تابعنا
أشارت دراسة حديثة إلى أن دخان حرائق الغابات تسبب في وفاة الآلاف من سكان الولايات المتحدة، وخاصة في ولاية كاليفورنيا، إذ يواجه السكان مخاطر صحية جسيمة نتيجة التعرّض المستمر للجسيمات الدقيقة السامة المنبعثة من هذه الحرائق.

وتعتبر هذه الجسيمات من أخطر الملوثات الهوائية، على صحة السكان، إذ تسبب أمراضاً قلبية وتنفسية خطيرة، ويتزامن هذا مع تزايد وتيرة حرائق الغابات، التي تُعزى بشكل كبير إلى التغير المناخي.

كيف يؤثر دخان حرائق الغابات في صحة الأمريكيين؟

وكشفت الدراسة التي نشرت الأسبوع الماضي، في مجلة "ساينس أدفانسيس" عن أن الدخان المنبعث من حرائق الغابات تسبب في وفاة أكثر من 50,000 شخص في كاليفورنيا خلال العقد الماضي، نتيجة جسيمات دقيقة تسمى (PM2.5) يحتويها هذا الدخان لها تأثيرات خطيرة جداً في الصحة العامة، إذ يمكنها أن تؤدي إلى فشل وظائف الرئة وتفاقم مشكلات الجهاز التنفسي وكذلك أمراض القلب.

ويعادل حجم هذه الجزيئات السامة (1 من 30 من شعرة الإنسان) ويمكنها التغلغل بعمق في الرئتين والدخول إلى مجرى الدم، وربطت الدراسة المذكورة هذه الجسيمات بالعديد من الحالات الصحية والوفاة المبكرة.

وسابقاً أظهر بعض الأبحاث العلمية أن دخان حرائق الغابات يعرض الملايين من الأشخاص في الولايات المتحدة إلى تحديات صحية، لكن من دون الوصول إلى تفاصيل محددة.

لكن في الدراسة الأخيرة، استخدم الباحثون نموذجاً وبائياً جديداً لفحص تأثيرات التعرّض لجسيمات PM2.5 من حرائق الغابات خلال الفترة من 2008 إلى 2018، التي تضمنت بعضاً من أكثر مواسم الحرائق تدميراً في الولاية.

ووفقاً للدراسة، سُجلت ما لا يقل عن 52,480 وفاة مبكرة بسبب التعرض لهذه الجسيمات، إضافة إلى نفقات صحية لا تقل عن 432 مليار دولار، خلال العقد الزمني المذكور.

وقالت راشيل كونولي، مديرة المشروع في مركز الابتكار بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس وأحد مؤلفي الدراسة، لصحيفة الغارديان البريطانية إن "النتائج هي في الواقع دعوة للعمل من أجل إدارة الغابات وتخفيف تغير المناخ".

وأضافت الباحثة أن هذه النتائج الخطيرة تنبئ أن "حرائق الغابات لديها أثر أكبر في حالات الوفيات والتأثيرات الاقتصادية أكبر مما كنا نعرف".

وفي السياق نفسه، أظهر بحث سابق في أبريل/ نيسان الماضي أن الدخان الناتج عن حرائق الغابات يساهم في ما يقرب من 16000 حالة وفاة سنوياً في جميع أنحاء الولايات المتحدة.

وحذر البحث الصادر عن المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية (NBER) من أن العدد قد يرتفع إلى ما يقرب من 30 ألف حالة وفاة سنوياً بحلول منتصف القرن، إذ يزيد تغير المناخ الناجم عن النشاط البشري من احتمالية حدوث حرائق غابات كبيرة ومكثفة.

وخلصت دراسة أُخرى نُشرت العام الماضي في مجلة ’’علم البيئة الكلية‘‘ (Science of the Total Environment) أنّ جزيئات الدخان الدقيقة الناجمة عن حرائق الغابات يمكن أن تتسبب ما بين 4000 و9000 حالة وفاة مبكرة في الولايات المتحدة.

