مع بدء الحرب الإسرائيلية على غزة أكّدت تركيا دعمها السياسي والإنساني للفلسطينيين عامة وسكان القطاع بشكل خاص، وأعلنت وزارة الصحة التركية نيّتها إنشاء عشرين مستشفى ميدانياً وإرسال مستشفى عائم و40 سيارة إسعاف ومستلزمات طبية مثل حاضنات الأطفال وأجهزة التنفس الصناعي إلى غزة.
وتخطط تركيا لنقل ما يقرب من ألف مريض، بما في ذلك مرضى السرطان الذين يتلقون العلاج في مستشفى الصداقة التركية-الفلسطينية في غزة، عبر معبر رفح إلى مصر ومن ثم إلى تركيا، لتلقي الرعاية اللازمة.
وأرسلت الرئاسة التركية إلى المنطقة 9 طائرات شحن تابعة لوزارة الدفاع الوطني، و32 موظفاً و5 آلاف بطانية ونحو 12 صندوق مساعدات، و115 طناً من الإمدادات الطبية و232 مولداً كهربائياً.
وتمثل هذه المساعدات التركية خطوة مهمة لإنقاذ حياة سكّان القطاع وضمان حصولهم على الرعاية الصحية اللازمة، كما تعمل طواقم تركية في الميدان لتقديم يد العون للمواطنين.
دعم يخفف الأعباء
تلعب المساعدات الإنسانية التركية التي تصل إلى شعب غزة دوراً مهماً في تخفيف الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها الشعب.
وفي هذا السياق، كان إيصال المساعدات الإنسانية إلى الفلسطينيين في غزة أمراً بالغ الأهمية، وبخاصة أن المساعدات الإنسانية أحد أهم عناصر الدبلوماسية الإنسانية التركية، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان.
ورغم مهاجمة إسرائيل مستشفى الصداقة الفلسطينية-التركية في 30 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فإن تركيا مستمرة في مجهود الدعم للفلسطينيين عبر المستشفى وعبر عمل الطواقم التركية.
ووفق الدكتور يحيى غوني، عضو مجلس إدارة جمعية أطباء حول العالم فرع تركيا، فإن غزة ضمن المناطق التي تهتم بها المؤسسة بشكل خاص.
ويقول غوني لـTRT عربي، إن هذا المجهود ليس وليد اليوم "بصفتنا أطباء عاملين في مختلف بقاع العالم نقدم خدماتنا في مناطق الأزمات لأكثر من 20 عاماً، وغزة واحدة من هذه المناطق. منذ تأسيسنا واصلنا الحضور مادياً ومعنوياً في فلسطين، وسنستمر في ذلك".
ويتابع الطبيب: "لاستمرارية المساعدات الصحية التركية افتتحنا مركز علاج طبيعي في خانيونس عام 2015 وبدأنا تقديم الخدمات في المنطقة الأكثر حاجة إليها. بالإضافة إلى ذلك، نقدّم خدماتنا للشعب الفلسطيني من خلال المعالجين لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي".
ويبيّن غوني أن العلاج يواكبه أيضاً الدعم المستمر لضحايا الحرب الإسرائيلية، قائلاً: "بسبب حصار غزة المستمر على مدار التاريخ، فإن أكبر مشكلة يواجهها الناس هي فقدان الأطراف نتيجة للإصابات والصدمات، وقرّرنا فتح عيادة للحفاظ على الخدمات الصحية في المنطقة".
وتعمل الطواقم التركية في غزة رغم الحرب الإسرائيلية عليها، وفق غوني، الذي يؤكد أن أنشطتهم الإنسانية في غزة "مستمرة دون انقطاع منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، كما هي الحال في كل أزمة. ويوفّر موظّفوهم السلع الأساسية مثل الغذاء والماء والخبز مباشرةً من داخل غزة للمحتاجين"، لافتاً بالقول: "نحن المنظمة غير الحكومية الوحيدة في المنطقة التي يمكنها العمل بالتنسيق مع وزارة الصحة في غزة وتقديم خدمات الرعاية الصحية المنزلية".
