منذ صباح يوم السادس من فبراير/شباط الماضي، ومع وقوع زلزالين قويَّين في جنوبيّ تركيا وشماليّ سوريا، سارعت الدول لمدّ يد المساعدة وإرسال أطنان من الأدوية والملابس والأغطية والخيام للمتضررين. وقد شملت هذه المساعدات تلك الحكومية التي أرسلها عديد من الدول حول العالم، وتلك الشعبية التي حملت أصدق معاني التضامن والعرفان. وإذا كانت التقارير الإعلامية تناولت بشكل موسع المساعدات الحكومية، فإن قليلاً منها سلّط الضوء على المبادرات الشعبية والفردية لهذه المساعدات الإنسانية.
أهالي مصراتة
من مدينة مصراتة الليبية خرجت سفينة مُحمَّلة بمساعدات جمعها الأهالي ونظّمها الهلال الأحمر الليبي وبلدية مصراتة، ملأت 12 شاحنة توجهت إلى ميناء المدينة وحُمّلَت على متن سفينة.
وكانت المساعدات مولدات كهربائية ومدافئ كهربائية وبطانيات وملابس.
وفي تصريح لوكالة أنباء الأناضول قال فتحي شيباني مدير الهلال الأحمر في مصراتة، إن "المساعدات جمعها الأهالي للشعب التركي الذي دائماً ما وقف إلى جانب الليبيين، وهذا هو الوقت الذي يجب أن يقف الليبيون بجانب أشقائهم الأتراك"، وأشار إلى أن فريقاً من الهلال الأحمر الليبي مكوناً من 25 شخصاً اتجه نحو تركيا للمساهمة في أعمال الإنقاذ وانتشال الجثث من تحت الأنقاض.
ولم تتوقف مساعدات الشعب الليبي عند هذه السفينة، بل لا يزالون يجمعون المساعدات، حسب مدير مكتب رئيس بلدية مصراتة محمود مرصادي، إذ أطلقوا حملة لجمع المساعدات العينية والمادية فور سماعهم بوقوع الزلزال في تركيا، مبيناً أن سكان مصراتة سيرسلون سفينتين إضافيتين من المساعدات الإنسانية إلى تركيا لاحقاً.
تلاميذ مدارس العراق
حسب إصدار الربيع من المرصد الاقتصادي للعراق، فإن تحديات الأمن الغذائي الحالية في البلاد اشتدّت حدّتها في خضمّ الارتفاع الحالي في أسعار السلع الأساسية عالمياً، وقلة مستوى إنتاج الغذاء المحلي عن مستوى الطلب الناجم عن النمو السكاني السريع.
على الرغم من ذلك فإن أن طالبات مدارس المعارف الدولية في أربيل تبرّعن بـ15 ألف دولار وأودعنها في الحساب الذي فتحته القنصلية التركية لمتضرري الزلزال.
وقالت جيمن لقمان محمد مديرة مدرسة "لافين" الابتدائية للبنات، لوكالة الأناضول، إن تلميذات المدرسة شاركن في الحملة بالملابس والتبرعات النقدية، مضيفة: "أحضر بعض تلميذاتنا أيضاً بطانيات وملابس شتوية ومواقد".
وفي محافظة دهوك جمع الأهالي المساعدات وأوصلوها إلى نقاط محددة لإرسالها إلى ضحايا الزلازل، كما قدّم طلاب المدارس في المدينة تبرعاتهم لهم، وفي محافظة السليمانية شارك طلاب المدارس في حملة جمع المساعدات التي نظّمها تليفزيون كوردسات في المدينة لضحايا زلزال.
أبناء الانتفاضة
على الرغم من الظروف القاسية التي يعيشها الشعب الفلسطيني في ظروف الاحتلال والحصار، فإن قطاعات واسعة منه بادرت إلى تقديم المساعدات.
فقد أطلقت مؤسستان فلسطينيتان في قطاع غزة حملتَي تَبرُّع لمساعدة المتضررين من الزلازل، من خلال أنشطة تضامنية لجمعية المجمع الإسلامي الخيرية التي استمرت عدة أيام.
بالإضافة إلى مؤسسة أحمد ياسين الدولية حيث جُمعَت التبرعات بمشاركة أطفال فلسطينيين رفعوا شعارات تضامنية مثل "أطفال غزة يتضرعون إلى الله من أجل تركيا"، وقد استهدفت هذه التبرعات أطفال تركيا وسوريا.
في ما بعد انطلقت حملة جديدة لجمع التبرعات النقدية، ينظّمها القطاع الخاص متمثلاً في الغرف التجارية والصناعية والاتحادات التخصصية والنقابات المهنية بمحافظة الخليل.
