له أسلوبه الخاص في التعليق على مباريات كرة القدم، يضعك دائماً في قلب الحدث كأنك في المدرجات، يزيدك حماساً وتفاعلاً مع كل هجمة على مرمى المنافس، لا يكل ولا يمل من استخدام كلماته الخاصة لوصف مجريات الأحداث فوق "المستطيل الأخضر".
كلماته التي خرجت من القلب خلال تعليقه على مباريات منتخب بلاده في بطولة كأس الأمم الإفريقية، صيف عام 2019، باتت على كل لسان رياضي متابع في الوطن العربي، إنه المعلق الرياضي الجزائري الشهير حفيظ دراجي.
دراجي فتح قلبه لـTRT عربي، وتحدث باستفاضة حول الكرة الجزائرية وأسباب تألق منتخبها الأول، وتربعه على عرش القارة الإفريقية، إضافة إلى معاناة الأندية الجزائرية في المسابقات القارية، وحظوظ "محاربي الصحراء" في التأهل إلى النسخة المونديالية المقبلة في قطر، شتاء عام 2022.
بصمة بلماضي
يقول المعلق الرياضي الجزائري حفيظ دراجي، إن المدرب الجزائري جمال بلماضي أضاف إلى المنتخب الكروي الأول "روحاً ونفساً وهوية لعب، وبعث فيه إرادة كبيرة جداً لم نشهدها منذ سنوات".
وكان الاتحاد الجزائري للعبة قد عين بلماضي على رأس الإدارة الفنية للمنتخب الجزائري، في أغسطس/آب 2018، خلفاً لرابح ماجر، في عقد يمتد حتى مونديال قطر 2022.
ويوضح "دراجي" أن بلماضي تولي مهام تدريب المنتخب الجزائري في ظرف صعب، على مدى سنوات شهدت تراجعاً واضحاً في الأداء والنتائج، منذ مونديال البرازيل صيف عام 2014، لافتاً إلى أن ذلك ترافق مع حملات إعلامية كبيرة.
ويبين أن فترة ما قبل بلماضي شهدت حملات هجومية مكثفة على اللاعبين والمنتخب الجزائري من قبل الأوساط الإعلامية والفنية لأسباب مختلفة، وصلت إلى حد التشكيك في قدراتهم الفنية الفردية والجماعية، إضافة إلى التشكيك في وطنيتهم وولائهم للجزائر، في إشارة إلى أن بعض اللاعبين ولِدوا خارج البلاد.
ومع ذلك بعث بلماضي روحاً كبيرة بنفس اللاعبين تقريباً، خلال فترة وجيزة تمكن من خلالها من التتويج بكأس الأمم الإفريقية، وفق "دراجي"، الذي وصف ما فعله المدرب الجزائري بأنه "فريد من نوعه، وسيبقى في التاريخ"، مبيناً أنه لا يذكر أن مثل هذا المنعرج الكبير حدث على مستوى منتخبات أخرى عالمية.
وحول سر تغير منتخب الجزائر من منتخب صاحب أداء هزيل ومتواضع إلى آخر صلب يلعب بلحمة وعقلية جماعية واحدة، يقول المعلق الجزائري إن هذا يبقى عند بلماضي، لكنه أوضح في الوقت نفسه أن الأخير نجح في التعامل مع اللاعبين نفسياً وذهنياً، كما أن الأمور الفنية شحنت اللاعبين ودفعتهم إلى تقديم كل ما لديهم في المباريات "بنفس الإصرار والعزيمة والروح".
ويشير إلى أن خيارات المدرب التكتيكية كانت "موفقة" في كأس أمم إفريقيا التي احتضنتها مصر صيف 2019، وعرفت تتويج "محاربي الصحراء" باللقب القاري للمرة الثانية في تاريخهم، بعد نسخة عام 1990، لافتاً إلى أن المنتخب الجزائري لم يعرف طعم الخسارة في 22 مباراة متتالية حتى الآن.
مشوار الجزائر بكأس إفريقيا
وبالعودة إلى تلك البطولة الإفريقية تأهل منتخب الجزائر إلى الدور الثاني بـ"العلامة الكاملة"، بعد تحقيقه ثلاثة انتصارات على حساب منتخبات السنغال وتنزانيا وكينيا، ثم تغلّب على غينيا بثلاثية بيضاء في الدور ثمن النهائي.
واحتاج المنتخب الجزائري إلى ركلات الترجيح لإقصاء ساحل العاج في دور الثمانية، بعد نهاية الوقتين الأصلي والإضافي بالتعادل (1-1)، قبل أن يتخطى نيجيريا في "المربع الذهبي" بهدفين مقابل هدف، فيما جدد فوزه على السنغال للفوز بالمباراة النهائية والصعود إلى منصات التتويج القارية.
