في السنوات الأخيرة، أصبح وجود الشركات العسكرية الخاصة أكثر انتشاراً وتدخلاً في النزاعات العالمية. ومن بين كل الشركات العالمية، حظيت فاغنر، وهي شركة روسية عسكرية خاصة، باهتمام كبير بسبب مشاركتها الفعالة في نزاعات مختلفة، بما في ذلك أوكرانيا وسوريا ودول أفريقية عدة. غير أن لاعباً جديداً ظهر على الساحة الأوكرانية مؤخراً، "كتيبة أحمد"، وهي قوة شيشانية ما فتئت تكتسب نفوذاً وتأييداً من سادة الكرملين.
وقد شهدت الحرب الأوكرانية منذ بدئها قبل 15 شهراً على مشاركة القوات الخاصة شبه النظامية بفاعلية، سواء تلك المحسوبة على روسيا، مثل فاغنر والقوات الشيشانية الخاصة، أو تلك التي شكلتها أوكرانيا تحت مسمى "الفيلق الدولي"، والذي ضم المتطوعين الأجانب الذين يقاتلون للدفاع عن أوكرانيا.
وفي الوقت الذي يحاول فيه الكرملين السيطرة على الجيوش الخاصة التي تقاتل نيابةً عنه في أوكرانيا، وبينما يزداد الخلاف بين وزارة الدفاع الروسية ومجموعة فاغنر التي رفضت مؤخراً توقيع عقد مع وزارة الدفاع، لمع اسم كتيبة "أحمد" الشيشانية الخاصة التي تقاتل إلى جانب روسيا في أوكرانيا بعد الإعلان عن توقيعها على العقد الذي رفضته فاغنر.
ما سر الخلاف بين فاغنر ووزارة الدفاع؟
رفْض التوقيع على العقد ليس المرة الأولى التي يحتدم فيها النزاع بين رئيس فاغنر ووزارة الدفاع الروسية. فقد طفا على السطح في الأشهر الأخيرة الكثير من الخلافات بين قوات فاغنر ووزارة الدفاع الروسية، على إثرها هدد قائد فاغنر، يفغيني بريغوجين، في مايو/أيار الماضي بأن مقاتليه مضطرون إلى الانسحاب من جبهة باخموت في إقليم دونيتسك الأوكراني، قبل أن يتراجع عن الأمر لاحقاً، وذلك بسبب عدم قيام وزارة الدفاع بتزويده بالذخائر اللازمة.
وقبل ذلك، وتحديداً في فبراير/شباط الماضي، اتهم بريغوجين هيئة الأركان العامة في بلاده بـ"الخيانة"، وذلك بعد رفضها، على حدّ قوله، تسليم المعدات والأسلحة التي تحتاج إليها عناصره المنتشرة في الخطوط الأمامية لجبهة القتال في شرق أوكرانيا.
تصريحات بريغوجين السابقة وردود أفعاله الحالية تكشف، وفق ما يرى مراقبون، عن تعمق الصدع بين القوى العسكرية الروسية المنخرطة في معارك أوكرانيا. وعلى الرغم ممّا حظيت به فاغنر من ثقة ودعم الكرملين منذ تأسيسها؛ نظراً إلى العلاقة الخاصة التي تجمع بين بوتين وبريغوجين، فإن ذلك قد غذّى خلافات متراكمة وصراعاً على النفوذ على ما يبدو بين زعيم فاغنر، وجنرالات الروس، وعلى رأسهم سيرغي شويغو، وزير الدفاع، ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف، وفق ما يرى خبراء سبق أن تحدثوا لـTRT عربي.
عقود للقتال مع وزارة الدفاع الروسية
أعلنت وزارة الدفاع الروسية، الاثنين، أنها وقّعت عقداً مع مجموعة القوات الخاصة الشيشانية المعروفة باسم "كتيبة أحمد"، وذلك بعد يوم من رفض مؤسس مجموعة فاغنر، يفغيني بريغوجين، التوقيع على عقد مماثل، بسبب الخلاف الحاصل والمتصاعد بينه وبين وزارة الدفاع، وفقاً لما نقلته رويترز.
