سلّط تحقيق إسرائيلي نشرته وسائل إعلام عبرية في 11 يوليو/تموز الجاري، الضوء مجدداً على الوجود اليهودي في الإمارات العربية المتحدة، ودور الحاخامات في دفع عجلة التطبيع وإخراجها من دائرة السر إلى العلن.
تَحدَّث الكاتب رفائيل آرون في تحقيق نشره موقع "زمن إسرائيل" عن أن "العلاقات السرية بين إسرائيل والإمارات مستمرة منذ سنوات، لكن في الأشهر الأخيرة كانت أبو ظبي أكثر انفتاحاً بشأن العلاقة مع تل أبيب، وهي مستعدة للتعاون بمجموعة واسعة من المجالات".
بالون اختبار
حتى لا تدخل في صدام مباشر، اتبعت الإمارات تكنيك "جسّ النبض" في تحول سياستها المهرولة نحو التطبيع مع إسرائيل.
وفي نظرة عبر التاريخ القريب، أعلن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي في تشكيلة مجلس وزراء بلاده في فبراير/شباط 2016، عن منصب وزير التسامح، وفي أكتوبر 2017 تمّ تكليف نهيان بن مبارك آل نهيان هذا المنصب الذي يمهّد لخطوات التفافية نحو "تآلف" الوجود اليهودي في البلاد، حسب رأي العديد من الخبراء.
وبهذا تعمل الإمارات على توظيف دعاية التسامح الديني لنقل العلاقات مع "إسرائيل" إلى مستوى جديد كلياً، وللظهور بصورة أكثر تسامحاً تجاه الأديان الأخرى، وخلق مناخ أكثر جذباً للمستثمرين. من هذا الباب عيّنت وزير التسامح، واستضافت مؤتمرات للأديان وحوار الرسالات كمؤتمر "تحالف الأديان لأمن المجتمعات" في نوفمبر/تشرين الثاني 2018.
وفي أغسطس/آب 2018 ظهر للعلن فجأة كنيس سري في فيلا بدبي يقدم خدماته لليهود، تُتلى فيه الصلوات اليهودية ويدعون فيه للإمارات وحكامها، وكانت وكالة بلومبرغ الأمريكية وصفت هذه الحادثة حينها بأنها مؤشر واضح على دفء العلاقات بين الإمارات وإسرائيل.
وفي 5 فبراير/شباط 2019 نشرت صفحة "إسرائيل بالعربية" التابعة لوزارة الخارجية الإسرائيلية، على تويتر، تصريحات للحاخام اليهودي البارز مارك شناير الذي يرأس صندوق التفاهم بين الديانتين الإسلاميّة واليهوديّة، أكد فيها اعتراف الإمارات رسمياً بالجالية اليهودية.
وحسب موقع "يشيفا وورلد نيوز" الإسرائيلي، فإن 150 أسرة يهودية تتكون من ألفين إلى ثلاثة آلاف شخص، تقيم بإمارتي أبو ظبي ودبي، كانت قد جاءت من الولايات المتحدة وأوروبا وجنوب إفريقيا.
وفي الشهر نفسه أجرى بابا الفاتيكان زيارة للإمارات تَمخَّض عنها توقيعهمع شيخ الأزهر أحمد الطيب وثيقة إطلاق مجمع إسلامي مسيحي يهودي بجزيرة السعديات في أبو ظبي، تتوسطه حديقة تربط المسجد بالكنيسة والكنيس.
تسهيلات "على عينك يا تاجر"
الكاتب آرون قال في تحقيقه المنشور، إن "الإمارات تشهد وجوداً يهودياً مطّرداً، وغدت جاليتهم ذات حضور متزايد، بعد تدفئة العلاقات مع إسرائيل، وأصبح يهودها يفتحون حسابات على وسائل التواصل، ويعطون مقابلات عن الحياة اليهودية بالخليج".
وذكر أن الحاخام ليفي دوشمان ورجل الأعمال سولي وولف هما أبرز قادة اليهود في الإمارات.
وأضاف أنه في أواخر مايو/ أيار، فتحت الجالية اليهودية في الإمارات حساباً على تويتر يزعم أنه يمثل القناة "الرسمية" للجالية، ويضمّ صوراً لرئيسها سولي وولف، مع تصريحات بارزة ومقاطع فيديو احترافية وأغاني لصلاة يهودية من أجل رفاهية الإمارات، وقادتها، وقوات الأمن فيها.
وتابع بأن "قناة العربية المملوكة للسعودية أشادت بمقطع الفيديو هذا، رغم أنه باللغة العبرية، وظهر فيه رجال يرتدون ملابس يهودية تقليدية بالأسود والأبيض تُسمَّى تالايت، وقال سفير الإمارات لدى المملكة المتحدة منصور أبو الهول: إنه فيديو جميل من الجالية اليهودية في الإمارات، لقد انضموا مؤخراً إلى تويتر، ويجب متابعتهم".
