احتفل المسلمون عموماً والأتراك خصوصاً، الأحد 29 مايو/أيار، بذكرى فتح القسطنطينية (إسطنبول)، المدينة التاريخية التي فتحها السلطان العثماني محمد الفاتح، من الإمبراطورية البيزنطية عام 1453، بعد أن ظلّت عصيَّة على الفتوحات الإسلامية لعدة قرون.
ووسط الاحتفالات التي عمَّت إسطنبول وبقية المدن التركية، خرجت أثينا مدّعيةً أن تركيا أحدثت أضراراً بالموروث الثقافي لمسجد أيا صوفيا، الذي يقع وسط شبه الجزيرة التاريخية بالشقّ الأوروبي للمدينة. وهو الصرح التاريخي الذي استُخدم مسجداً طوال 481 عاماً، وحُوّل إلى متحف عام 1934، ويُعَدّ من أهمّ المعالم المعمارية في تاريخ الشرق الأوسط.
من جانبها ردّت وزارة الدفاع التركية برسالة قوية فنّدَت من خلال جميع المزاعم اليونانية، مؤكدة أن المسجد محميّ منذ فتح القسطنطينية عام 1453 على يد محمد الفاتح. وأشارت إلى أن أولئك الذين يُفترض أنهم آسفون لأيا صوفيا لم يعارضوا هدم مساجد تاريخية في اليونان تعود إلى القرن 15 الميلادي وبناء دور سينما ومستودعات مكانها.
حرمان من الحقوق الأساسية
وأضافت الوزارة في تغريدات على تويتر أن الإدارة اليونانية التي لا تمنح المسلمين مكاناً للدفن عند وفاتهم تحاول خداع شعبها والتستُّر على واقعها المسدود.
فمنذ توقيع اتفاقية التبادل السكاني بين تركيا واليونان قبل أكثر من 97 عاماً، ما زالت الأقلية التركية المسلمة التي تسكن إقليم تراقيا الغربي تعاني مشكلات متنوعة وانتهاكات مستمرة وحرماناً من أقلّ الحقوق الإنسانية، بدءاً باستثنائهم من اتفاقية التبادل السكاني، مروراً بالانتهاكات الشديدة للحقوق الأساسية إبان فترة حكم العسكر لليونان ابتداءً من عام 1967 حتى سقوطهم في أعقاب "عملية السلام" التركية في جزيرة قبرص عام 1974، وصولاً إلى الأزمة الحالية المتمثلة برفض الحكومة اليونانية الاعتراف بهويتهم العرقية، فضلاً عن التدخل في شؤونهم الدينية والتعليمية.
يُذكر أن حقوق الأتراك الذين يبلغ عددهم 150 ألفاً ويقطنون منطقة تراقيا الغربية الممتدة بين نهر مرج إيفروس حتى مدينة قوله ونهر قره صو في إقليم تراقيا اليوناني،مكفولة ومحميَّة بموجب معاهدة لوزان الموقعة عام 1923، إلا أن أوضاعهم تتدهور باطّراد منذ ذلك الحين، إذ يجادلون للحصول على حقوقهم الاجتماعية والحقوقية أسوةً باليونانيين.
إنكار الهُوِيَّة التركية
على مدار العقود المنصرمة أصرّت الحكومات اليونانية المتعاقبة على رفض وصف الأقلية حسب العرق كـ"أقلية تركية"، واكتفت بوصفهم حسب التصنيف الديني فقط كـ"أقلية مسلمة"، في محاولة لإنكار الهوية العرقية للأقلية التركية التي تقطن إقليم تراقيا الغربي، مما يُعَدّ إحدى أهمّ المشكلات التي يواجهها المسلمون الأتراك في اليونان.
ومنذ ثمانينيات القرن الماضي تحظر اليونان جميع الجمعيات التركية التي تضمّ في أسمائها كلمة "تركية"، وترفض الامتثال لقرارات محكمة حقوق الإنسان الأوروبية التي صدرت ضد اليونان في هذا الخصوص عام 2008. وبسبب السياسة الوحشية تلك، لا تزال جميع مؤسسات الأقلية التركية التي تحتوي على كلمة "تركية" في أسمائها محظورة في اليونان.
وفي رسالة أصدرتها وزارة الخارجية التركية بمناسبة "يوم المقاومة الوطنية والتضامن" في تراقيا الغربية الموافق 29 يناير/كانون الثاني من كل عام، أشارت إلى أن أتراك تراقيا الغربية في اليونان يناضلون منذ أكثر من 30 عاماً للاعتراف بهويتهم التركية، وأضافت: "سنقف على الدوام إلى جانب أبناء جلدتنا في نضالهم العادل".
وفي منتصف أبريل/نيسان 2021، وخلال مؤتمر صحفي عاصف مع نظيره اليوناني، قال وزير الخارجية التركي مولود جاوش أوغلو: "أنتم لا تسمحون للأقلية التركية بأن تطلق على نفسها تسمية تركية، أنتم تسمّونهم مسلمين. إذا كانوا يعتبرون أنفسهم أتراكاً فهم أتراك، عليكم أن تعترفوا بذلك".
تدمير الآثار الإسلامية
بالتزامن مع احتفال الأتراك بذكرى فتح إسطنبول كل عام، تتصاعد حدة الهجمات على المساجد المتبقية في جنوب قبرص واليونان، بين إحراق وكتابات عنصرية ورفع العلم البيزنطي واليوناني فوق مآذنها. يُذكر أن لليونان تاريخاً طويلاً من استهداف الآثار العثمانية والإسلامية.
ويُستخدم عديد من المساجد التاريخية في اليونان لسنوات طويلة بشكل يتنافى مع الغرض من بنائها، فبينما حُوّل بعض المساجد إلى كنائس ومتاحف وقاعات عرض، استُخدمَ بعضها الآخر حانات أو دور سينما مثيرة، فيما تُرك عديد من المساجد الأخرى لتواجه قدرها.
علاوة على ذلك، لا يُسمح ببناء مساجد في المدن اليونانية الرئيسة، رغم عيش مئات آلاف المسلمين فيها، ورغم مطالبتهم المتكررة بمساجد للمسلمين هناك، فيما تُعتبر أثينا العاصمة الأوروبية الوحيدة التي ليس فيها مسجد للمسلمين.