تُعرف حرب أكتوبر في مصر أيضاً بـ"حرب العاشر من رمضان"، وفي سوريا بـ"حرب تشرين التحريرية"، وفي إسرائيل بـ"حرب يوم الغفران"، شنّتها القوات المسلحة المصرية والسورية في وقت واحد على إسرائيل على جبهتَي شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان، لتحريرهما من الاحتلال الإسرائيلي.
ولم تكن حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول أولى الحروب بين جيش عربي وجيش إسرائيلي، بل سبقتها أربع حروب: حرب فلسطين 1948، وحرب السويس أو العدوان الثلاثي 1956، وحرب الأيام الستة 1967، وحرب الاستنزاف من 1967 إلى 1970، ولكنَّ حرب أكتوبر كانت فريدة؛ تمتاز بأنّها أول حرب يبدأ فيها جيش عربي بالهجوم، ويحقّق النصر.
عام 1973 قرر الرئيسان أنور السادات وحافظ الأسد اللجوء إلى الحرب لاسترداد الأرض التي خسرتها الدولتان عام 1967، واجتمع القادة العسكريون السوريون برئاسة مصطفى طلاس وزير الدفاع، مع القادة المصريين برئاسة أحمد إسماعيل، سرّاً في الإسكندرية ليشكّلوا معاً مجلساً أعلى للقوات المصرية والسورية بحضور 13 قائداً، للاتفاق على موعد الحرب وتنسيق التحركات العسكرية، حسب مذكرات المشير محمد عبد الغني الجمسي "مذكرات الجمسي" الصادرة عن الهيئة العامة المصرية للكتاب.
وقبل قرار الحرب بنى الجيش المصري قواته مرة أخرى في سنوات قليلة، يَعدّها جورجيو باتيستي، الرئيس السابق لغرفة العمليات العسكرية في الجيش الإيطالي، "معجزة عسكرية"؛ "إذ كانت القوات المصرية قد فقدت 85% من قواتها الجوية و80% من آلاتها وأفرادها في حرب 1967، وخلال 7 سنوات أعاد الجيش المصري بناء قواته وتأهيلها لخوض حرب استرداد الأرض".
وتولى بعدها الفريق سعد الشاذلي، رئيس الأركان، دراسة إمكانات الجيش ومقارنتها بإمكانات الجيش الإسرائيلي، لوضع خطة هجومية واقعية، حسب مذكرات الفريق الشاذلي "مذكرات حرب أكتوبر"، الصادرة عن دار بحوث الشرق الأوسط الأمريكية.
وتقدم الشاذلي بخطة عرَضَها على وزير الحربية آنذاك الفريق محمد صادق، قائمة على عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف بحرب محدودة واتخاذ أوضاع دفاعية على مسافة 20 كيلومتراً شرق القناة، وأن تبقى القوات في هذا الوضع حتى الإعداد للمرحلة التالية من تحرير الأرض، إلا أنّها قُوبلت بالرفض، وأُضيفت تعديلات عليها، بالعبور وتدمير خط بارليف والتوغل في الأرض والسيطرة على الممرات الجبلية بسيناء.
نصر كبير في اليوم الأول
في تمام الساعة الثانية ظهراً نَفّذَت 222 طائرة حربية مصرية ضربات جوية على الأهداف الإسرائيلية شرقيّ القناة، غطّت الضربة الجوية النصف الغربي من سيناء باستثناء هجوم واحد قصف مطاراً جنوبيّ العريش.
وعبرت الطائرات على ارتفاعات منخفضة للغاية (نحو 30م) لتفادي الرادارات الإسرائيلية، واستهدفت المطارات ومراكز القيادة ومحطات الرادار والإعاقة الإلكترونية وبطاريات الدفاع الجوي وتجمعات الأفراد والمدرعات والدبابات والمدفعية والنقاط الحصينة في خط بارليف ومصافي النفط ومخازن الذخيرة.
