لا بدّ أنّك في أثناء تجولك في المحال التجارية لشراء حاجاتك الغذائية، وقعت عيناك على منتجات تحمل صفة "عضوي" أو "أورجانيك" (Organic)، هذه المنتجات أصبحت شائعة، ولا يكاد يخلو محل تجاري منها، فقبل عدّة عقود كانت "موضة" غذائية للبعض، بينما أصبحت الآن سوقاً رائجاً تتجاوز أرباحه مليارات الدولارات.
وساهم الانفتاح والوعي وتوافر المعلومات المتعلقة بالمنتجات ومحتوياتها وطريقة إنتاجها، في إقبال وزيادة طلب المستهلكين للمنتجات العضوية التي يروّج مسوّقوها على أنّها صحيّة وذات قيمة غذائيّة أكبر من تلك غير العضوية.
ما الغذاء العضوي؟
ويُطلق مصطلح الغذاء العضوي عادةً على الأغذية التي أُنتجت من دون استخدام مبيدات الآفات الصناعية أو الأسمدة الاصطناعية أو استخدام تقنيات التعديل الوراثي، كما لم تستخدم أيّ مواد محظورة في التربة التي نمت فيها المحاصيل.
وتكون لحوم الحيوانات والمنتجات الحيوانية الأخرى عضوية، إذا حُصل عليها من حيوانات تغذّت بشكل كامل على أغذية عضوية لا تشمل استخدام أيّ مضادّات حيوية أو حتى هرمونات النمو.
ولكي يُصنّف المنتج الغذائي على أنّه عضويّ، يجب أن يكون خالياً أيضاً من المضافات الغذائية الاصطناعية، ويشمل ذلك المحلّيات الصناعية والمواد الحافظة والتلوين والنكهات و"الغلوتامات أحادية الصوديوم" (MSG).
خدعة أم حقيقة؟
وعلى مدار سنوات، يدور نقاش مستمر حول ما إذا كانت الأغذية العضوية أفضل وأكثر صحة واستدامة للإنسان والبيئة من نظيراتها المزروعة باستخدام الأساليب الزراعية القياسية، وهي التي تتضمن استخدام المواد الكيميائية والمبيدات الاصطناعية والأسمدة المعتمدة عالمياً بنسب محددة لتعزيز النمو والوقاية من الآفات.
اختصاصية التغذية والهندسة الغذائية، رولا علوش، تقول في حديثها مع TRT عربي إنّ "الأغذية العضوية التي مصدرها الطبيعة سواء النباتية أم الحيوانية أو السمكية، تنمو في بيئة أفضل من تلك التي تدخّلت في إنتاجها أنظمة الزراعة التقليدية، كما أنّ مذاقها يختلف قليلاً إضافة إلى شكلها غير المنتظم".
لكن من حيث القيمة الغذائيّة والصحيّة أفادت بأنّ الاختلاف بمستوى العناصر الغذائية مثل الكالسيوم وفيتامين سي وغيرهما من المعادن هو اختلاف طفيف لا يكاد يذكر.
وأكّدت بعض الدراسات أنّ المنتجات العضوية قد تحتوي على مستويات أعلى قليلاً من بعض العناصر الغذائية بسبب التربة الصحيّة، وأنّها تحتوي مواد كيميائية اصطناعية بنسبة ضئيلة ما يجعلها أقلّ عرضة لاحتواء المخلفات الضارة، وفق تقرير نشره موقع (Healthnews).
هذا يعني أنّ الغذاء في كلتا الحالتين يتعرض لنسبة من المواد الصناعية، قليلة في العضوية ونسبة متفق عليها عالمياً في غير العضوية إذا حصل تجاوزها هنا يكمن التلوث المسبب للضرر، حسب الموقع.
أما فيما يتعلق بالبيئة، فإنّ الزراعة العضوية تقلل من تلوث المياه الجوفية بسبب اعتمادها على الأسمدة الطبيعية ونسبة ضئيلة جداً من المواد الكيميائية، لذلك يعتبرها البعض صديقة للبيئة، بل تسهم في حلّ مشكلة الاحتباس الحراري.
وبالإضافة إلى عدم استخدام المبيدات والمواد الكيميائية وعدم احتساب تكلفتها في مرحلة الإنتاج، فإنّ ذلك يضمن عدم تدهور التربة والحفاظ عليها بمجموعة واسعة من الكائنات الحية والنباتات المفيدة لها.
سوق الغذاء العضوي ونموه
ومن المتوقّع أن ينمو سوق المنتجات الغذائية العضوية في البلدان النامية، وكذلك الدول المتقدمة، فهناك طلب متزايد عليها، لأنّها خيار أكثر صحة مقارنة بالمنتجات الغذائية التقليدية، وكذلك رغبة المستهلكين المتزايدة في اتّباع أنظمة صحية بعيدة أكثر عن استخدام أيّ مبيدات حشرية أو مضادات حيوية أو أيّ هرمونات نمو.
