تابعنا
يغطي شبه جزيرة سيناء نحو 61 ألف كيلومتر مربع، بما يمثل 6% من إجمالي مساحة مصر، ويُطلّ شمالها على البحر المتوسط شمالاً، أما جنوباً فعلى "رأس محمد" أو بداية البحر الأحمر المتاخمة لخليجَيْ السويس والعقبة.

بعد بدء الحرب على قطاع غزة بأقلّ من أسبوع، نشر موقع إسرائيلي وثيقة للاستخبارات الإسرائيلية تعرض خطة قديمة تقضي بنقل المدنيين البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة من القطاع إلى مخيمات في شبه جزيرة سيناء، ثم بناء مدن يوطّنون فيها هناك.

ورغم أن الوثيقة غير رسمية، واجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هذه التلميحات برفض قاطع، مؤكداً في مؤتمر صحفي أن التهجير القسري لأهل غزة مرفوض سياسياً وشعبياً.

وأضاف أن نقل الفلسطينيين من القطاع إلى سيناء معناه نقلُ المقاومة والقتال من غزة إلى سيناء، وبالتالي تُصبح سيناء قاعدة لانطلاق عمليات مقاومة تدفع إسرائيل إلى الرد على أرض مصرية، ما "يؤدي إلى تلاشي السلام"، وفق قوله، في إشارة إلى اتفاق السلام المصري الإسرائيلي.

بدوره قال رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي من مدينة العريش إن "مصر مستعدة لبذل ملايين الأرواح كيلا يقترب أحد من أيّ ذرة رمل في سيناء"، مؤكداً أن تهديد بلاده ومحاولة النَّيل منها عبر التاريخ أتى من منطقة سيناء.

بوابة مصر الشرقية

يغطي شبه جزيرة سيناء نحو 61 ألف كيلومتر مربع، بما يمثل 6% من إجمالي مساحة مصر، ويُطلّ شمالها على البحر المتوسط شمالاً، أما جنوباً فعلى "رأس محمد" أو بداية البحر الأحمر المتاخمة لخليجَيْ السويس والعقبة.

وتمثّل المنطقة الحدودَ السياسية بين مصر وفلسطين وخليج العقبة شرقاً، وغربها يقع خليج السويس وقناة السويس والبُحيرات المرّة.

ويشكل الجزء الجنوبي من سيناء مثلثاً مقلوب القاعدة، يقع على الخط الوهمي الفاصل بين رأسَي الخليجين، أما ضلعا "المثلث" فهما خليج السويس الذي يبلغ طوله 340 كم، وخليج العقبة البالغ طوله 250 كم، ويقع رأس المثلث فى "رأس محمد".

وتتميّز جغرافية سيناء بأنها بيئة ساحلية على السهول الشمالية المجاورة للبحر المتوسط، وعلى امتداد عمق 20 إلى 40 كيلومتراً توجد كثبان رملية منبسطة، فيما تسود وسط سيناء بيئة صحراوية تغلب عليها الهضاب، أمّا الجنوب فيتميَّز بمجموعة من الجبال العالية والمنفصلة، تتخلّلها مجموعة من الوديان والممرات مثل وادي العريش وممرّ متلا.

طريق تاريخي

أدرك المصريون القدماء أهمية موقع سيناء الاستراتيجي، ونشأ في شمال سيناء أقدم طريق حربي، وهو طريق حورس الذي كان يبدأ من القنطرة حاليّاً ويتجه عبر مواقع عدة إلى العريش، وتدلّ عليه بقايا القلاع القديمة كقلعة ثارو، ومكانها الآن تل أبو سيفة، وحصن "بوتو سيتي" الذي أنشأه الملك "سيتي" الأول، في منطقة قطية.

وقد قاد الملك سمرخت، سابع ملوك الأسرة الأولى، حملة إلى وادي المغارة موطن مناجم الفيروز في سيناء ضد البدو الرحل هناك عام 3200 قبل الميلاد، مسجلاً أخبار حملتِه بنقش على قطعة من الصخر وعليها صورته، وتُعتبر أقدم أثر في سيناء، ثم تبعه بقية الملوك بحملات ومعارك مشابهة ضد أعدائِهم.