يقول عبده إدريس رئيس الغرف التجارية إن "أهمية الحملة تكمن في كونها رسالة إنسانية أكثر من قيمتها المادية لأهلنا في سوريا وتركيا، في ظل الألم والأعباء التي يعانيها الفلسطينيون".
كما سبق أن نظمت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية حملة "أغيثوهم"، وجمعت نحو 1.37 مليون دولار.
تلاميذ السودان
على الرغم من البُعد الجغرافي، والأزمة التي يعاني منها السودان، أطلق طلاب المدارس التى أنشأها وقف المعارف التركي في السودان حملة مساعدات لضحايا كارثة الزلزال جنوبي تركيا، وقال مراسل وكالة أنباء الأناضول إن الحملة أُطلقَت في مدارس وقف المعارف التركي بالعاصمة الخرطوم ومدينة نيالا.
وأُرسلَت المساعدات المُجمَّعة في إطار الحملة إلى تركيا عبر سفارة أنقرة لدى الخرطوم.
شماليّ لبنان
رغم الظروف الاقتصادية الطاحنة، أطلق الشعب اللبناني في شماليّ البلاد حملة "رد الجميل" للتضامن مع الشعب التركي، بالتعاون بين جمعية "عَلّمَ بالقلم" الخيرية والمجتمع المدني في المنطقة.
وقالت الجمعية في بيان: "أُطلقَت الحملة لإرسال مساعدات عن طريق السفارة التركية في لبنان، وذلك بحضور ممثلين عن مؤسسات وهيئات المجتمع المدني. وقال حسام عيد مدير معهد "دير عمار الفني" المشارك في الحملة، إن "تقديم المساعدات لإخوتنا في تركيا مبادرة متواضعة معنوية أكثر منها مادية للتعبير عن موقف إنساني أمام شعبٍ ودولة لم تبخل يوماً في دعم مشاريع في لبنان".
وقال سامي الجندي عمدة بلدة دير عمار: "لقد وقفتم معنا قبل بدء أزمتنا الاقتصادية وخلالها، نقف هنا لنردّ بعضاً من كثير، آملين أن ينهض الشعب التركي ويستعيد عافيته".
يُذكر أنه في يوليو/تموز 2022 أعاد البنك الدولي تصنيف لبنان ضمن الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل، وذلك في ظل أزمة اقتصادية عنيفة لم تشهدها البلاد منذ منتصف القرن التاسع عشر.

الجاليات العربية في تركيا
لم تنحصر المساعدات في الدول العربية من خارج تركيا وسوريا، بل جُمعَت أيضاً المساعدات من داخل تركيا من عدة جاليات، بخاصة في الولايات الشمالية التركية وإسطنبول، من تجار وطلاب وافدين وعمال... من أهم هذه الجاليات:
الجالية اليمنية
رغم الظروف الصعبة والحرب التي يواجهونها منذ 8 سنوات، جمعت الحملة التي شكلتها الجالية اليمنية في تركيا، بالتعاون مع سفارة بلادهم بأنقرة، نحو 900 ألف دولار، وفي 18 فبراير/شباط الماضي قدّمَت الحملة قافلة إغاثية من 10 شاحنات تحمل موادّ غذائية وطبية وإيوائية، انطلقت من إسطنبول إلى المناطق المتضررة جنوبيّ تركيا.
من جهتها أعلنت الناشطة اليمنية الحائزة على جائزة نوبل للسلام توكل كرمان، تبرُّعها بإعادة بناء 50 وحدة سكنية لصالح مَن فقدوا منازلهم جراء زلزال تركيا، كما قدمت مؤسسة كرمان الدولية قافلة إغاثية انطلقت من إسطنبول إلى ولاية هاطاي التركية.
الجالية المصرية
لم تمنع الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يمرّ بها الشعب المصري تقديم المعونات لمتضرري الزلازل في سوريا وتركيا، فبعيداً عن معونات الحكومة المصرية، لم يكتفِ الشعب المصري بالجهود الرسمية، بل قدّم العون بشكل إنساني منفصل.
فقد أعلن عدد من جمعيات مصرية في تركيا، أنها جمعت حتى الآن 3.6 مليون ليرة (نحو 200 ألف دولار)، ونظمت عدداً من القوافل الإغاثية، وتطوع أفرادها في عمليات إجلاء المنكوبين من الزلزالين اللذين ضربا تركيا بداية شهر فبراير/شباط الماضي.
وذكرت الجمعيات في بيان أنها شاركت في تنظيم 5 قوافل إغاثية بالتعاون مع منظمة "IHH" التركية للإغاثة، وأوضح البيان أن الجمعيات تضمّ منظمات: "ديوان الخير" و"الرواد الجدد" و"أجيال المستقبل" و"أركان" و"منتدى الشباب المصري" و"اتحاد الطلاب المصريين".
