حرب باهظة.. كيف تخسر واشنطن مئات الملايين لمواجهة مسيّرات الحوثيين؟ (Others)
تابعنا

في مشهد الحرب الحديثة دائم التطور، تستمر التكنولوجيا في لعب دور محوري في إعادة تشكيل الاستراتيجيات والتكتيكات. كان أحد أهم التطورات في السنوات الأخيرة هو انتشار الطائرات من دون طيار، والتي يشار إليها غالباً باسم "الروبوتات القاتلة"، وفقاً لما أوردته ذا تايمز البريطانية.

فقد غيرت هذه المركبات الجوية من دون طيار وجه الحرب بشكل كبير، إذ قدمت للقوات العسكرية قدرات جديدة وطرحت تحديات استراتيجية ودفاعية مكلفة. ففي السنوات الأخيرة، لعبت المسيّرات أدواراً حاسمة في معارك مهمة في سوريا وليبيا وإقليم " قره باغ" بين أذربيجان وأرمينيا، وكذلك في الحرب المتواصلة حالياً في أوكرانيا، وأخيراً في اليمن.

ومؤخراً، عادت المسيّرات لتصدر المشهد من جديد، وذلك بعد أن استخدم الحوثيون هذه الأسلحة الرخيصة لتوجيه ضربات لإسرائيل والسفن المرتبطة بها في مياه البحر الأحمر ردا على عدوانها على قطاع غزة. الأمر الذي اضطر الولايات المتحدة لإنشاء تحالف بحري من أجل التصدي لهذه الأنظمة الرخيصة بأسلحة دفاعية مكلفة جداً.

تكلفة باهظة

تحت عنوان "صاروخ بقيمة 2 مليون دولار مقابل طائرة من دون طيار بقيمة 2000 دولار"، قال تقرير نشرته صحيفة بوليتيكو إن البنتاغون قلق بشأن تكلفة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، مشيراً إلى أن "ذلك سرعان ما يصبح مشكلة لأن الفائدة الأكبر هي في مصلحة الحوثيين".

ومع قيام السفن الحربية الأمريكية بعمليات التصدي للطائرات من دون طيار والصواريخ الحوثية في البحر الأحمر، يشعر مسؤولو البنتاغون بقلق متزايد ليس فقط من التهديد الذي تتعرض له القوات البحرية الأمريكية والشحن الدولي، ولكن أيضاً من التكلفة المتزايدة للحفاظ على سلامتهم ضد هذه الأنظمة التي لديها القدرة على الوصول والقوة النارية لإحداث تأثير تكتيكي واستراتيجي.

ووفقاً لمسؤول بوزارة الدفاع الأمريكية، فقد أسقطت مدمرات البحرية الأمريكية 38 طائرة من دون طيار وصواريخ متعددة في البحر الأحمر خلال الشهرين الماضيين. فقد كثف الحوثيون هجماتهم على السفن التجارية التي تنقل الطاقة والنفط عبر أهم مناطق العالم الحيوية في النقل البحري. وفي يوم السبت وحده، اعترضت المدمرة يو إس إس كارني 14 طائرة من دون طيار هجومية في اتجاه واحد.

وبحسب البوليتكو، فإن تكلفة استخدام الصواريخ البحرية باهظة الثمن -التي يمكن أن تصل إلى 2.1 مليون دولار للطلقة الواحدة- لتدمير طائرات الحوثي من دون طيار غير المتطورة -والتي تقدر ببضعة آلاف من الدولارات لكل منها- تشكل مصدر قلق متزايد، وفقاً لثلاثة مسؤولين آخرين في وزارة الدفاع.

على النقيض من ذلك، يقدر الخبراء أن الطائرات الحوثية من دون طيار الهجومية أحادية الاتجاه، والتي هي إيرانية الصنع في المقام الأول، تكلف 2000 دولار فقط على الأكثر. وقال شان شيخ، زميل مشروع الدفاع الصاروخي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن الطائرة الأكبر شاهد-136 تقدر قيمتها بـ20 ألف دولار. وفي كلتا الحالتين، هناك فرق كبير في التكلفة.

