بعد إدراكه استحالة تحقيق أهدافه المعلنة بالقضاء على حركة حماس ونزع سلاح المقاومة في غزة، كشفت وول ستريت جورنال عن أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أمر وكالات التجسس الإسرائيلية الكبرى مطلع الشهر الجاري لوضع خطط لمطاردة وقتل قادة حماس في جميع أنحاء العالم، وبالأخص الذين يعيشون في لبنان وتركيا وقطر.
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية بدأت تستعد لاغتيال قادة حماس عندما تنتهي الحرب في قطاع غزة، ما يمهد الطريق لحملة تستمر لسنوات لمطاردة المسلحين المسؤولين عن عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، حسبما قال مسؤولون إسرائيليون.
وقبل يومين، ذكرت الغارديان عن مسؤولين في إسرائيل أطلعوا الصحفيين على أن عملية جديدة تسمى "نيلي"، وهو اختصار لعبارة توراتية باللغة العبرية تعني "إسرائيل الأبدية لن تكذب"، ستستهدف كبار قادة حماس. وقالت الصحيفة البريطانية من المرجح أن تؤدي حملة اغتيالات عالمية لقادة حماس أعلن عنها مسؤولون إسرائيليون كبار إلى نتائج عكسية وغير عملية وغير فعّالة، كما أشارت أهداف مثل هذه الجهود السابقة.
خطة استعراضية
بينما تحاول إسرائيل عادةً إبقاء خطط الاغتيالات سرية، لم يُظهر قادة الدولة سوى القليل من التحفظات بشأن الكشف عن نياتهم لملاحقة كل المسؤولين عن عملية طوفان الأقصى. وترى وول ستريت جورنال أن تكون حملة الاغتيال العلنية هذه امتداداً للعمليات السرية الإسرائيلية المستمرة منذ عقود التي أصبحت موضوعاً لأسطورة هوليوود والإدانة العالمية.
وبحسب الصحيفة، تمثل الخطط الجديدة فرصة ثانية لنتنياهو، الذي أمر بمحاولة فاشلة عام 1997 لتسميم زعيم حماس خالد مشعل في الأردن. وبدلاً من ذلك، أدت المحاولة الموثقة جيداً إلى إطلاق سراح الزعيم الروحي لحركة حماس، الشيخ أحمد ياسين.
ومما أثار ذعر بعض المسؤولين الإسرائيليين الذين يريدون أن تظل الخطط الأخيرة لغزاً، أرسل نتنياهو برقية عن نياته في خطاب ألقاه على مستوى البلاد في 22 نوفمبر/تشرين الثاني.
وقال نتنياهو: "لقد أصدرت تعليماتي للموساد بالعمل ضد قادة حماس أينما كانوا"، في إشارة إلى جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي. وفي الخطاب نفسه، قال وزير الدفاع يوآف غالانت إن قادة حماس يعيشون في "الوقت الضائع".
في أوائل ديسمبر/كانون الأول، كشف تسجيل مسرب عن رونين بار، رئيس جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي شين بيت، وهو يقول للبرلمانيين الإسرائيليين إن قادة حماس سيُقتلون "في غزة، في الضفة الغربية، في لبنان، في تركيا، في قطر، في كل مكان... سيستغرق الأمر بضع سنوات، لكننا سنكون هناك من أجل القيام بذلك".
لن تحدث أي فارق
الحملة المعلنة لها نطاق أوسع بكثير من القادة الموجودين في غزة، ومن المحتمل أن تستهدف قادة حماس المتمركزين في قطر وتركيا ولبنان وشبكات دعم الجماعة في أماكن أخرى. لكن ليس الجميع مقتنعين بمثل هذه العمليات. إذ قال يوسي ميلمان، الصحفي والمؤلف الذي غطى أخبار أجهزة الأمن الإسرائيلية لعقود من الزمن، إن استراتيجية الاغتيالات "لا تحل أي شيء".
وقال ميلمان: "مجتمع الاستخبارات الإسرائيلي مغرم بالاغتيالات، والآن يشعرون بالخجل والإذلال ويريدون خلاص أنفسهم". وأشار آخرون إلى أن الإشارات العلنية المتكررة إلى الحملة تعبر عن رغبة المسؤولين في طمأنة السكان الخائفين الذين فقدوا الثقة في قدرة أجهزة الأمن الإسرائيلية المتفاخرة والحكومة على الحفاظ على سلامتهم.
وقد تساءل بعض المؤرخين عما إذا كانت حملة الاغتيالات التي شنّها الموساد بعد عملية ميونيخ التي شنّتها المقاومة الفلسطينية عام 1972 وأدت إلى مقتل 11 رياضياً إسرائيلياً، والتي استهدفت أولئك المتورطين بالفعل في الهجوم على الألعاب الأولمبية، واقترحوا أنها ربما كانت تؤدي إلى نتائج عكسية على المدى الطويل.
وقد أثبتت التجارب السابقة أن الاغتيال لا يشكل بالضرورة رادعاً، وهو الهدف الرئيسي لمثل هذه الحملات، فبعد اغتيال الشيخ ياسين والشقاقي ومغنية وغيرهم من قادة المقاومة، أعادت حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله بناء قوتها في السنوات اللاحقة.
وبالنظر لعملية طوفان الأقصى، نرى أن العقول المدبرة لهذه العملية جيلاً جديداً من قادة حماس الذين وصلوا إلى السلطة في أعقاب اغتيال إسرائيل لكبار قادتها قبل عشرين عاماً.
أزمات دبلوماسية
بحسب الغارديان، فإن السؤال المفتوح هو ما إذا كانت حملة مثل تلك التي وعد بها نتنياهو قابلة للتطبيق بالفعل، ولا سيما قيادة حماس الحالية خارج غزة تتمركز بشكل أساسي في قطر وتركيا، وذلك بعكس حملة الاغتيالات التي نفذتها أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية في أوروبا الغربية وقبرص رداً على عملية ميونيخ.
ورداً على التصريحات العلنية هذه، حذّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إسرائيل من القيام بأي عمل يستهدف قادة حركة حماس على الأراضي التركية، مؤكداً أنها ستدفع "ثمناً باهظاً"، وأن العواقب ستكون وخيمة إذا حاول جهازها الاستخباراتي القيام بعملية عسكرية ضد قادة حماس في تركيا.
وأضاف أردوغان، في تصريحات صحفية في أثناء عودته من قطر في 6 ديسمبر/كانون الأول، أنه "لا يوجد أحد في العالم لا يعرف الشوط الذي قطعته تركيا في مجالي الاستخبارات والأمن".
ووفقاً لخبير تحدث للغارديان، فإن الاغتيالات ستكون مستحيلة في قطر في المستقبل المنظور. فعلى الرغم من أن الدولة الخليجية الصغيرة تستضيف حماس، فإنها أيضاً وسيط رئيسي للمفاوضات الرامية لإطلاق سراح 140 أسيراً إسرائيلياً ما زالوا محتجزين في غزة.
وقال عضو سابق آخر في حملات الموساد في السبعينيات إنه في حالة ذهاب أي من قادة حماس من غزة إلى مصر، فلن تتمكن إسرائيل أيضاً من الوصول إليهم هناك، وستكون الاغتيالات في أوروبا الآن "لا يمكن تصورها. لقد ولّت تلك الأيام منذ فترة طويلة". مشيراً إلى أن الضرر الدبلوماسي الذي قد يحدث في فرنسا أو المملكة المتحدة أو حتى ألمانيا سيكون كارثياً.