قدمت المنظمات تبرعات عينية شملت مولدات كهرباء وبطاطين وخياماً ومدافئ كهرباء وأغذية وملابس، كما انضمّ أكثر من 254 عضواً من أعضاء تلك المؤسسات إلى صفوف المتطوعين لدى بلديات إسطنبول، بجانب المشاركة في إجلاء المتضررين من المناطق المنكوبة وإقامة حملة تبرع بالتنسيق مع الهلال الأحمر التركي شارك فيها مئات.
الجالية المغربية
أعلن أفراد من الجالية المغربية جمع تبرعات بأكثر من مليون ليرة تركية من مغاربة يقيمون في تركيا وخارجها لمساعدة المتضررين من الزلازل في جنوبي البلاد.
وقال القائمون على حملة جمع التبرعات، في بيان، إنه "تعبيراً عن التضامن مع تركيا في مواجهة تداعيات الزلازل، جمع أفراد من الجالية المغربية في تركيا وخارجها، أكثر من مليون ليرة".
من خارج الوطن العربي
أرسل تركمان أفغانستان مساعدات إنسانية لمنكوبي الزلزال في ولاية ملاطية التركية.
أوصل أعضاء منصة تركمان أفغانستان للتضامن، المساعدات الإنسانية إلى منطقة قوزلوجا بقضاء آقجا داغ في ملاطية، التي تَهدَّم فيها أغلب المنازل، فيما تصعّب الثلوج الكثيفة حركة النقل والإغاثة.
ويقدّم أعضاء منصة تركمان أفغانستان للتضامن 3 وجبات طعام لمنكوبي الزلازل في المنطقة المذكورة.
وفي حديثه للأناضول، قال حامد سلطاني الناطق باسم المنصة الأفغانية، إن "تركيا كانت دوماً بجانب أفغانستان في الأوقات العصيبة"، وأضاف أن مدّهم يد العون إلى منكوبي الزلازل يأتي في إطار ردّ الجميل لتركيا.
كما جمع أطفال دار أيتام "الإكرام" التابعة لجمعية NEED الخيرية في أفغانستان، المساعدات للضحايا في تركيا، إذ جمع 300 طفل في دار الأيتام ما ادّخروه في حصالاتهم من أموال بسيطة وقدّموه ضمن التبرعات التي جمعتها الجمعية الخيرية.
وفي أديس أبابا جمع مواطنون إثيوبيون تبرعات بنحو 186 ألف دولار لصالح منكوبي الزلزال. جاء ذلك خلال فاعلية نظمتها السفارة التركية لدى أديس أبابا، وشارك فيها مواطنون ومسؤولون وبرلمانيون إثيوبيون.
ويواصل الإثيوبيون منذ اليوم الأول للزلزال جمع التبرعات وإقامة فاعليات تضامنية مع المنكوبين، إضافة إلى إقامة صلاة الغائب على الضحايا.
وفي كلمة خلال الفاعلية قالت سفيرة أنقرة في أديس أبابا يبرق ألب، إن إثيوبيا أظهرت تضامنها حكومةً وشعباً مع تركيا منذ اليوم الأول لوقوع الزلزال.
وأضافت أن "بذور المحبة والرحمة والتضامن التي زرعتها تركيا طوال السنوات الماضية في مختلف أنحاء العالم، بدأت تؤتي ثمارها".
بدوره، قال فنان محمد، رئيس خريجي الجامعات التركية في إثيوبيا، إن جمع التبرعات لمنكوبي الزلزال يأتي ردّاً للجميل تجاه تركيا التي مدّت لهم يد العون في ما مضى، حسب تعبيره.
أما مسلمو الروهينغيا، فقد أرسل لاجئون مسلمون منهم مقيمون في مخيمات بجنوبي بنغلاديش، 700 بطانية و200 معطف.
وقالت ضياء هيرو إحدى المتبرعات: "كانت تركيا أحد مصادرنا المهمة للمساعدة والدعم منذ بداية أزمتنا، كيف يمكن أن نبقى غير مبالين في مواجهة مثل هذه الكارثة الكبرى التي واجهها أصدقاؤنا؟".
وأشارت إلى أن سكان المخيمات جمعوا المعاطف والبطاطين وبعض الأموال وأرسلوها إلى مدينة دكا، وأكدت هيرو أنهم لاجئون في بنغلاديش وغالباً ما يحتاجون إلى التبرعات والمساعدات، إلا أن "هدايانا تحمل حبّاً وتضامناً غير محدودَين مع أشقائنا الأتراك".