ونقل عن يهودا سيرنا، حاخام الجالية اليهودية في الإمارات، أن المستقبل واعد للغاية في الدولة، إلا أن الحاضر لا يزال حساساً للغاية، وعلى المدى الطويل آمل أن يكون في الإمارات بعض المعابد اليهودية، لكن يجب القيام بذلك بالتنسيق".
وفي 4 يونيو/حزيران الماضي أثار إعلانُ حساب "إسرائيل بالخليج" افتتاحَ أول مطعم إسرائيلي في دولة الإمارات، الجدل بين المتابعين من مواطنين إماراتيين وعرب، بين مدافع عنه ومهاجم له.
ونشر الحساب أن العضو في الجالية اليهودية بالإمارات إيلي كرييل، أطلقت أول خدمة طعام "يهودي كاشير" (الطعام الحلال) في منطقة الخليج.
الكاتب الإسرائيلي قال إن "كريل، زوجة رئيس الجالية اليهودية، افتتحت (مطبخ كوشر)، الحلال وفق الشريعة اليهودية، وحظيت بالاهتمام، بما في ذلك وزيرة الثقافة نورا الكعبي، التي رحبت به كفصل جديد في (تاريخ طعام الخليج)، كما كتب سفير الإمارات لدى واشنطن يوسف العتيبة بيديعوت أحرونوت، أنه "تم إطلاق خدمة طعام كوشير جديدة في دبي لخدمة اليهود المتزايدين، وهو أول مجتمع يهودي جديد في العالم العربي منذ 100 عام".
أول كنيس رسمي إماراتي بحلول عام 2022
بعد تطوُّر الوجود اليهودي في الإمارات وانتقاله إلى مرحلة منظمة ومنسقة مع الدولة، لم يعُد للعمل في الخفاء سبب.
قال الكاتب الإسرائيلي إن "الإمارات العربية المتحدة بذلت مؤخراً جهوداً كبيرة لتقديم نفسها كدولة منفتحة تحترم أتباع جميع الأديان، وأعلن رئيسها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان عام 2019 "عام التسامح"، وبدأت ببناء مجمع كبير للأديان في أبو ظبي اسمه "منزل عائلة إبراهيم"، وسيشمل كنيساً، ومن المقرر افتتاحه في 2022".
موقع دويتشه فيله الألماني في تقرير له، قال إن الكنيسة والمسجد والكنيس جزء من بيت العائلة الإبراهيمية في أبو ظبي، والهدف هو خلق مساحة للحوار بين الأديان والتعايش السلمي.
وأضاف أنه أُعلِنَ عن نية بناء المجمع في فبراير، عندما التقى البابا فرنسيس، شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب خلال زيارته الإمارات. كانت الزيارة البابوية الأولى لشبه الجزيرة العربية.
وأوضح الموقع نقلاً عن اللجنة المشرفة على بناء المجمع أن "الكنيسة والمسجد والكنيس ستشترك في مساحة جماعية للمرة الأولى، وتعمل كمجتمع للحوار والتبادل بين الأديان، وترعى قيم التعايش السلمي والقبول بين المعتقدات والجنسيات والثقافات المختلفة".
ويختتم الموقع تقريره بأن "الإمارات تحاول تقديم صورة كدولة متسامحة تدعم الحرية الدينية والتنوع الثقافي. مع ذلك، لا تقبل الحكومة سوى قليل من المواقف ضد قيادة البلاد، وتنتقدها جماعات حقوق الإنسان بسبب سجن النشطاء".
ووفقاً لمنظمات حقوق إنسان دولية وتقرير للبرلمان الأوروبي، فإن الإمارات "دولة راسبة" بملف الحقوق والحريات، بسبب سياساتها القمعية تجاه المطالبين بإصلاحات ديمقراطية، بينها ضمان حرية التعبير.
ومنذ سنوات تزجّ السلطات الإماراتية في السجون بمئات النشطاء السلميين ونشطاء حقوق الإنسان، المطالبين بإصلاح سياسي يفتح المجال أمام انتخابات ديمقراطية حقيقية.
وعادة ما تنفي السلطات الإماراتية صحة اتهامات متكررة لها بارتكاب انتهاكات حقوقية.
كما اتهمت منظمة العفو الدولية "أمنستي" في تقرير موسَّع نشرته على موقعها الإلكتروني، الإمارات بممارسة اعتقال تعسفي وتعذيب وإخفاء قسري بحق مواطنين ومقيمين فيها، وبفرض قيود على حرية التعبير خلال عام 2019.