أفادت وكالات أنباء روسية بأنّ طائرة ركّاب خاصّة تحطّمت الأربعاء في أثناء رحلة داخلية ممّا أسفر عن مقتل كلّ من كان على متنها، وعددهم 10 أشخاص قد يكون أحدهم زعيم مجموعة فاغنر يفجيني بريغوجين لأنّ اسمه كان مدرجاً على قائمة ركّابها، وهو ما أعاد إلى المشهد التساؤلات حول الرجل ودوره وعلاقته بالكرملين.
ونقلت وكالات ريا نوفوستي وتاس وإنترفاكس عن وكالة النقل الجوي الروسية "روسافياتسيا" أنّ اسم بريغوجين ورد على قائمة ركاب هذه الطائرة التي كانت متجهة من موسكو إلى سانت بطرسبرغ حين تحطّمت وقضى كلّ من كان على متنها.
من جهتها قالت وزارة الطوارئ الروسية في منشور على تطبيق تليغرام: "كان على متن الطائرة 10 أشخاص، من بينهم طاقم من ثلاثة أشخاص. وفقاً للمعلومات الأولية، قضى كلّ الأشخاص الذين كانوا على متن الطائرة".
يدور هذا التقرير حول القصة المثيرة لـ"يفجيني بريغوجين"، الشخصية المبهمة وراء الشركة العسكرية الخاصة المعروفة باسم فاغنر، ونستعرض فيه أبرز المحطات في رحلة بريغوجين بدءاً من خلفية متواضعة إلى موقع قوة وشهرة، وصولاً إلى خلافاته مع قيادة الجيش الروسي. وهي القصة التي تقدم لمحة فريدة عن العالم المعقّد للحرب الحديثة والعمليات العسكرية التي تقودها المليشيات الخاصة.
صعود بريغوجين
ولد يفغيني فيكتوروفيتش بريغوجين عام 1961 في لينينغراد (سان بطرسبرج حالياً)، المدينة التي ينحدر منها بوتين أيضاً. نشأ في أسرة متواضعة وبدأ حياته المهنية مجرماً منخفض المستوى، وفق وسائل إعلام روسية.
وتضمنت مساعيه المبكرة إدارة عمليات احتيال صغيرة والانخراط في أنشطة غير قانونية كانت سبباً في الحكم عليه بالسجن لمدة 12 عاماً، قضى منها عشر سنوات.
ومع ذلك، ستأخذ حياة بريغوجين منعطفاً كبيراً، ما سيقوده إلى مسار غير متوقع. ففي أعقاب انهيار الاتحاد السوفييتي في 1991، وظهور نظام جديد في روسيا، حاول استغلال الفرص المتاحة للعمل في التجارة. وجاءت انطلاقته الأولى عندما أسس شركة طبخ في أوائل التسعينيات.
سرعان ما اكتسبت الشركة المعروفة باسم "كونكورد للطبخ" سمعة طيبة لخدماتها الغذائية عالية الجودة وعقودها المضمونة مع المنظمات المرموقة، بما في ذلك الحكومة الروسية.
استمرت إمبراطورية بريغوجين في التوسع لتشمل عديداً من المطاعم والمقاهي وشركات تقديم الطعام. فيما زوده نجاحه في صناعة المواد الغذائية بالوسائل المالية للمغامرة في مساعٍ أخرى.
تأسيس فاغنر
في عام 2014، مع اشتداد الصراع في أوكرانيا، ظهرت التقارير حول مجموعة شبه عسكرية غامضة تُعرف باسم فاغنر. عملت المجموعة سراً، وعمل جنودها لاحقاً مرتزقة في صراعات مثل أوكرانيا وسوريا ودول إفريقية مختلفة.
وطوال السنوات الثماني التي تلت تأسيسها، ظل زعيم المجموعة غامضاً لا يعرفه أحد تقريباً، إلى أن أقر بريغوجين شخصياً، في سبتمبر/أيلول 2022، أنه هو من أسس فاغنر في 2014 للقتال في أوكرانيا، واعترف أيضاً بانتشار عناصر منها في سوريا ودول إفريقية ولاتينية.
وفي بيان نشر على حسابات شركته "كونكورد للطبخ" عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أكد بريغوجين تدخل مجموعته في أكثر من نزاع عبر العالم بالقول: "والآن أعترف لكم.. هؤلاء الرجال الأبطال دافعوا عن الشعب السوري وشعوب عربية أخرى والأفارقة والأمريكيين اللاتينيين المعدومين، أصبحوا إحدى ركائز أمتنا". على حدّ تعبيره.