يأتي التوقيع، بعد صدور أمر ينص على أنه يجب على جميع أعضاء ما تسمى "وحدات المتطوعين" أن يوقّعوا عقوداً بحلول الأول من يوليو/تموز 2023، لإخضاعهم لسيطرة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، وذلك في وقت تحاول فيه موسكو إحكام سيطرتها على الجيوش الخاصة التي تحارب نيابةً عنها في أوكرانيا.
وبموجب العقد، سيحصل المقاتلون المتطوعون على جميع المزايا والضمانات التي تحصل عليها القوات النظامية، بما في ذلك تقديم الدعم لهم ولعائلاتهم إذا أُصيبوا أو قُتلوا.
ووسط تصاعد الخلافات بين فاغنر ووزارة الدفاع، من شأن قبول مقاتلي "أحمد" التوقيع على العقد أن يزيد من نفوذ الكتيبة الشيشانية على نظيرتها الروسية التي قال زعيمها إنه سيرفض توقيع أي عقد مع الوزارة، وذلك بعد أن شكك مجدداً في إمكانات وزير الدفاع الروسي، وقال إن "شويغو لا يمكنه إدارة التشكيلات العسكرية جيداً".
من جهته، قال قائد "أحمد"، أبتي علاء الدينوف، بعد قبول زعيم المجموعة، رمضان قديروف، العرض: "أعتقد أن هذا شيء جيد للغاية". وأضاف أن مجموعته "أعدّت وأرسلت عشرات الآلاف من المتطوعين" إلى أوكرانيا خلال الشهور الخمسة عشر الماضية. فيما قال نائب رئيس الأركان العامة الروسية الجنرال أليكسي كيم إنه يأمل أن تحذو وحدات المتطوعين الأخرى حذو الكتيبة الشيشانية.
ما حكاية كتيبة "أحمد"؟
في 26 يونيو/حزيران 2022، أعلن الرئيس الشيشاني رمضان قديروف، عزمه تشكيل 4 كتائب عسكرية شيشانية خاصة، وأعلن خضوعها لوزارة الدفاع الشيشانية. سُميت الكتيبة باسم "قوات أحمد" على اسم الزعيم الشيشاني أحمد قديروف، وهي 4 كتائب (أحمد شمال، وأحمد جنوب، وأحمد شرق، وأحمد غرب)، وتضم مجتمعةً أكثر من 10 آلاف مقاتل شيشاني. وتمثل الكتيبة جزءاً من الجيش الشيشاني، ويقودها الجنرال أبتي علاء الدينوف.
نفّذت الكتيبة عدة هجمات في مدن أوكرانية. وحتى الآن، وفقاً لتقرير صادر عن معهد دراسة الحرب (ISW)، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن العاصمة، عمل المقاتلون الشيشان في مناطق خلف خط المواجهة بعد مشاركتهم في معارك دامية في المدن الأوكرانية، بما في ذلك ماريوبول ودونيتسك.
وحسب المعهد، فإنه بعد اشتداد القتال في بيلغورود الروسية في وقت سابق من هذا الشهر، من المرجح أن قوات قديروف تلقت أوامر بالاضطلاع بدور قيادي في القتال في أوكرانيا.
ووفقاً لمواقع شيشانية، فإن الكتيبة مسلحة بأحدث وأقوى الأسلحة الروسية، حيث أشار بعض الصحف إلى امتلاكها دبابات وآليات روسية. كما أن جميع سيارات القوات الشيشانية "أحمد" تحمل الحرف "Z" باللغة الإنجليزية، وهو شعار دعم القوات الروسية في أوكرانيا. ويضيف الموقع أن لدى كتيبة "قوات أحمد" طقوساً وتقاليد تحرص عليها قبل كل العمليات التي تقوم بها، ومنها التكبير وأداء "صلاة الفتح" بحسب الموقع.
ويرى مراقبون أن احتدام الخلاف بين فاغنر ووزارة الدفاع الروسية من شأنه أن يمهّد الطريق أمام صعود الكتيبة الشيشانية على حساب الروسية فاغنر، لا سيما أن بريغوجين سبق وأعلن في 7 مايو الماضي، عن استعداده لتسليم المواقع في مدينة أرتيوموفسك لقوات كتيبة "أحمد" الشيشانية.