ويعدّ الوعي الصحي لدى المستهلكين، والمخاوف البيئية المتزايدة بشأن استخدام المواد الكيميائية الضارة في الزراعة وآثارها في الصحة والارتفاع المفاجئ في انتشار الأمراض المزمنة والمعدية وزيادة الإنفاق على الرعاية الصحية، من أهم العوامل التي دفعت باتجاه تبني البعض لشراء أطعمة ومشروبات عضوية عالية الجودة.
وحسب دراسة تحليلية لسوق الأغذية العضوية في الفترة 2022-2030، بلغت قيمة السوق العالمية 178.4 مليار دولار أمريكي في عام 2021 ومن المتوقع أن تبلغ قيمتها نحو 497.3 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 12.06٪ خلال الفترة المتوقعة من 2022 إلى 2030.
ووفق الدراسة سيطر قطّاع الفاكهة والخضراوات على السوق في عام 2021، ومن المتوقع أن يكون له مركز مهيمن في السنوات القادمة، وكانت دول أوروبا وأمريكا الشمالية في مقدمة المناطق التي شهدت طلباً على هذا القطاع نظراً لما تتمتّع به من دخل جيّد.
كما من المتوقّع أيضاً أن يكون للمشروبات العضويّة قدر جيد من حصّة السوق نظراً إلى زيادة استهلاك الشاي والقهوة مقارنة بالمشروبات الغازية في العديد من الدول، بسبب توجّه المستهلكين لنظام غذائي منخفض الدهون للحد من السمنة وغيرها من الاضطرابات الصحية.
وهناك طلب متزايد على الحيوانات التي تعتمد في نظامها الغذائي على الطعام العضوي، وتتجنّب استخدام المضادات الحيوية أو أي هرمونات نمو، حسب الدراسة.
واستناداً إلى المنطقة تواصل أمريكا الشمالية ريادتها من حيث مساهمتها في أعلى حصة في سوق الأغذية العضوية، ومن حيث الإيرادات لعام 2020، وتمثيلها لما يقرب من نصف سوق الأغذية والمشروبات العضوية العالمية، ومن المتوقع أن تستمر في مركزها الرائد بحلول عام 2031.
وتشير التقديرات إلى أنّ منطقة آسيا والمحيط الهادئ تظهر أسرع معدل نمو سنوي مركب بنسبة 18.0٪ خلال فترة التوقع، ويرجع ذلك إلى الارتفاع السريع في عدد الأراضي الزراعية المخصصة للزراعة العضوية، ووجود عدد كبير من السكان، وزيادة الوعي حول فوائد المنتجات الغذائية العضوية في المنطقة.
معوقات السوق ومحددات النمو
لا تبدو مسيرة الزراعة العضوية في نظر كثير من الخبراء الزراعيين سلسة أو ميسّرة، إذ إنّ هناك العديد من التحدّيات التي قد تحول دون ازدهارها.
ويُعدّ أحد أهمّ معوقات السوق أنّ أنظمة الزراعة العضوية تنتج غلّات أقل مقارنة بالتقليدية، وتتطلب معايير إنتاجها ألّا تحتوي الأرض الزراعية على مواد محظورة تستخدم لمدة ثلاث سنوات على الأقل قبل حصاد محصول عضوي، فالأراضي المناسبة غير كافية.
وغالباً ما تكون تكاليف إنتاج الأغذية العضوية مرتفعة بسبب زيادة مدخلات العمالة وارتفاع تكاليف وسائل الحفظ والتعبئة والتغليف والشحن بسبب خلوّها من المواد الحافظة (سريعة انتهاء الصلاحية)، ما يؤدّي إلى رفع سعر التجزئة النهائي أمام المستهلك.
وإنّ بعض المحاصيل العضويّة موسميّة، وهذا يضطرّ الشركات بالاعتماد على عدد من المورّدين في مناطق مختلفة من أجل توفير المحاصيل والمنتجات المطلوبة، وهذا أيضاً يساهم في زيادة تكاليف الاستيراد.
وتؤكّد اختصاصية التغذية رولا علوش، أنّ "تناول الأطعمة التي لم تتدخل يد الإنسان فيها سواء أكانت منتجاً عضوياً أم تقليدياً مهماً للصحة مع تأكيد أفضلية بسيطة للأول كقيمة غذائية أعلى ونرجّحه إذا كان متوافراً وسعره مناسباً وقيد الاستطاعة عند الناس".
إذاً فإنّ الخوف على الصحة من الزراعة التقليدية غير مبرّر لأنّها تتم بإشراف مختصين وبمراقبة جودة على نسب استخدام المبيدات الحشريّة، والتفوّق الطفيف للزراعة العضوية ليس كافياً لشراء منتجاتها بمبالغ باهظة، ومن دون دعم حكومي حقيقي ستظل الزراعة العضوية، ومن ثم المنتجات العضوية مرتفعة الثمن مقارنة بالتقليدية، إذ تتطلب الزراعة العضوية من ثلاثة إلى خمسة أعوام لإنتاج ما يصل إلى نحو 95 في المئة من ناتج المحاصيل التقليدية.
ومن هنا يمكن القول إنّه لا يوجد نهج واحد من شأنه إطعام سكان الكرة الأرضية بأمان، ولذلك هناك حاجة إلى مزيج من أنظمة الزراعة العضوية وأنظمة الزراعة المبتكرة الأخرى.