وبعد هذا المستوى المثير للإعجاب في أبرز بطولة على مستوى منتخبات القارة السمراء، نال بلماضي (44 عاماً) جائزة الأفضل في "كان 2019"، كما حصد جائزة أفضل مدربي القارة السمراء في 2019.
ويمتلك بلماضي شخصية قوية، ويرفض مطلقاً التدخل في صلاحياته الفنية، واشتهر بكونه مدرباً متطلباً للغاية، ويركز على التفاني والتضحية والالتزام، كما أنه لا يهاب الأسماء الكبيرة في صفوف المنتخب الجزائري، في حين يُلقب بـ"مورينيو إفريقيا" نسبة إلى المدرب البرتغالي جوزيه مورينيو نظراً لإجاباته الحادة عن أسئلة الصحفيين، ورفضه التراجع أمام انتقادات وسائل الإعلام والصحافة.
تألق مستمر
جرت العادة أنه عندما يصل أي نادٍ أو منتخب عربي إلى القمة ويستحوذ على صدارة المشهد، سرعان ما يتراجع أداؤه والنتائج تباعاً، لكن هذا الأمر لم يحدث مع "الخُضر" فنياً بعد التربع على عرش القارة الإفريقية، ولم تبرز فيه مشاكل قد تنعكس سلباً على المردود والمستوى الفني، يقول المعلق الجزائري الشهير.
ويرى أن لاعبي منتخب الجزائر ما زالوا "جوعى" في ما يتعلق بالانتصارات واللعب بروح وإصرار كبيرين، مشيراً إلى أن هذا كله يحسب لبلماضي في قدرته على الحفاظ على تركيز اللاعبين في كل المباريات.
ويؤكد أن التركيز هذا سيبقى موجوداً في مباريات المنتخب الجزائري في تصفيات إفريقيا المؤهلة لكأس العالم 2022، والتي ستبدأ في شهر يونيو/حزيران المقبل، مشدداً في الوقت عينه على أن بلماضي لديه الوقت الكافي لكي يُبقى على هذا التركيز من خلال عمل كبير وجبار، إلى جانب إضافة بعض التفاصيل الصغيرة اللازمة لإبقاء المنتخب في المستوى العالي، خاصة أنه سيكون محط أنظار مختلف المنتخبات التي تريد الإطاحة به لكونه "بطل إفريقيا" وأفضل منتخبات القارة ومن ضمن الأفضل عالمياً.
وضمن منتخب الجزائر التأهل إلى النسخة المقبلة من كأس أمم إفريقيا، التي تحتضنها الكاميرون، في يناير/كانون الثاني 2022، بعد تأجيلها عاماً بسبب جائحة فيروس كورونا، وذلك قبل مباراتين من نهاية التصفيات القارية المؤهلة.
وحول أبرز العقبات التي قد تعرقل مسيرة "المحاربين"، يعتقد "دراجي" أن الغرور والثقة الزائدة بالنفس مع الوقت، رغم عدم وجودهما حالياً، قد تشكلان عقبة حقيقية، رغم قوة المنتخبات التي سيواجهها الجزائريون في التصفيات المونديالية، قبل أن يخلص إلى أن العقبات "ذاتية أكثر منها موضوعية".
معاناة أندية الجزائر
تألق منتخب الجزائر على الساحة القارية وقبلها عالمياً، لم ينسحب على الأندية الجزائرية في المسابقات الإفريقية (دوري أبطال إفريقيا وكأس الاتحاد الإفريقي)، حيث يقول دراجي في هذا السياق: إن "الأمر مختلف تماماً، رغم كونه طبيعياً".
ويشرح المعلق الجزائري في حديثه لـ"TRT عربي"، أن "الأندية المحلية لا تمتلك تلك الثقافة التي تمتلكها نظيرتها المصرية والمغربية والتونسية في المنافسة على الألقاب القارية".
ويكمل أن الأندية الجزائرية كذلك "لا تمتلك الإمكانيات المادية أو الفنية للمنافسة على الألقاب"، مستثنياً حدوث بعض الطفرات كتلك التي حققها وفاق سطيف وشبيبة القبائل واتحاد العاصمة، مؤكداً أنها "مجرد طفرات تحدث مرة كل 4 سنوات".
ويلفت إلى أن الدوري الجزائري الذي وصفه بـ"الضعيف"، لا يمكن أن ينتج أندية قوية تنافس على الألقاب والبطولات القارية.
ويعد وفاق سطيف آخر نادٍ جزائري تُوّج بدوري أبطال إفريقيا نسخة عام 2014 على حساب فيتا كلوب الكونغولي، وبعد عام أضحى "سطيف" آخر نادٍ في بلاده يظفر بكأس السوبر الإفريقي على حساب الأهلي المصري، في حين فاز شبيبة القبائل بكأس الاتحاد الإفريقي ثلاث مرات توالياً، أعوام 2000 و2001 و2002 كآخر إنجازات الأندية الجزائرية في هذه البطولة.