قد تكون السردية الأشهر حول علاقة ألمانيا النازية بقيادة أدولف هتلر باليهود هي اضطهاد على طول الخط انتهى بـ"الهولوكوست"، وهو ما يسعى اللوبي الصهيوني حول العالم إلى الترويج إليه، منددين بـ"معاداة السامية" وما تعرضوا له من ظلم واضطهاد عبر العصور.
غير أن الأدلة والبراهين تكشف المزيد حول علاقة ألمانيا النازية باليهود، فمع التدقيق والتحرّي في الوقائع التاريخية يتبيَّن أن هتلر في واقع الأمر، سهّل قيام المشروع الصهيوني وشارك في وقوع النكبة الفلسطينية.
بنود الاتفاقية
يقول المؤرِّخ والكاتب الأمريكي إدوين بلاك، صاحب كتاب "اتفاقية التهجير"، إن "معظم الناس لا يعرفون أنه مع وصول هتلر إلى السلطة، استطاع اليهود العودة بقوة".
ومع تنامي القوة الاقتصادية لليهود وحشدهم داخل ألمانيا وخارجها لمقاطعة الاقتصاد الألماني، اضطُرت الإدارة النازية إلى عقد اتفاقية مع الوكالة اليهودية الصهيونية.
وبموجب اتفاقية هآرفا/هعفراه، المعروفة أيضاً باسم "اتفاقية التهجير"، الموقعّة في 25 أغسطس/آب عام 1933، سهّلت ألمانيا تهجير نحو 60 ألفاً من صهاينة اليهود إلى فلسطين بين عامي 1933 و1939، على أن يكسر اليهود الأوروبيون المقاطعة الاقتصادية التي فرضوها آنذاك على الاقتصاد الألماني، إضافة إلى تصدير بضائع وممتلكات اليهود المهجّرين إلى فلسطين كبضائع ألمانية لإنعاش اقتصاد ألمانيا المتدهور في فترة ما بين الحربين العالميتين.
ويؤكّد بلاك أنه على الرغم من الانقسام الداخلي الذي نشب بين اليهود حول الاتفاقية المبرمة، إلا أنها مثّلت وضعاً مربحاً لكلى الطرفين.
فبموجب ما نصّت عليه الاتفاقية، تمكّن اليهود المهجَّرون إلى فلسطين من استخدام أصولهم لشراء سلع ألمانية الصنع للتصدير، وبالتالي إنقاذ ممتلكاتهم الشخصية إبان هجرتهم.
وعلى المنوال ذاته، تحقق جزء كبير من المخطط الصهيوني بانضمام ما يقدره المؤرخون بنحو 60 ألفاً من اليهود الأشكناز إلى المجتمع اليهودي بفلسطين "اليشوڤ"، والذي كان يقدَّر بنحو 175 ألفاً عام 1931، ليتجاوز ضعف ذلك الرقم بعد ثلاثة أعوام فقط من اتفاقية "هآرفا"، ليصل إلى نحو 385 ألفاً، وذلك بعد موجات هجرة جماعية لليهود من ألمانيا وغيرها من الدول، حسب المكتبة اليهودية الافتراضية.
الانتهازية والبراغماتية الصهيونية
يعتبر مركز الأبحاث الإسرائيلي المتخصص في أحداث الهولوكوست "ياد فاشيم"، أن اتفاقية التهجير استطاعت "تلبية احتياجات جميع الأطراف: اليهود الألمان، والاقتصاد الألماني، وحكومة الانتداب الإنجليزي، ومجتمع اليهود في فلسطين".
وفي بحث بعنوان "اتفاقية التهجير وحركة المقاطعة: معضلة يهودية عشية الهولوكوست"، أقر المركز أن المجتمع اليهودي بفلسطين "إليشوڤ" كان له نصيب الأسد في الاستفادة من الاتفاقية، مُثنياً على المقاطعة اليهودية للاقتصاد الألماني والتي دفعت النظام النازي إلى القبول بشروط الاتفاقية.
وأردف البحث الإسرائيلي: "كانت الأموال التي جلبتها اتفاقية التهجير إلى إليشوڤ ضرورية للمساعدة في بناء البنية التحتية والاقتصادية التي يمكن للبلاد من خلالها استيعاب تدفق اليهود".
وفي معرض تقييمه لجدوى اتفاقية هآرفا، أكّد مركز "ياد فاشيم" أن "العديد من القادة اليهود خلال الثلاثينيات كانوا على دراية بالتأثير المعدي لمعاداة السامية الألمانية" على أوضاع اليهود في غيرها من البلدان، لذا كان من المفيد أن "تمثّل حركة المقاطعة ضد ألمانيا تأثيراً رادعاً على العناصر المعادية للسامية في البلدان المجاورة".
وتابع البحث معتبراً أن الاتفاقية قدّمت "مثالاً ومعياراً لجميع من يبحثون عن طريقة لتهجير اليهود من بلدانهم".
ويصف الكاتب توم سيغيف، في كتابه عن قصة حياة ديفيد بن غوريون، أن الأخير كان "براغماتياً يقترب من الانتهازية". حيث كان بن غوريون، وهو أول رئيس وزراء لإسرائيل، من ضمن قيادة إليشوڤ الموجودة في فلسطين والتي دفعت بقوة لتوقيع اتفاقية "هآرفا"، والتي يرى سيغيف أنها أفادت الحركة الصهيونية وأسهمت في النكبة الفلسطينية.
ويرى بعض المؤرخين أن "هآرفا" لم تكن الحلقة الوحيدة في التعاون بين الصهاينة والفاشية، حيث تبع الاتفاقية الصهيونية-الألمانية اتفاقية أخرى أقل شهرة سُميت بـ"اتفاقية القدس"، أُبرِمت خلال الحرب العالمية الثانية وتحديداً أواخر عام 1940، بين منظمة "ليحي" الصهيونية والقوات الإيطالية المتحالفة مع ألمانيا النازية.
واتفق الصهاينة والفاشيون على أن تدعم "ليحي" القوات الإيطالية خلال الحرب، وتساعد الأخيرة في المقابل بهجرة مزيد من اليهود إلى فلسطين، استعداداً لقيام دولة إسرائيل.