معضلة حقيقية

تطورت الطائرات من دون طيار، التي جرى تطويرها في البداية لأغراض المراقبة والاستطلاع، إلى منصات أسلحة هائلة قادرة على تنفيذ ضربات مستهدفة بدقة. كان التحول من الحرب التقليدية إلى العمليات التي تعتمد على الطائرات من دون طيار مدفوعاً بالتقدم في الذكاء الاصطناعي، وأجهزة الاستشعار المصغرة، وتقنيات الاتصال المحسنة.

بينما شكلت تكلفة إنتاجها المنخفضة معضلة أخرى في التصدي لها، وخصوصاً أن مهمة إسقاطها تستلزم استخدام صواريخ أرض جو باهظة الثمن. وفي حين يمكن إرسال طائرات مسيّرة بأسراب ما يجعل من الصعب منع واحدة أو اثنتين من إصابة الهدف أو إلحاق الضرر بأهداف متفرقة، فإن الدفاعات الجوية المتطورة التي تُستخدم لحماية الأهداف عالية القيمة والأهمية من الصواريخ، هي ليست مناسبة تماماً لصدّ طائرات مُسيّرة رخيصة. إذ يمكن لسرب كامل من الطائرات المُسيّرة أن يكلّف أقلّ من صاروخ أرض-جو واحد لإسقاط إحداها فحسب.

الأمر الذي دفع مسؤولي البنتاغون للتأكيد مرة أخرى على ضرورة إيجاد حلول اقتصادية وآمنة في الوقت عينه. وفيما يخص هجمات الحوثيين الأخيرة، قال ميك مولروي، المسؤول السابق في وزارة الدفاع وضابط وكالة المخابرات المركزية: "نحن، الولايات المتحدة، بحاجة إلى البدء في النظر إلى الأنظمة التي يمكنها هزيمة تلك الأنظمة التي تتماشى بشكل أكبر مع التكاليف التي ينفقونها لمهاجمتنا".

ويشير الخبراء أيضاً إلى أن المدمرات محدودة في عدد الصواريخ التي يمكنها إطلاقها قبل أن تحتاج إلى العودة إلى رصيف الأسلحة الأمريكي لإعادة التحميل، وتحتوي كل سفينة على 90 أنبوباً صاروخياً أو أكثر. ولكن مع وجود عدد كبير من المدمرات في المنطقة -أربعة على الأقل اعتباراً من يوم الثلاثاء- فمن المحتمل ألا تكون سعة المخزن مشكلة في المستقبل القريب.

البحث عن بديل دفاعي رخيص

بدلاً من استخدام أنظمة الدفاع المكلفة، تعتمد أنظمة الدفاع المتخصصة المضادة للطائرات المُسيّرة على مستشعرات يمكنها أن "تسمع" قدوم السرب وإسقاطه من الأرض باللجوء لبرمجيات الذكاء الاصطناعي التي تُساعد في رصد وتعقب الطائرات المُسيّرة.

إلى جانب الصواريخ الباهظة، يمكن للمدمرات البحرية الأمريكية استخدام مدفع السفينة مقاس 5 بوصات مع طلقات جوية جرى اختبارها ضد طائرات من دون طيار مماثلة على نطاقات ذات نتائج إيجابية، وفقاً لمسؤول سابق في البحرية يتمتع بخبرة في هذا النوع من السفن. ويعد هذا خياراً أقل تكلفة، لكنه لا يمكنه الوصول إلا إلى أهداف تبعد أقل من 10 أميال بحرية، وهو ما قد يكون قريباً جداً من السفن.

وبينما قال أحد مسؤولي وزارة الدفاع إن "تعويض التكلفة ليس في مصلحتنا"، بيّن الخبراء أن هذه "مشكلة تحتاج إلى معالجة" والبدء في النظر في خيارات أقل تكلفة للدفاع الجوي، وقال صامويل بينديت، مستشار مركز التحليلات البحرية، وهو مركز أبحاث ممول فيدرالياً تابع للبحرية ومشاة البحرية الأمريكية: "في الوقت الحالي، لا يبدو أن الولايات المتحدة لديها خيار أفضل بخلاف ما تستخدمه".

TRT عربي
الأكثر تداولاً