وذكر تقرير قائد القوات الجوية عقب الهجوم، أن الضربة حققت 95% من أهدافها، بعدها بخمس دقائق بدأت المدفعية المصرية قصف التحصينات والأهداف الإسرائيلية الواقعة شرق القناة بكثافة، تحضيراً لعبور المشاة، فيما تسلّلت عناصر سلاح المهندسين والصاعقة إلى الشاطئ الشرقي للقناة لإغلاق الأنابيب التي تنقل سائل النابالم المشتعل إلى سطح المياه، ثم أطلقت المدفعية نيرانها إلى العمق خلف خط بارليف لتأمين عبور المشاة.
وفي الساعة السادسة والنصف في اليوم ذاته، عبر القناة ألفا ضابط وثلاثون ألف جندي، وفتحوا 10 ثغرات في خط بارليف، ومُدّت خلالها الجسور التي عبرت عليها المعدات الثقيلة والدبابات، وفي نهاية اليوم كان الجيش المصري قد عبر القناة بخمس فرق مشاة كاملة وألف دبابة، ودمّر حصون بارليف وأقام 7 جسور على القناة.
على الجبهة السورية، وفي نفس توقيت الهجوم المصري، نَفّذَت القوات السورية هجوماً شاملاً تحت ستار المدفعية الثقيلة، في شمال وجنوب القنيطرة، وشنت القوات الجوية السورية هجوماً كبيراً على المواقع والتحصينات الإسرائيلية في عمق الجولان، وهاجمت تجمعات عسكرية ودبابات ومرابض المدفعية والرادار وخطوط الإمداد وحقّق الجيش السوري نجاحاً كبيراً، وتقدمت القوات السورية في كل الجولان بقواتها ودباباتها.
لكن في اليوم التالي 7 أكتوبر/تشرين الأول، وحسب ما ذكره المؤرخ العسكري جمال حماد في كتابه "المعارك الحربية على الجبهة المصرية"، شنّ الطيران الإسرائيلي هجوماً مركّزاً على المدرعات والقوات السورية، أدى إلى تدمير عدد كبير منها، وهو ما ساعد القوات البرية الإسرائيلية على صدّ الهجوم السوري.
وابتداءً من اليوم الثالث للقتال، شنّ الطيران الإسرائيلي هجماته في العمق السوري فقصف أهدافاً عسكرية ومدنية في دمشق، فأغارت طائرات الفانتوم على مبنيَي وزارة الدفاع وقيادة القوات الجوية ومحطة الإذاعة ومحطة الكهرباء ومصفاة النفط في حمص، وخزانات النفط في طرطوس واللاذقية.
أفلام الحرب ومسلسلات الجاسوسية
تعرف الأجيال التي وُلدت عقب الحرب عن أحداثها من الأفلام قبل أن تقرأ عنها دروس التاريخ في المدارس؛ يتذكّر الأطفال مشاهد ولقطات حقيقية لعملية العبور والمدفعية والأسرى وخراطيم المياه التي انهالت على الساتر الترابي في أفلام كثيرة كانت تُعرَض على شاشات التليفزيون احتفالاً بذكرى الانتصار.
ومن أول هذه الأفلام وأشهرها: "الرصاصة لا تزال في جيبي" 1974، وفيلم "حتى آخر العمر" عن الساعات الأولى للعبور ودور سلاح الطيران، و"فيلم الصعود إلى الهاوية" 1978 الذي يروي قصة حقيقية لجاسوسة إسرائيلية أوقع بها ضابط في المخابرات العامة المصرية.
أما فيلم "العمر لحظة" فما يميزه أنّه بطولة نسائية عن صحفية تسعى طوال الفيلم لتغطية قصص الجنود على الجبهة وقت حرب الاستنزاف والإعداد للحرب، ما يعطيه جانباً إنسانياً مع المشاهد الحقيقية للحرب التي تَضمَّنها الفيلم. أما فيلم "إعدام ميت" 1985 فمختلف بأجوائه الجاسوسية، عن مهمة المخابرات المصرية لكشف أسرار مفاعل "ديمونة" الذرّي الإسرائيلي.
