ولد سليمان يوم 6 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1494 في مدينة طرابزون التي كان والده سليم والياً عليها قبل أن يصبح ثالث السلاطين العثمانيين بعد جده محمد الفاتح ووالده السلطان بايزيد في أعقاب فتح مدينة إسطنبول منتصف القرن الرابع عشر الميلادي.
وفي الـ 30 من شهر سبتمبر/أيلول من عام 1520 اعتلى سليمان القانوني عرش الدولة العثمانية وهو بعمر الـ26، ليصبح بذلك عاشر سلاطين بني عثمان والرابع بعد فتح إسطنبول إلى جانب ترتيبه التاسع والثمانين بين الخلفاء المسلمين.
وخلال سنوات حكمه الـ46 (أطول فترة حكم شهدتها الدولة العثمانية منذ تأسيسها)، والتي امتدت حتى وفاته يوم 7 سبتمبر/أيلول عام 1566، بلغت الدولة العثمانية أقصى اتساع لها وأضحت أقوى دولة في العالم القديم، ونجح أسطوله بقيادة البحار العثماني خير الدين بربروس من فرض هيمنته المطلقة على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر لسنوات عديدة لاحقة.
وبفضل غزواته العسكرية التي بلغ عددها 13 حملة، والتي تمكن خلالها من ضم أجزاء واسعة من جنوب شرق أوروبا والجزر اليونانية إلى جانب توسعاته شرقاً على حساب الصفويين وضمة لشمال إفريقيا حتى الجزائر، أطلق علية أعدائه في الغرب لقب "سليمان العظيم" (Suleiman the Magnificent)، فيما ناداه رعاياه بالقانوني نظراً للإصلاحات التي نفذها داخل النظامين القانوني والإداري للدولة.
نشأته
أمضى السلطان سليمان سنوات طفولته الأولى في مدينة طرابزون على ساحل البحر الأسود رفقة أخيه بالرضاعة يحيى أفندي. وفي سن السابعة؛ أُرسل إلى مدرسة "إندرون" في قصر توبكابي في إسطنبول لتلقي التعليم في مجالات العلوم والتاريخ والأدب والدين والتكتيكات العسكرية. رافقه في رحلته إلى إسطنبول صديقه العبد إبراهيم الذي عينه لاحقاً صدراً أعظم أثناء توليه العرش.
في كنف والده السلطان سليم الأول الذي اعتلى عرش السلطة عام 1512، والذي نجح في ضم مصر وبلاد الشام إلى مظلة الدولة العثمانية ونقل الخلافة الإسلامية وعاصمتها إلى مدينة إسطنبول بعد انتصاره على المماليك في معركة مرج دابق عام 1516، ترعرع سليمان على حب العلم والمعرفة فضلاً عن درايته الواسعة بأمور الدولة والحكم، فخلال فترة شبابه المتقدمة شغل سليمان منصب والي فيودوسيا ثم مانيسا ولفترة قصيرة أدرنة.
بعد وفاة والده ليلة 21 سبتمبر/أيلول 1920، انتقل سليمان إلى إسطنبول وتولى العرش كعاشر السلاطين العثمانيين والخليفة الإسلامي الثاني من بني عثمان.
وفي أعقاب توليه عرش أقوى الإمبراطوريات، وصف سفير البندقية بارتولوميو كونتاريني سليمان الشاب بالتالي: "يبلغ من العمر السادسة والعشرين، طويل لكنه نحيف، لطيف المظهر. عنقه طويل قليلاً، وجهه رقيق وأنفه معقوف مثل منقار النسر. شارباه متدليان ولحيته قصيرة ومع ذلك له طلعة لطيفة مع بشرة تميل إلى الشحوب. يقال إنه حكيم ومولع بالدراسة والتعلم والجميع يأملون الخير من حكمه، كما وله عمامة كبيرة للغاية".
على خطى الإسكندر الأكبر
يعتقد بعض المؤرخين أن السلطان سليمان كان يكن التقدير للإسكندر الأكبر، فقد تأثر بقصته وهدفه في إنشاء إمبراطورية عالمية كبيرة تشمل الشرق والغرب، وهو ما كان الدافع وراء حملاته العسكرية الكثيرة التي شملت قارات العالم القديم، آسيا وأوروبا وإفريقيا.
وعلى خطى الإسكندر الأكبر الذي استلهم منه رؤيته وتكتيكاته العسكرية، انطلق السلطان سليمان على رأس 13 حملة عسكرية، تجاوزت مدتها الإجمالية أكثر من 10 سنوات، نجح من خلالها في ضم البلقان وأجزاء واسعة من اليونان والمجر فضلاً عن رودس ومعظم جزر المتوسط، بالإضافة إلى توسعه شرقاً على حساب الصفويين وضمه دول شمال المغرب العربي تحت مظلة الدولة العثمانية.
وإلى جانب نجاحاته البرية، نجحت البحرية العثمانية تحت قيادة البحار الشهير خير الدين بربروس من إلحاق هزيمة بحرية مذلة بتحالف الرابطة المقدسة الصليبي التي أسسها بابا روما بولس الثالث خلال معركة بروزة عام 1538، وفرض هيمنتها المطلقة على البحر الأبيض والبحر الأحمر، ووقف هجمات القراصنة البرتغاليين على المقدسات الإسلامية في مكة والمدينة.
جسده في إسطنبول وقلبه في المجر
في يوم 7 سبتمبر/أيلول عام 1566، وأثناء حصار حصن سيكتوار خلال الحملة العسكرية التي استهدفت المجر، توفي السلطان سليمان القانوني بشكل طبيعي قبل أن يشهد الانتصار، عن عمر ناهز الـ71 عاماً.
ولأجل الحفاظ على معنويات الجيش العثماني مرتفعة ومنعاً للفوضى على العرش في إسطنبول، أخفى القادة العسكريون ومستشارو السلطان خبر وفاته لمدة تزيد عن 48 يوماً، وقاموا بتزوير توقيعه وأختامه على ظهر الأوراق التي حملت تعليماته وقراراته.
فبحسب المؤرخ العثماني الشهير، أوليا جلبي، فقد أزيل قلب السلطان وكبده وأمعاؤه، ووضعت في وعاء من الذهب، ومن ثم دفنت في خيمته بالقرب من حصن سيكتوار. كما وزيف خبر موت أحد الخدم من أجل نقل جثمانه إلى إسطنبول.
وفور وصوله إلى إسطنبول، دفن جسد السلطان بجوار مسجد السليمانية الذي شيده المعماري العثماني الشهير سنان باشا بين عامي 1550 و1557 تكريماً للسلطان سليمان القانوني. المسجد الذي أتقن سنان فية دمج فنه المعماري برموز وتواريخ تخص السلطان سليمان، ومن أبرزها احتواء المسجد على 4 مآذن تحوي 10 شُرَف؛ في إشارة منه إلى أن سليمان القانوني هو السلطان الرابع منذ فتح إسطنبول، والعاشر بين سلاطين الدولة العثمانية.