أما الملك زوسر، أحد ملوك الأسرة الثالثة الملقَّب بفاتح شبه جزيرة سيناء، فقاد حملة كبرى هناك عام 2700 قبل الميلاد، وتكرّر الأمر ذاته مع ملوك الأسرة الرابعة الذين يُلقَّبون ببناة الأهرام، ومنهم الملك سنفرو الذي أرسل حملات إلى سيناء لتأمينها واستخراج المعادن.

ظلت سيناء الباب الوحيد الذي تخرج منه الجيوش لتطارد أعداءها أو لتعود حاملة المكاسب، فخرج الملك تحتمس منها لمطاردة الآسيويين الذين هدّدوا شرق مصر، وهزمهم في مجدّو وطاردهم حتى سوريا شمال نهر الفرات، وكذلك رمسيس الثاني الذي أعدّ حملة لمحاربة الحيثيين، فجهّز جيشه في ثارو (القنطرة الآن) وتحرك منها إلى قادش، حيث هزمهم وأجبرهم على التراجع والصلح.

بوابة الإسلام في شمال إفريقيا

دخل المسلمون إلى مصر ومنها شمال إفريقيا عبر سيناء، ويقول المؤرخ نعوم شقير في كتابه "تاريخ سيناء القديم والحديث وجغرافيتها"، إنه في عهد الخليفة عمر بن الخطاب اجتاز الجيش الإسلامي بقيادة عمرو بن العاص إلى مصر من ناحية الشام، وتقدّم نحو رفح ثم العريش ثم الفرما، إذ حاصر قوات الروم نحو شهرين قبل أن تسقط، ومنها إلى بلبيس حيث هزم الجيش الروماني بعد أن حاصرها مدة شهر، ووافق ذلك عام 639 ميلادية.

وقد اعتبرها بعض قادة الجيوش الإسلامية نقطةً يتوجّهون منها إلى شمال إفريقيا، فكانت سيناء أحد أهم المعابر البشرية خلال القرون الأولى من الفتح الإسلامي.

وهذه الهجرات التي عبرت سيناء منذ الفتح الإسلامي ازدادت خلال العصرين الأموي والعباسي، ثم أخذت تقلّ بشكل ملحوظ منذ عصر الطولونيين، نتيجة انهيار النفوذ العربي خلال العصر العباسي الثاني.

صليبيّون ومغول

خلال فترة الحروب الصليبية تعرضت سيناء لمحاولة الغزو من قبل الصليبييّن، ويقول نعوم شقير إن بلدوين الأول حاكم بيت المقدس الصليبي توغل في وادي عربة، للسيطرة على المنطقة الواقعة جنوب البحر الميت، ثم شيّد سنة 1115م حصن الشوبك ليكون مركزاً يمكّن للصليبيين من السيطرة على وادي عربة بأكمله.

وفي العام التالي خرج بلدوين في حملة أخرى، وسار حتى أيلة على ساحل الخليج، وشيّد فيها قلعة حصينة ليستطيع التحكم في الطريق البري للقوافل بين مصر والشام، وتمكن من تشييد قلعة في جزيرة فرعون الواقعة في مواجهة أيلة في خليج العقبة.

بذلك تمكن الصليبيون من الإشراف على شبه جزيرة سيناء، لكن رغم ذلك رفض رهبان دير سانت كاترين استضافة بلدوين خشية انتقام الفاطميين في القاهرة، ما جعله ينصرف عائداً إلى بيت المقدس.

استمر بلدوين في استراتيجيته الرامية إلى السيطرة على شبه جزيرة سيناء والطرق المؤدية إليها، فشيّد قلعة وادي موسى عام 1117م، وفي العام التالي خرج بحملة عبر الطريق الشمالي الذي يمر بشمال سيناء، ووصل إلى الفرما التي اقتحمها وأحرقها.

