تابعنا
يمتاز نمط حياة "شبيبة التلال" اليومي بالتنقل والحركة، وهو يقوم بالأساس على العنف، وهدفهم البحث الدائم عن تلال جديدة يمكن "احتلالها".

تتالت العقوبات الغربية في الآونة الأخيرة ضد المستوطنين الإسرائيليين في مناطق الضفة الغربية المحتلة، وذلك على خلفية العنف الذي يمارسه هؤلاء المستوطنون ضد الفلسطينيين ومنازلهم وأراضيهم.

وفرض الرئيس الأمريكي جو بايدن، عقوبات على أربعة مستوطنين إسرائيليين في الضفة الغربية مطلع فبراير/شباط الجاري، لتورطهم في اعتداءات عنيفة ضد الفلسطينيين ونشاطهم التخريبي الموجّه ضد الفلسطينيين.

لحق هذا القرار فرض وزارة الخارجية البريطانية عقوبات أيضاً على 4 مستوطنين إسرائيليين متطرفين، ومن ثم وزارة الخارجية الفرنسية التي فرضت عقوبات على 28 مستوطناً إسرائيلياً متطرفاً ارتكبوا أيضاً أعمال عنف في حق المدنيين الفلسطينيين.

وسلَّطت قرارات هذه الدول فرض عقوبات على المستوطنين المتطرفين الضوء على عنفهم ونشاطهم التخريبي الموجّه ضدّ الفلسطينيين، وتحديداً على مجموعة "شبيبة التلال" التي باتت تشكل الإطار الأوسع والأكثر نشاطاً في العقد الأخير.

ووفق تقارير صحفية وأمنية إسرائيلية، تعد هذه المجموعة المسؤولة عن مئات حالات القتل والاعتداء على قرى فلسطينية من خلال عمليات الثأر التي تنفذها بشكل منظم رداً على العمليات الفلسطينية التي تستهدف المستوطنين، في إطار ما بات يُعرف بـ"جبي الثمن"، بالإضافة الى إحراق المنازل وقطع أشجار الزيتون والاعتداء على الطرق والمركبات والحقول التابعة للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، الى جانب انتشار أفرادها واحتلال عشرات التلال بهدف إنشاء بؤر استيطانية غير قانونية.

دوافع أيديولوجية أم عنف مَرضيّ؟

وتصنِّف الوحدة المسؤولة عن محاربة "الإرهاب اليهودي" في جهاز الأمن العام "الشاباك" عنف مجموعات "شبيبة التلال" على أنه "عنف قومي" موجه ضد الفلسطينيين، تنفّذه مجموعات "منظَّمة ومؤدلَجة" لها صلة وثيقة بأحزاب يمينية، وتجمعها علاقة مباشرة بأعضاء كنيست ووزراء يمينيين مثل وزير المالية والوزير في وزارة الأمن بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.

ويُضفي ذلك على نشاطها "التخريبي والعنيف" بُعداً سياسياً وعقائدياً، ويجعلها جزءاً من مشروع اليمين المتطرف الذي يتركز وجوده ونشاطه في المستوطنات والبؤر الاستيطانية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وبخلاف القراءة الأمنية، التي ترى أن هؤلاء الأشخاص "مثيرو شغب ومتطرفون يشكّلون خطراً" على الأمن والاستقرار في الضفة، نشر المركز الإسرائيلي للديمقراطية، التابع للكنيست الإسرائيلي تحقيقاً حول ظاهرة مجموعة "شبيبة التلال"، شكّك فيه في أهليتهم العقلية.

ومن خلال دراسة المركز لظاهرة "شبيبة التلال"، التي لا يتجاوز عدد أعضائها المئات، والنظر في نمط حياتهم وخلفيتهم والأدوات العنيفة التي يلجؤون إليها، خلص المركز إلى أن "هذه المجموعات لا تتحرك بدوافع عقائدية وأيديولوجية"، وهي الصفات التي ألصقها الإعلام بهذه المجموعة، وأصبحت جزءاً من هويتها بسبب ارتباطها السياسي بالأحزاب اليمينية المتطرفة ووجود إطار أيديولوجي ينظم نشاطها.

وأشار المركز إلى أنه "يمكن، وربما من الأفضل، النظر إليها على أنها مجموعات تعاني الانفصال عن الواقع وتعبّر عن نزعاتها المَرضية من خلال العنف السياسي والعداء للآخر"، معتبراً أن "مواجهتهم يجب أن لا تنحصر في نطاق العمل الجنائي، بل يجب أن تشمل العلاج النفسي وإعادة تأهيلهم اجتماعياً".

وأوصى المركز بالتعامل بمنتهى الحزم مع العنف المتعاظم لهذه المجموعات بسبب "القوة التدميرية الهائلة الكامنة لديها" وعدم الاكتفاء بالمنظومة الجنائية والأمنية، بل توسيع الدائرة، والتركيز أكثر على الدوافع والخلفيات الاجتماعية والنفسية "الإشكالية" التي تُحرّك معظم أفراد هذه المجموعات.

