تحلّ الذكرى 58 لإحدى أكثر اللحظات ألماً بين الشعبين الشقيقين، المغربي والجزائري، حين رفع الأشقاء السلاح بعضهم في وجه بعض، بعد أن فشلت الدبلوماسية في إيجاد حلّ لنزاع حدودي أورثهم إياه الاستعمار الفرنسي. فيما يأتي هذا اليوم والتوتر بين البلدين قائم، وسط تساؤلات عن دور التدخل الأجنبي في زرع الشقاق في المنطقة.
قتال الإخوة
بدأت جذور الخلاف بين البلدين بعدما ضمَّت سلطات الاستعمار الفرنسي منطقتَي بشار وتندوف إلى الأراضي الجزائرية، وهما منطقتان يرى المغرب حقه التاريخي فيهما، وأنهما جزء من أراضيه التاريخية.
مطالبات مغربية لم تُعِرها باريس اهتماماً، بل وبادرت عام 1957 بإقرار منظومة إدارية جديدة بالمنطقة، في حين ظلّ السلطان المغربي وقتها، محمد الخامس، يرفض الاقتراحات الفرنسية ببدء التفاوض حول تلك المناطق. معللاً رفضه بنية أن لن يكون تفاوض إلا مع الجزائر وهي مستقلة، مؤكداً أن تلك الأرض ليست فرنسية كي تكون فرنسا طرفاً في أي مفاوضات حولها.
في 6 يوليو/تموز 1961وقّعَت الحكومة المغربية اتفاقاً مع رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة فرحات عباس، بموجبه يعترف البلدان بإشكال حدودي بينهما يبدأ التفاوض حوله بعد استكمال الجزائر استقلالها. لكن بعد استقلال الجزائر سنة 1962 زار الملك الحسن الثاني، الذي تربع على عرش البلاد خلفاً لأبيه، عاصمتها مذكّراً الرئيس أحمد بن بلة بالاتفاق المذكور, فيما طلب الرئيس تأجيل البتّ فيه حتى استكمال الجزائر بناء مؤسساتها. بن بلة كان أعلن في وقت سابق لتلك الزيارة أن "التراب الجزائري لا يتجزأ".
في خريف سنة 1963، تصاعدت حملات إعلامية بين البلدين الجارين، أطلق فيها الإعلام الجزائري حملة يقول فيها إن المغرب له نيَّات توسعية على حساب الجزائر، مستغلّاً إنهاكها من حرب التحرير، فيما اتهم المغرب الجزائر على لسان وكالة أنباء المغرب العربي بأنها بعثت بقوات إلى طرفاية كي تحرّض السكان هناك على الثورة ضد الملك. وفي 8 أكتوبر/تشرين الأول شنّت قوات جزائرية هجوماً على نقطة تمركز عسكرية للجيش المغربي بمنطقة حاسي بيضا أودت بحياة عشرة جنود.
بعثت الرباط باحتجاجها إلى الجزائر، وحسب الرواية المغربية لم تلقَ استجابة من الجزائر. إثرها اندلعت المواجهة المفتوحة بين الجيش الجزائري المكوَّن أساساً من العناصر التي قاتلت في حرب التحرير، مدعومة من كوبا بـ686 رجلاً مقاتلاً وطائرات ومدرعات ومدفعية، ومن مصر بـ1000 جندي، فيما كان الجيش المغربي نظامياً حديث العتاد ذا خطوط إمداد قوية مدعوماً بشكل غير مباشر من فرنسا وإسبانيا والولايات المتحدة الأمريكية، حسب ما تورده مصادر تاريخية وإعلامية مختلفة.
سعت القوات المغربية لاسترجاع منطقة حاسي البيضاء وتنجوب التي هاجمهما الجيش الجزائري سابقاً، في المقابل اندفعت القوات الجزائرية غرباً نحو حدود مدينة فيكيك (شرق المغرب). ودامت العمليات القتالية أياماً معدودة قبل وقف إطلاق نار مؤقت في 5 نوفمبر/تشرين الثاني من نفس السنة، أُكّد باتفاق وقف إطلاق نار دائم في 20 فبراير/شبط 1964، برعاية الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية.
إشكالية الحدود ودور التدخل الأجنبي
قبل الاستعمار لم يقع أي نزاع بين المغرب والجزائر حول الحدود. في المقابل فالحدود بين بلدان إفريقيا أتت مع المد الاستعماري على أراضيها. لم يقف الدور الفرنسي عند هذا الحد من المساهمة في بثّ الخصومة بين البلدين الشقيقين، بل دفعت مساومته المغرب بين الأرض ودعم المقاومة الجزائرية في تجميد أي حلّ استباقي للقضية.
كما أن جلاء الاستعمار عن القارة السمراء خلَّف نوعين من المواقف إزاء قضية الحدود، أحدهما يدافع عن شكلها الموروث عن الاستعمار، كما سبق وعبّر عنه الرئيس المالي السابق موديبو كيتا قائلاً: "إفريقيا كما هي، الوحدة الإفريقية تتطلب منا احترام كل واحدٍ الإرثَ الذي تلقيناه من النظام الاستعماري، أي الحفاظ على الحدود الحالية لبلادنا". والجزائر تدعم هذا الطرح الذي دعمته منظمة الوحدة الإفريقية كذلك خوفاً من نشوب صراعات بين الدول.
الموقف الآخر هو الذي يرتكز على "الحقّ التاريخي"، ويستند إلى مبدأ البيعة الدينية والتبعية الروحية، وهذا موقف المغرب الذي يعتبر أن الاستعمار اقتطع منه هذا الامتداد التاريخي له. ما جعل المغرب، حتى خلال توقيعه اتفاقية الانضمام إلى منظمة الوحدة الإفريقية، يقدّم تحفُّظه بأنه "لا يمكن تفسير (توقيع المغرب) بأي حال من الأحوال على أنه اعتراف صريح أو ضمني بالوضع القائم (للحدود) من جانب المغرب، ولا بوصفه تخلِّياً عن متابعة وتحقيق حقوقه بوسائل شرعية بحوزته".