ويشدّد غوني على أن الانفجارات العنيفة ألحقت أضراراً بمركز أطباء حول العالم في غزة، مبيناً أنها لم تقف مانعاً أمام عملهم، فمنذ اليوم الأول من الأزمة، بدأ اثنان من الأطباء والعاملين الصحيين الآخرين تقديم الدعم الصحي في مستشفى الشفاء ومستشفى إندونيسيا في المنطقة. رغم الصعوبات التي يواجهونها بسبب الأضرار التي لحقت بمنازلهم، يواصل العاملون الصحيون تقديم المساعدة للشعب الفلسطيني بكل قوة.
ويوزع موظفو الوكالة مواد الإغاثة العاجلة للشعب في المنطقة، وفق غوني، من ضمنها مواد أساسية مثل حقيبة النظافة ومواد غذائية أساسية، وحفاضات أطفال وحفّاظات طبية، لافتاً إلى أن أهمية المساعدات المقدمة لا تكمن في حجمها، بل في استمراريتها.
ما مستشفى الصداقة الفلسطينية-التركية؟
شُيّد مستشفى الصداقة الفلسطينية-التركية، وهو أكبر مركز صحي في فلسطين والمستشفى الوحيد المتخصص في علاج مرضى السرطان في قطاع غزة، بأمر من الرئيس أردوغان، وبدأت الأعمال فيه عام 2011.
وأُقيم في حرم جامعة فلسطين الإسلامية للطب، لكنْ بسبب الحصار المفروض على غزة والاضطرابات التي تسبّبت فيها حروب غزة عامي 2012 و 2014، لم يكتمل بناؤه إلّا في عام 2017، ويضم 180 سريراً، ويمتدّ على مساحة مغلقة تبلغ حوالي 35 ألف متر مربع.
وبعد التدخل الإسرائيلي الذي استمر 51 يوماً في غزة عام 2014، كانت تركيا من بين أكثر الدول التي بذلت جهوداً كبيرة لتضميد الجراح في غزة.
وبعد الدمار الكبير الذي لحق بالقطاع قدمت تركيا في العام نفسه، 34.7 مليون دولار من المساعدات الإنمائية العامة و24.5 مليون دولار من المساعدات العاجلة إلى فلسطين، بما في ذلك غزة.
وبمشاركة المنظمات غير الحكومية التركية في هذه الجهود، وصل إجمالي المبلغ إلى 76.3 مليون دولار. وأنفقت تركيا 40 مليون دولار من خلال الوكالة التركية للتعاون والتنسيق لبناء مستشفى الصداقة الفلسطينية-التركية.
أنشطة "تيكا" في فلسطين
وحسب المعلومات التي قدمتها الوكالة التركية للتعاون والتنسيق "تيكا" (TİKA)، فإنّ بعض مشاريع المساعدات التي تنفذها المؤسسة في فلسطين تتوزع في مناطق فلسطينية عدة.
ومن بين هذه المشاريع مستشفى طوباس التركي، وهو أول مستشفى في منطقة طوباس الواقع في الضفة الغربية والبالغ عدد سكانها 40 ألف نسمة، ودخل المستشفى الذي يضم 30 سريراً الخدمة عام 2014، ويتضمن أحدث المعدات الطبية، ويعالج 40 ألف مريض سنوياً، بمن فيهم المرضى من المدن المحيطة.
كما تقدم الوكالة مستلزمات طبية هامة، وورّدت معدات توليد الأكسيجين للمستشفى الأهلي في غزة، وقدمت دعماً بالمعدات لمستشفى الإسراء في الضفة الغربية.
وتساعد في علاج ضحايا العمليات العسكرية الإسرائيلية التي تستهدف المدنيين الفلسطينيين في غزة، ومن أهم هذه المشاريع "مشروع العين الصناعية"، الذي يُعْنَى بالفلسطينيين الذين فقدوا عيونهم خلال الهجمات الإسرائيلية على غزة، عبر عمليات وضع أعين صناعية.
