لعل احتياطيات الطاقة المكتشفة حديثاً يُعد أحد أهم الموضوعات التي تشغل مسرح الأحداث في تركيا في الآونة الأخيرة، لاسيما تلك المتعلقة بغاز البحر الأسود الذي من المتوقع أن يضخ في أنابيب الغاز الطبيعي المحلية خلال الأشهر القليلة القادمة.
وفي الوقت الذي يعد فيه اكتشاف مخزونات جديدة من الطاقة الأحفورية في تركيا خطوة مهمة على طريق الاستقلال بمصادر الطاقة، لا يزال الوقود الأحفوري واحداً من أهم مشاكل العالم اليوم نظراً إلى الأضرار التي يسببها للطبيعة. مشكلة أخرى مع الوقود الأحفوري هي الاستنزاف التدريجي للاحتياطيات.
نتيجة لذلك، تأتي كل من الموارد النظيفة وذات الطاقة العالية في مقدمة تكنولوجيا الطاقة الحديثة التي تسعى الدول الكبرى إلى تبنيها وتطبيقها. الهيدروجين أحد أهم هذه المصادر في الآونة الأخيرة.
وبينما تستمر الدراسات حول الغاز واكتشاف مخزونات جديدة منه، يمكن لتركيا أيضاً أن تشهد تطورات مهمة فيما يتعلق باحتياطيات كبريتيد الهيدروجين في المناطق ذاتها. وفي حال جرى تنفيذ الطريقة الجديدة التي طورها العلماء الأتراك، والتي تهدف إلى إخراج كبريتيد الهيدروجين الموجود في البحر الأسود إلى السطح وتحلُّله، ستتمكن تركيا من الحصول على طاقة بقيمة تريليونات الدولارات.
طاقة الهيدروجين
يحتوي الهيدروجين على أعلى طاقة لكل وحدة كتلة من جميع أنواع الوقود المعروفة. وإلى جانب كونه وقوداً نظيفاً للغاية، فإنه ينتج أيضاً ضعف الطاقة التي ينتجها البترول، وثلاث مرات أكثر من الغاز الطبيعي. هذا هو السبب في أن العالم، بخاصة الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي، يخصص مئات المليارات من الدولارات للمشاريع المتعلقة بالهيدروجين.
ومع ذلك، هناك مشكلة أساسية تمثل تحدياً لاستخدامه على نطاق واسع، وهي أن الهيدروجين لا يوجد بشكل حر في الطبيعة، بل في المركبات، وأكثر المركبات شهرة الماء. على الرغم من أن التحليل الكهربائي للماء يُعرف بأنه أبسط طريقة لإنتاج الهيدروجين، إلا أن هذه العملية مكلفة.
ولحل مشكلة التكلفة المرتفعة، تعتقد مجموعة من العلماء الأتراك العاملين في جامعة كارادينيز التقنية (KTU) أنه مع الصيغة الجديدة التي طوروها، يمكنهم فصل كبريتيد الهيدروجين أرخص بكثير من التقنيات الأخرى. وحول هذا الموضوع تحدث موقع TRT Haber إلى الخبراء حول تفاصيل المشروع، الذي لا تزال دراسات براءات الاختراع الخاصة به جارية والذي تلقى دعماً من مركز نقل التكنولوجيا بجامعة (KTU).
كبريتيد الهيدروجين
على عكس التحليل الكهربائي، فإن تحلل كبريتيد الهيدروجين أرخص بثلاث مرات من الماء وهناك عائد من الكبريت المستخدم في العديد من الأنشطة الصناعية، وفقاً لما قاله للباحث في جامعة (KTU) بدير أونفر الذي أشار أيضاً إلى نقطة أخرى ملحوظة حول الطريقة التي طوروها، وهي جلب كبريتيد الهيدروجين إلى السطح وتحلله.
ولفت أونفر إلى أنه لا توجد حياة في البحر الأسود بعد عمق 150-200 متر، وأن كبريتيد الهيدروجين في القاع يرتفع تدريجياً. بتعبير أدق، يتحدث عن حقيقة أن كبريتيد الهيدروجين في القاع لا يجري حصاده ويرتفع إلى السطح، مما قد يؤدي إلى عملية خطيرة للغاية للوجود الحي في البحر الأسود.
ومتحدثاً عن التكنولوجيا التي يجري العمل على تطويرها، شرح البروفيسور تيومان أيهان، الذي قضى سنوات في دراسة وتحليل كبريتيد الهيدروجين في قاع البحر الأسود، بطريقة يمكن للجميع فهمها. إذ ضرب مثال الصودا وذكر أنه بعد فتح الغطاء، ترتفع جزيئات الغاز. ويقول إنه من خلال التقنية التي طوروها، سيرفعون كبريتيد الهيدروجين 150-200 متر تحت سطح البحر الأسود، ويجري تحلله على السطح، ومن يرسلون المياه المتبقية إلى قاع البحر.
وعن التكلفة، قال البروفيسور أيهان: "لا يوجد سوى تكلفة الاستثمار الأولية. كما أنها صغيرة جداً مقارنة بالدخل الذي سيجري الحصول عليه. سنقوم بتقسيم الهيدروجين. الكبريت هو أيضاً حرج للغاية. سنستخدم الكبريت الذي نحصل عليه في كل من الزراعة وصناعة الدفاع الوطني".
طاقة ضخمة
بينما لفت البروفيسور عبد العزيز جونير أوغلو الانتباه إلى هيكل من طبقتين للبحر الأسود، حيث قال إن كمية هائلة من كبريتيد الهيدروجين توجد في المنطقة الخالية من الأكسيجين في القاع. قال البروفيسور أيهان: البحر الأسود هو المكان الذي يوجد فيه معظم كبريتيد الهيدروجين في العالم. نعلم أن هناك ما لا يقل عن 30 مليار طن من غاز كبريتيد الهيدروجين في المياه العميقة".
من جانبه قال بدير أونفر: "وفقاً للدراسات، فإن كمية كبريتيد الهيدروجين المتاحة في أسفل مياه البحر الأسود في حدود 28-63 مليار طن".
ومتحدثاً عن ضخامة الطاقة في قاع البحر الأسود، قال أونفر: "يمكن لهذه الاحتياطيات تلبية احتياجات تركيا من الطاقة لما يقرب من 100 عام،. نحن نتحدث عن ما قيمته 10 تريليونات دولار من الهيدروجين و5 تريليون دولار من الكبريت". يقول، كاشفاً عن ضخامة الطاقة في المنطقة.