بعد سنوات عدّة من توقف الإنتاج عن حرب أكتوبر/تشرين الأول، وعام 1993 أُنتج فيلم "الطريق إلى إيلات"، الذي تعرفنا خلاله أكثر على سنوات حرب الاستنزاف، لا سيّما غارات الضفادع البشرية الناجحة على ميناء إيلات الإسرائيلي، وكيف تعاون بعض القوات العربية مع الجيش المصري لإتمام المهمة.
وصولاً إلى فيلم "الممر" 2019، الذي يحكي قصة عملية في حرب الاستنزاف لتدمير أكبر مخزن للسلاح الإسرائيلي في سيناء.
أما المسلسلات فكان أغلبها يعتمد على أحداث حقيقية، معظمها من ملفات الجاسوسية، ربما لما تحمله من دراما تتّسع لها حلقات المسلسل الطويلة، من أبرزها "رأفت الهجان"، و"دموع في عيون وقحة"، و"وادي فيران"، و"السقوط في بئر سبع".
أول أغنية: "باسم الله"
أما الأغاني، فأولاها كان "الله أكبر باسم الله"، التي يقول عنها الإعلامي وجدي الحكيم، إنّه يوم العبور اندفع الملحن بليغ حمدي والشاعر عبد الرحيم منصور إلى مبنى الإذاعة والتليفزيون لتسجيل الأغنية. ورغم صعوبة دخول المبنى وقت الحرب فإنّ بليغ حمدي أصرّ على تسجيل الأغنية. وحضرت الفنانة وردة الجزائرية للغناء، وسُجّلَت الأغنية وأُذيعت ظهيرة يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وكذلك سُجّلت "وأنا على الربابة باغنّي"، وبعدها قُدّمَت أغنيات عدة مثل "رايات النصر" للشاعرة نبيلة قنديل وألحان علي إسماعيل.
كما قدم عبد الحليم حافظ أغنية "عاش اللي قال" التي كتبها الشاعر محمد حمزة بعد أن قرأ مقالاً للكاتب محمد حسنين هيكل وتأثر به، ولحّنها الموسيقار بليغ حمدي، وأغنية ''صباح الخير يا سينا'' التي لحّنها الموسيقار كمال الطويل من كلمات الشاعر عبد الرحمن الأبنودي، وما غنّته شريفة فاضل في "أم البطل" عن استشهاد ابنها.
"ترويج أكذوبة"
في نهاية شهر أغسطس/آب الماضي، عُرض فيلم غولدا "GOLDA" على منصة "نتفليكس"، وهو فيلم أثار استياء كثير من النقاد، منهم طارق الشناوي الذي قال في مقاله مُعلِّقاً على الفيلم: "السينما الإسرائيلية أدركت أهمية الفن واستغلّته منذ أيام السينما الصامتة، قدّمَت أفلاماً تسجيلية صامتة مثل (قطيع ماعز في القدس)، وبعد دخول الصوت في مطلع الثلاثينيات قدّمَت أيضاً أفلاماً مثل (صبار)، وتعدّدت الأفلام الإسرائيلية لا سيّما بعد نكبة 48".
ويضيف الشناوي: "وفي فيلم (غولدا) يقلب الشريط السينمائي الحقائق، معتبراً انتصار العرب في أكتوبر/تشرين الأول 1973 تَحقَّق فقط في الأيام الأولى للحرب، بعدها انقلبت الموازين، والجيش الإسرائيلي بعد اختراقه ثغرة الدفرسوار صار منتصراً، وهو ترويج خاطئ لأكذوبة صدّروها للعالم، يكررونها في أفلامهم".