وتقع فلسطين ضمن الدول الأكثر استفادة من التضامن التركي، وحصلت من المؤسسات الحكومية ومنظمات الإغاثة التركية، خلال الأعوام 2013-2017، على مساعدات مالية إجمالية تقدر بقيمة 324 مليون دولار.
ووفقاً لبيانات رئاسة الوكالة التركية للتعاون والتنسيق، تحتل فلسطين المرتبة الأولى بين البلدان التي تستفيد من المساعدات الإنسانية العاجلة والرسمية التي تقدمها تركيا.
وفي هذا الإطار، تلقّت فلسطين مساعدات بقيمة 20.86 مليون دولار عام 2016، و40.60 مليون دولار عام 2017، وفي عام 2019 كانت فلسطين أيضاً من بين أكثر البلدان المستفيدة من المساعدات الإنمائية الرسميّة الثنائية، إذ تلقت مساعدات بقيمة 38.23 مليون دولار، لتحتل المرتبة الرابعة.
ووفقاً لتقرير وكالة تيكا لعام 2021، احتلت فلسطين المرتبة الرابعة أيضاً بين أكثر البلدان المستفيدة من المساعدات الإنمائية الثنائية، إذ تلقت مساعدات بقيمة 33.94 مليون دولار. وفي فترة جائحة "كوفيد19"، أي بين عامي 2020 و2021، خصصت تركيا مساعدات هامة لفلسطين شملت مواد طبية، ومساعدات غذائية، ودعماً مالياً.
وفي إطار اتفاقية المنحة بين تركيا وفلسطين، جرى إرسال 15 طناً من المواد، بما في ذلك أجهزة التنفس الصناعي في وحدة العناية المركزة، ومعدات التشخيص لفيروس كورونا، إلى جانب الكمامات و البدلات الواقية وأجهزة قياس الأكسيجين والنظارات الواقية، وما إلى ذلك.
وفي عام 2021، بلغت الكمية التي حوّلت إلى حسابات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) 106.384 دولاراً أمريكياً. فضلاً عن ذلك أرسلت 50 ألف دولار أمريكي إلى فلسطين بناءً على دعوة من منظمة التعاون الإسلامي (OIC) لتلبية احتياجات المستشفيات الفلسطينية.
كما قدمت جمعية الهلال الأحمر التركي خلال كوفيد مساعدات بقيمة 2,8 مليون ليرة تركية (نحو 370 ألف دولار) لفلسطين.
تركيا راعية العمل الإنساني
تنشط تركيا بفاعلية كبيرة سواء على الساحتين الإقليمية والدوليّة، وقد ضاعفت بشكل خاص من مساعداتها الخارجية الموجهة للتنمية والإنسان لدعم المجتمعات المحلية، في أكثر من بقعة عبر العالم.
بدأت تركيا سياستها هذه في الثمانينيات من القرن الماضي مع فلسطين، وتشمل المساعدات مجالات شتى، مثل الصحة عبر بناء المستشفيات والمراكز الصحية، والدعم بالمعدات الطبية والأدوية إلى جانب التمكين العلميّ لسكان قطاع غزة من خلال منح التعليم الطبي الجامعي والتدريب على تقنيات طبية حديثة.
وعند النظر إلى قائمة الدول الرائدة في مجال التنمية على مستوى العالم، يتّضح أن تركيا تحتل مكاناً ثابتاً بين الدول الثلاث الأولى، التي تقدم أكبر قدر من المساعدات الإنسانية عبر العالم منذ عام 2013، كما احتلت المرتبة الأولى في هذه الفئة بين عامي 2017 و2019، وأصبحت ثاني أكبر مانح في عامي 2020 و2021، بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
أما مقارنةً بالناتج المحلي الإجمالي، فإن تركيا تحمل لقب أكبر مانح للمساعدة الإنسانية عالمياً منذ سنوات، وكانت أيضاً واحدة من بين خمس دول خصصت على الأقل 0.1% من ناتجها المحلي الإجمالي للمساعدة الإنسانية الدولية في عام 2020، ما يجعلها الشريك الرائد بشكل واضح للمجتمعات التي بحاجة إلى الدعم والتضامن.