع الإسرائيلي جاهزاً لها.

TRT عربي
الأكثر تداولاً