وخلال الأسابيع الأولى التي تلت بدء الحرب الأوكرانية في أواخر فبراير/شباط 2022، انتشرت فيديوهات تظهر بريغوجين وهو يجند سجناء روساً للقتال في صفوف مجموعته على الجبهة الأوكرانية.
"طبّاخ بوتين"
على الرغم من أن بريغوجين قد اكتسب شهرة دولية من خلال ارتباطه بـ"فاغنر"، فإنه بقي في نظر الكثيرين "الطاهي" الذي فتحت له وجباته ذي الجودة العالية أبواب الكرملين، لهذا أطلقت عليه وسائل الإعلام لقب "طباخ بوتين" بسبب خلفيته في تقديم الطعام وعلاقاته الوثيقة بالرئيس الروسي.
بدت هذه التسمية مناسبة، مع الأخذ في الاعتبار صعود بريغوجين من طاهٍ إلى شخصية ذات تأثير كبير في مجموعة من العمليات العسكرية السرية التي تخدم مصالح روسيا، من توفير الأمن للمصالح الروسية إلى المشاركة في القتال نيابة عن الحكومة الروسية.
وانصبت جميع محاولات بوتين السابقة لتبرئة الدولة الروسية من تحركات المجموعة العسكرية، معتبراً أنها مجرد شركة تحركها "مصالحها المرتبطة باستخراج موارد الطاقة ومختلف الموارد، مثل الذهب والأحجار الكريمة".
وتجدر الإشارة إلى الولايات المتحدة غذت شهرة يفجيني بريغوجين في عام 2016 بعد أن فرضت عليه وعلى الشركات التابعة له عقوبات بسبب تورطهم في التدخل في الانتخابات التي أوصلت ترمب إلى سدة الحكم. كما فرض الاتحاد الأوروبي عليه عقوبات بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها مرتزقة فاغنر بأوكرانيا.
مواجهة مع قادة الجيش
خلال الأشهر الماضية، طفت على السطح الكثير من مسائل الخلاف بين زعيم فاغنر بريغوجين وجنرالات روس، على رأسهم وزير الدفاع سيرجي شويغو ورئيس الأركان فاليري غيراسيموف.
ووصلت هذه الخلافات ذروتها عندما أعلن بريغوجين، نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي، دخول قواته مدينة روستوف قبل التوجه إلى مدينتي فورونيج وليبيتسك، ما اعتبره جهاز الأمن الفيدرالي الروسي "تمرداً مسلحاً"، لكنه أعلن مساء ذات اليوم سحب مقاتليه إلى معسكراتهم "تجنباً لسفك الدماء الروسية" بناء على وساطة الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.
النهاية
وتعليقاً على الصراع بين قائد فاغنر والجيش الروسي، كان أنطون جيراشينكو، مستشار وزير الشؤون الداخلية الأوكراني، كتب على تويتر: "صراع بريغوجين مع وزارة الدفاع الروسية أدى إلى تزايد شعبيته التي تجاوزت الآن شعبية بوتين". وأضاف: "أعتقد أنه بهذا المعدل، قد تقع بعض الحوادث لبريغوجين".
وفي سياق متصل، قال فلاد ميخنينكو، الخبير في التحول ما بعد الشيوعية لأوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي السابق في جامعة أكسفورد البريطانية، خلال حديثه لمجلة نيوزويك منتصف شهر يونيو الماضي إنه يعتقد أن بريغوجين "أجهد نفسه أكثر من اللازم" وأن "حياته الجسدية ستنتهي فجأةً وبصورة لا إرادية عما قريب. أراهن أنه سيُعثر على بريغوجين ميتاً في واقعة انتحار مدبرة، بينما يحمل في يده مسدساً مع رسالة انتحار سخيفة".
وأشار ميخنينكو إلى أن موسكو تستطيع أيضاً أن تزوّد أوكرانيا بالموقع الجغرافي المحدد لبريغوجين، الذي يقع على بعد 70 كيلومتراً من صواريخ هيمارس، حتى تقضي عليه، ما سيوفر دفعة دعاية تجنيدية بطولية جديدة لمجموعة فاغنر.