حرائق الغابات في الولايات المتحدة تهديد متزايد

وتشير بيانات المركز الأمريكي للتنبؤات الجوية إلى أنه خلال العام الحالي سُجل حتى الآن 48,333 حريق غابات في الولايات المتحدة، احترق على أثرها ما يقارب 2.1 مليون فدان من الأراضي.

ووفقاً لوكالة حماية البيئة، فإنه منذ ثمانينيات القرن الماضي، عندما بدأ حفظ السجلات فالسنوات الأخيرة الأخيرة بداية من 2004 هي الفترة التي فُقدت فيها أكبر مساحة في حرائق الغابات، وتزامنت مع أكثر الأعوام حرارة على مستوى البلاد.

وفي عام 2022، حدث 66255 حريقاً في الولايات المتحدة، مقارنة بـ 18229 في عام 1983، وفقاً للإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي (NOAA)، التي أرجعت سبب هذا النشاط في حرائق الغابات إلى "تغير المناخ، خاصة خلال العقدين الماضيين".

وفي السنوات الأخيرة شهدت كاليفورنيا العديد من الحرائق المدمرة في السنوات الأخيرة، بما في ذلك موسم 2020 الذي كان تاريخياً من حيث شدته، وتشير بيانات إدارة الغابات والحماية من الحرائق في كاليفورنيا (كال فاير) إلى أن ولاية كاليفورنيا شهدت أكثر من 1200 حريق غابات حتى الآن هذا العام، كان آخرها قبل أسبوع، إذ اندلع حريق في غابة كبيرة انتشرت على مساحة واسعة (57 كيلومتراً مربعاً) بين خليج سان فرانسيسكو ووسط ولاية كاليفورنيا، ما أدى إلى تدمير منزل وإصابة اثنين من رجال الإطفاء، وفق ما نقلت وكالة أسوشيتد برس.

آثار اقتصادية ضخمة

قدّر مقال في مجلة ’’مراجعة الاقتصاد والإحصاء‘‘ (Review of Economics and Statistics) الجامعية الأمريكية أن إيرادات الولايات المتحدة انخفضت بمعدل ​​125 مليار دولار أمريكي سنوياً بين عامي 2007 و2019 جراء حرائق الغابات فقط.

وفي العام الماضي أشار البيت الأبيض إلى أن الفيضانات والحرائق والجفاف الناجم عن تغير المناخ يمكن أن يؤثر بشكل كبير في الميزانية الأمريكية سنوياً، ووجد مكتب تقييم الإدارة والميزانية أن هذا التأثير يمكن أن يكلف الإيرادات خسائر سنوية تبلغ 7.1 في المئة أو ما يعادل تريليوني دولار سنوياً بسعر الدولار اليوم، بحلول نهاية القرن.

وذلك بالاضافة إلى أن الحكومة يمكن أن تنفق بين 25 مليار دولار و128 مليار دولار سنوياً على أمور مثل الإغاثة من الكوارث الساحلية والفيضانات وتأمين المحاصيل والرعاية الصحية ووقف حرائق الغابات والفيضانات، وفقاً للتقييم.

التغيّر المناخي وظاهرة تكرار الحرائق في الولايات المتحدة

في السنوات الأخيرة وصلت معدلات الحرارة إلى مستويات قياسية في بعض مناطق الولايات المتحدة تتراوح بين 30 و40 درجة، وعلى رأسها ولاية كاليفورنيا، ما زاد من حدة الحرائق، وذلك بالإضافة إلى تراجع هطل الأمطار الذي أدى إلى تكون غطاء نباتي شديد الجفاف وسريع الاشتعال، وخاصة في فصل الصيف.