بدورها عرضت مؤسسات تعليمية يمينية واستيطانية مثل "تحدي بيت إيل" التي تضم 440 مدرسة وإطاراً تربوياً مخصصاً لتأهيل المشردين والمتسربين من المدارس ومَن يواجهون صعوبات في التأقلم، خطةً تهدف إلى إعادة تأهيل "شبيبة التلال"، والنظر إليهم على أنهم "شبيبة في خطر" ويعانون مشكلات اجتماعية ونفسية وأنهم بخلاف الحالات الأخرى "اختاروا التوجه إلى التلال" واحتلالها وتنفيذ نشاطهم العنيف ضد الفلسطينيين.

عنف وجهل

يضم الإطار الذي توحَّد تحته نشطاء "شبيبة التلال" مئات الشبان من الجنسين الذين يوصفون بأنهم صغار في السن ممن تسربوا من المدارس والأطر التربوية والتعليمية الرسمية والأهلية، والذين هَجَروا بيوت عائلاتهم واختاروا حياة منعزلة في تلال نائية ومن دون ضوابط من أي نوع، وهو ما يجعلهم شبيهين بشبيبة ومشردين في مناطق أخرى في إسرائيل أو العالم ممن يعانون "الانفصال عن الواقع"، غير أن الإطار الأيديولوجي اليميني "شكَّل بالنسبة لهم البديل وليس الحافز والسبب، عن الأطر التي فروا منها"، وفق مركز أبحاث الديمقراطية الإسرائيلي.

يمتاز نمط حياة "شبيبة التلال" اليومي بالتنقل والحركة، وهو يقوم بالأساس على العنف، وهدفهم البحث الدائم عن تلال جديدة يمكن "احتلالها".

يفيقون قبل شروق الشمس. امتهنوا مهنة رعي الأغنام والأبقار، يُتقنون اللغة العربية، وأصبحت لديهم قطعان تحتاج إلى مساحات واسعة وأرض مفتوحة، وتنقُّل دائم "لا يتناسب مع طبيعة المستوطنات القائمة والاستيطان الثابت"، وفق تقرير نشره موقع "مكور ريشون" الذي رافق مُعدّه هذه المجموعات وعاش بينها لأسابيع.

بسبب طبيعة حياتهم القاسية، وعدم وجود مرجعيات قانونية أو سياسية تحكم سلوكهم، يحاكي شبيبة التلال حياة الفلاحين الفلسطينيين، وتربية الماشية والخيول، والتنقل بين التلال مشياً على الأرجل أو على الخيول، ويمنعون الفلسطينيين من الاقتراب من الأماكن التي يحتلونها والتلال التي يستقرون بها، والتي تتحول إلى نقاط انطلاق لتنفيذ عمليات تخريب واعتداءات ضد القرى الفلسطينية، أو تنفيذ عمليات "تدفيع ثمن" وقطع الطرق وإحراق الحقول بعد تنفيذ عمليات فلسطينية ضد المستوطنين.

اعتداءات منظَّمة

كشف تحقيق نشره موقع "سيحاة مكوميت" اليساري في 2 مايو/أيار 2023، عن أن جيش الاحتلال جنَّد وحدة خاصة أطلق عليها اسم "كتاب الصحراء" مهمتها تنفيذ جولات في منطقة غور الأردن وبرية الضفة الغربية، مكونة من "شبيبة التلال" ومستوطنين يُعدون "الأكثر تطرفاً بين المتطرفين" ممن أقاموا مزارع خاصة على أراضي الفلسطينيين، وهو ما أدى إلى ورود شهادات كثيرة وصلت إلى الصحيفة منها 11 شهادة موثقة حول "عمليات عنف ممنهجة وتنكيل بالفلاحين الفلسطينيين".

من الوسائل التي تلجأ إليها هذه الوحدة العسكرية، يتضح أنها تمارس عنفاً ممنهجاً ضد الفلسطينيين يتكرر بنمطية ثابتة مثل "أخذ مفاتيح مركباتهم وهواتفهم النقالة وتركهم وسط الصحراء، وتغطية أعينهم وتكبيلهم وتركهم على قارعة الطريق، والاعتداء الجسدي والضرب المبرح، ومصادرة الماشية والأغنام".

وقال مصدر عسكري للصحيفة إن وحدة كتاب الصحراء تشكلت في 2020، وإنها تضم مستوطنين متطرفين وشبيبة تلال وأشخاصاً لا إطار اجتماعياً يضمهم (مشرَّدون)، وقد دُمجوا في كتيبة "لبؤة الأغوار"، معتبراً أن "وجودهم في الخدمة العسكرية سيسهم في إعادة تأهيلهم" إلى جانب الاستفادة من "معرفتهم بجغرافيا المنطقة".

رغم اعتداءاتهم المتكررة، التي أصبحت تأخذ طابعاً منظماً وشكل الميليشيا، ورغم أن جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك) حاول في بيان خاص نشره عام 2019 أن يصنفهم على أنهم "جماعات خارجة عن القانون"، فإن عضو الكنيست ووزير الأمن الداخلي إيتمار بن غفير، يرفض هذه التصنيفات.

ويرى بن غفير أنهم مجموعات طلائعية، واتهم "الشاباك" بأنه "ينكّل بهم ويحرمهم حقوقهم القانونية"، معتبراً أن "وصمهم بالمتشردين والخارجين عن القانون والعنيفين إنما هو تشويه لهم ومساس بحقوقهم"، وفق تعبيره.

TRT عربي