كما تعرضت العريش لهجوم الصليبيين في عام 1181م، وقُطعت أشجار نخيل سيناء وحمل الصليبيون جذوعها إلى بلادهم لاستخدامها في صناعة السفن، وذلك ضمن خطة أرناط (رينالد دو شاتيون) حاكم حصن الكرك الصليبي للسيطرة على البحر الأحمر.

إلّا أن خطته في السيطرة على سيناء والبحر الأحمر فشلت نتيجة الجهود التي بذلها الأيوبيّون، وبخاصة صلاح الدين الأيوبي، كما أوقف مدّ حملاته في البحر الأحمر التي كانت تصل حتى عدن، حين دمّر أسطول حسام الدين لؤلؤ الأسطول الصليبي.

وحين قرر القائد المملوكي سيف الدين قطز محاربة التتار وعدم تسليم مصر لهم، قرر أن يخرج بالجيش لملاقاة التتار في أرض فلسطين وأن لا ينتظر قدومهم إلى مصر.

وكانت الصالحيَّة غرب سيناء نقطةَ التجمّع للفرق العسكرية التي جاءت من أنحاء مصر، وتحرّك الجيش عبر الطريق الشمالي لسيناء بمحاذاة البحر المتوسط.

وحقق جيش قطز انتصارات عدة بعد اجتيازه سيناء ورفح وخانيونس واقترابه من غزة التي احتلّها التتار أثناء اجتياحهم للشام، وهزمهم في غزة ثم توجه شمالاً مروراً بعسقلان وحيفا وعكا، ليلاقي جيش التتار ويهزمه في عين جالوت، التي تحوّلت إلى أحد أشهر المعارك في التاريخ، وشكّلت أول هزيمة عسكرية للمغول منذ عهد جنكيز خان.

مطمع جديد

أما التاريخ الحديث لمصر، فقد شهد اهتمام محمد علي بسيناء فأنشأ محافظة العريش التي كانت أول شكل إداري حديث لشبه الجزيرة، ووضع لحمايتها قوَّة عسكرية ونقطة جمركية وأخرى للحجر الصحي لفحص القادمين للبلاد.

وفي فترة حكم الخديوي إسماعيل جاءَت حملة علمية من بريطانيا للتنقيب ورسم خريطة لسيناء، كما افتُتحت قناة السويس للملاحة عام 1869، وكان من نتائج إقامة هذا الممر الملاحي المهم إنشاء عدد من المدن على ضفتي القناة كمدينتي بورسعيد والإسماعيلية.

وفي عام 1956 شنّت كل من إسرائيل وفرنسا وإنجلترا هجوماً على مصر فيما يُسمى بـ"العدوان الثلاثي"، أما إسرائيل فتوغّلت في سيناء بالكامل، ولكن صدر قرار من مجلس الأمن آنذاك بردّ جميع الأرض المحتلة إلى مصر وعدم شرعية الهجوم، لتنسحب في مارس/آذار 1975.

وشنت إسرائيل في 5 يونيو/حزيران 1967 هجوماً على مصر وسوريا والأردن، واحتلت سيناء والجولان والضفة الغربية للأردن، فيما يعرف بـ"النكسة" التي احتلت فيها إسرائيل سيناء.

وفي 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973 في تمام الثانية ظهراً، نفذت القوات المسلحة المصرية والسورية هجوماً على القوات الإسرائيلية في كل من شبه جزيرة سيناء والجولان في حرب أكتوبر.

وعبَرت القوات المصرية إلى الضفة الشرقية ورفَعت العَلم المصري، وتلتها مفاوضات أجبرت إسرائيل على الانسحاب الكامل من شبه جزيرة سيناء، وهو ما حدث في 25 أبريل/نيسان 1982 مع الاحتفاظ بشريط طابا الحدودي، واسترجعت الحكومة المصرية هذا الشريط فيما بعد، بناءً على تحكيم لمحكمة العدل الدولية، لتحرّر سيناء بالكامل.

TRT عربي
الأكثر تداولاً