من خلال رسالة جرى تعميمها حديثاً يحاول وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن تكثيف جمع التقارير من جميع أنحاء العالم للوصول إلى معلومات حول ما أطلق عليه "متلازمة هافانا"، وهو مرض غامض يصيب دبلوماسيين وقوات أمريكية منذ سنوات.
طلبت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" من جميع الأفراد العسكريين والمسؤولين المدنيين والمتعاقدين الإبلاغ عن أي حوادث صحية شاذة مماثلة للأمراض التي أصابت الدبلوماسيين في السفارة الأمريكية بالعاصمة الكوبية هافانا.
المنشأ والأعراض
والمعلومات المكتشفة عن المتلازمة حتى الآن متعلقة بطنين قوي يحدث في الأذن، فيما يتحدث خبراء ومسؤولون عن شكل سري محتمل من أشكال المراقبة والتجسس، بينما يتوقع آخرون أن يكون الأمر مجرد تهيؤات.
والمذكرة الجديدة التي وقع عليها وزير الدفاع إلى جانب الوثائق الأخرى المقدمة لمسؤولي المخابرات تحدد الأعراض المشتبه فيها للهجمات من روايات الجرحى، بـ"الحرارة والضغط والضوضاء والغثيان والصداع والألم والدوار".
وظهرت المتلازمة لأول مرة في كوبا عام 2016 بعدما تحدث عنها ضباط في وكالة المخابرات المركزية، مما يعني أن الأمر ظل طي الكتمان حتى بات يثير القلق خلال السنوات الأخيرة، ما دفع إلى الإفصاح عنه.
وجرى استعادة العلاقات الدبلوماسية بين الولايات المتحدة وكوبا عام 2015 بعد عقود من العداء، لكن في غضون عامين كادت متلازمة هافانا أن تؤدي إلى إغلاق السفارة، فسُحب الموظفون بسبب مخاوف على سلامتهم.
في البداية كانت تكهنات بأن الحكومة الكوبية أو تياراً متشدداً فيها يعارض تحسين علاقات البلدين قد يكون مسؤولاً بعد أن نشر نوعاً من الأسلحة الصوتية.
لكن في بعض حالات متلازمة هافانا على الأقل جرى استخدام التكنولوجيا من قبل المخابرات العسكرية الروسية للتنصت ولكن ليس للإصابة عمداً، وفقاً لبعض المسؤولين الأمريكيين. وقال هؤلاء المسؤولون إن الحلقات اللاحقة الأخرى تبدو أشبه بهجمات متعمدة.
وحدثت المشكلة لاحقاً في مواقع دبلوماسية في الصين، وهي دولة كان من الصعب على المخابرات الروسية العمل فيها، وفقاً لمسؤولين مطلعين على المعلومات الاستخباراتية.
منذ ذلك الحين تابع المسؤولون الحالات في أوروبا وآسيا.
وأكد مسؤولو الدفاع أن المذكرة التي جرى إرسالها إلى 2.9 مليون من أفراد الخدمة العسكرية والمدنيين في وزارة الدفاع، تحدد بشكل حاسم كيفية الرد: التحرك بسرعة بعيداً عن المنطقة.
ويقول نائب مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية ديفيد كوهين: "توجد مشكلة استخباراتية كلاسيكية، ونحن نتعامل معها بنفس الأساليب".
ويوضح أن "القضية جادة وتؤثر على ضباطنا وعلى الآخرين حول مجتمعهم وفي الحكومة، ونحن نتجه إلى كشف الأمر".
ويوجد العديد من الأسباب التي دفعت الولايات المتحدة إلى العمل لتحديد من وما المسؤول عن هذه المتلازمة.
واعتبر عدد من المسؤولين الأمريكيين أن أجهزة المخابرات من عدة دول قد تكون متورطة، ولكل منها دوافع ومعدات مختلفة تسبب الأمراض.
لكن احتمال تعدد الخصوم يظل مجرد نظرية، فمسؤولي المخابرات لم يتوصلوا بعد إلى استنتاجات قوية.
وتقول صحيفة نيويورك تايمز إن "تكنولوجيا المراقبة في حقبة الحرب الباردة التي طورها الاتحاد السوفيتي انتشرت في بلدان أخرى، ولكل منها معدات يمكن أن تثير أعراضاً مشابهة للهجمات السابقة".
قوانين وتدابير
ويدرس مجلس النواب مشروع قانون وافق عليه مجلس الشيوخ من شأنه توسيع المساعدة للمسؤولين الحكوميين الحاليين والسابقين المصابين في حوادث غير عادية والذين يعانون متلازمة هافانا.
وتأجل الاقتراع الذي كان مقرراً في يوليو/تموز بسبب الاقتتال الحزبي لكن بعض المسؤولين يقولون إن فرصة أخرى للتصويت قد تأتي نهاية الشهر الجاري.
ويجري الحديث عن ما يقرب من 200 حالة من حالات متلازمة هافانا، نصفها يتعلق بأفراد وكالة الاستخبارات المركزية.
ولاحقاً حدثت حلقات إضافية، بما في ذلك واحدة في فيتنام أدت مؤقتاً إلى تأخير زيارة كامالا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي إلى البلاد. وجرى إزالة حالات أخرى من الدراسة، مع اعتقاد المسؤولين أنها لا تتناسب مع نمط المتلازمة.
وقال مسؤول دفاعي كبير إن التقارير الإضافية يمكن أن تساعد المحققين في معرفة المزيد عن الهجمات واكتشاف الأنماط والاقتراب من تحديد السبب.
وأوضحت مذكرة لويد أوستن أن الأحداث جرت "في الغالب بالخارج"، لكن المسؤولين والوثائق في البنتاغون أقروا حدوث بعض الحالات الشاذة في الولايات المتحدة.
وتحدث مسؤولون في الإدارة سابقاً عن أن حلقتين في العاصمة واشنطن يمكن أن تكونا أمثلة محتملة لمتلازمة هافانا.
على مدار العام حاول البيت الأبيض ومسؤولون حكوميون آخرون رفع مستوى الوعي بالنوبات وتشجيع الناس على الإبلاغ عن أعراض المتلازمة ولكن أيضاً تجنب إثارة الذعر.
تستند نصيحة البنتاغون الجديدة إلى تجربة الأفراد العسكريين الذين أصيبوا بمتلازمة هافانا.
يتضمن ذلك حالة واحدة في خريف عام 2020 عندما سحب ضابط عسكري يخدم في الخارج سيارته إلى تقاطع، ثم تغلب عليه الغثيان والصداع. وبدأ ابنه البالغ من العمر عامين الجالس في المقعد الخلفي في البكاء.
عندما ابتعد الضابط بسرعة عن التقاطع توقف غثيانه وتوقف الطفل عن البكاء، وهي سلسلة من الأحداث التي ساعدت في ترسيخ النصيحة العسكرية بأن القوات يجب عليها الخروج من منطقة الاحتكاك في أسرع وقت ممكن.