وفي هذا السياق يوضح المتخصص في قضايا البيئة والمناخ زاهر هاشم أن درجات الحرارة المرتفعة تؤدي إلى جفاف الأوراق والجذوع والأعشاب والنباتات الموجودة في التربة، وتجعل منها وقوداً يسهل اشتعاله مع أي مؤثر خارجي سواء أكان طبيعياً مثل البرق، أم لعوامل بشرية نتيجة الإهمال أو الحوادث العرضية أو المتعمدة.

ويضيف هاشم لـTRT عربي أن الجفاف ودرجات الحرارة المرتفعة ونسبة الرطوبة الجوية المنخفضة كذلك يساعد على زيادة شدة الحرائق، وتعمل الرياح القوية الجافة على انتشار النيران إلى مساحات أوسع.

من ناحية أخرى أفادت دراسة نُشرت في مجلة علمية، بأنّ شركات الوقود الأحفوري مسؤولة عن أكثر من ثلث المساحات التي أتت عليها حرائق غابات في غرب أمريكا الشمالية، خلال السنوات الأربعين الماضية.

وجمع الباحثون في الدراسة بيانات ونماذج مناخية، لتحديد حجم مساهمة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والميثان من أكبر 88 شركة منتجة للوقود الأحفوري كـ"إكسون موبيل" و"بي بي" و"شيفرون" و"شيل"، في الجفاف الجوي.

وخلصوا إلى أن هذه الانبعاثات مسؤولة عن ارتفاع متوسط درجات الحرارة العالمية منذ بداية القرن العشرين بـ0.5 درجة مئوية، أي ما يعادل نصف الاحترار المسجل.

وأدى هذا الارتفاع في درجة الحرارة الناتج عن الانبعاثات الأحفورية إلى ازدياد العجز في ضغط البخار بالغلاف الجوي في غرب الولايات المتحدة، بنسبة 11%، والذي يعني أن الهواء المحيط يمتص مزيداً من قطرات الماء المنبعثة من النباتات والتربة في أثناء عملية التمثيل الضوئي، ما يجعلها جافة ويعرّض الغطاء النباتي أكثر للحرائق.

وكانت أبحاث حديثة أظهرت أنّ العجز في بخار الماء كلّما ارتفع، تتسع المساحات المُدمَّرة جراء الحرائق، واختير هذا المؤشر عام 1986 مرجعاً موثوقاً لبيانات الحرائق.

وفي هذا الصدد قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في بيان له الخميس 6 يونيو/حزيران الجاري "عرابو فوضى المناخ (شركات صناعات الوقود الأحفوري) يحققون أرباحاً قياسية، ويتنعمون بتريليونات من الإعانات الممولة من دافعي الضرائب"، داعياً كل البلدان إلى حظر إعلانات شركات الوقود الأحفوري.

من ناحية أخرى توقع تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة وقاعدة بيانات الموارد العالمية، أن يؤدي تغيّر المناخ إلى "زيادة تواتر اندلاع حرائق الغابات مع زيادة عالمية في الحرائق الشديدة بنسبة تصل إلى 14% بحلول عام 2030، و30 % بحلول نهاية عام 2050 و50% بحلول نهاية القرن".

ودعا التقرير إلى أهمية إحداث تغيير جذري في الإنفاق الحكومي على الحماية من حرائق الغابات، وتحويله من رد الفعل والاستجابة إلى الوقاية والتأهب.

بدوره قال المتخصّص في قضايا المناخ زاهر هاشم إنه يمكن التفادي وتقليل حرائق الغابات من خلال تقليل العوامل البشرية التي تتسبب بمعظم هذه الحرائق.

وكذلك إنشاء أنظمة كشف وإنذار مبكر عن الحرائق وتحسين البنية التحتية في مناطق الغابات وتوعية السكان المحليين في مناطق الغابات حول التعامل الصحيح مع النيران، يمكن أن تقلل من خسائر الحرائق وفق ما أوضحه الخبير المناخي.

TRT عربي