أعادت الزلازل التي شهدتها تركيا وسوريا بداية فبراير/شباط الجاري طرح مسألة التعامل مع هذه الظاهرة الطبيعية والتعايش معها، وضرورة اكتساب الفرد، مهما كان عمره ومركزه الاجتماعي، المهارات الأساسية للخروج بأقل الأضرار عند وقوع الهزات الأرضية والزلازل.
توجد ضرورة للعمل وفق الإرشادات المتعلقة بإجراءات وقائية قد تحد من وطأة هذه الكارثة، بجانب سلوكيات أخرى يجب اتباعها عند وقوع الزلزال وبعده.
وتدعو المنظمات غير الحكومية النشطة في مجال الإنقاذ والتصدي للكوارث الطبيعية منذ سنوات، إلى ضرورة زرع ثقافة التعامل مع الزلازل والوقاية منها في مختلف المجتمعات، وبالخصوص في البلدان المصنفة ضمن المناطق الزلزالية كمنطقة البحر الأبيض المتوسط والأناضول، والتي تشمل عدة دول مثل تركيا واليونان والجزائر وإيطاليا ودول شرق البحر الأبيض المتوسط على سبيل المثال لا الحصر.
إجراءات وقائية
يقول خبراء البناء والعمارة وأفراد الحماية المدنية ومنظمات الإنقاذ والإغاثة إن الكوارث التي تحدث بسبب الزلازل يمكن تقليل ضخامتها وتفاديها حال التزام الجميع إجراءات وقائية.
أولاً: ما قبل الكارثة
يربط المهندسون المعماريون تساقط أبنية عن آخرها وصمود أخرى خلال حدوث الزلازل بمدى التزام المعايير المطلوبة للبناء في المناطق الزلزالية، والتي في الغالب تكون موجودة نظرياً وتشريعياً، لكن تجري مخالفتها أحياناً ميدانياً.
ويوضح المهندس المعماري محمد بوغناية لـ"TRT عربي" أن احترام مقاييس البناء والتعمير يكون من جوانب متعددة، فمن ناحية الشكل يجب التزام الأشكال المضادة للزلازل، فإذا كان البناء على شكل "L" مثلا يجب أن يكون الجزء العمودي من شكل الحرف وجزؤه الأفقي منفصلين لتقليل الضرر عند حدوث الزلزال.
وأضاف المهندس بوغناية أنه من الواجب أن يكون هيكل البناء من أعمدة وحوائط ذات مرونة تستطيع مقاومة حركة الأرض خلال الزلزال، مع احترام نوعية المواد المستعملة في الخرسانة من أسمنت وحديد ورمل وفق ما يحدده المهندس المدني، وكذلك احترام المسافات المحددة بين عناصر هيكل البناء تبعاً لما يحدده الفريق التقني، مؤكداً، في هذا الإطار، أن الكوارث الطبيعية التي تحدث اليوم تستوجب أن تكون جميع البنايات ممتصة لمختلف الصدمات الخارجية.
إضافة إلى ذلك، ينصح المهندسون المعماريون بضرورة إصلاح أي تشقق أو تصدع في المنزل أو مكان العمل، حتى إن كان لا يؤثر في حياة مستخدميه في الأيام العادية، لأن هذا التصدع يتحول إلى أكبر خطر عند حدوث الهزات الأرضية حتى المتوسطة.
وقال أحمد الإبراهيمي رئيس جمعية البركة الجزائرية التي شاركت في عدة عمليات إغاثة داخل الجزائر وخارجها، وآخرها تقديم يد المساعدة هذه الأيام بشمال سوريا، إن تجربة منظمته غير الحكومية أثبتت أن السبب الأول لتضرر المباني عند حدوث الزلازل هو عدم مطابقتها للمعايير المطلوبة، داعياً في هذا الإطار إلى ضرورة بناء منازل مقاومة للزلازل مثلما يحدث في اليابان التي تظل أفضل نموذج للتعامل مع هذه الكارثة الطبيعية.
وأضاف الإبراهيمي في تصريح لـ"TRT عربي" أن الأمر لا يتعلق فقط بصلابة البناء وتشييده وفق المقاييس التقنية المطلوبة، بل لأثاث المنزل علاقة بالوقاية من الزلازل، إذ يجب أن تتوفر الأسِرة والطاولات والخزانة على سبيل المثال على فراغات تسمح بالاختباء تحتها عند حدوث الزلازل.
وبدوره، أوضح الضابط في الحماية المدنية الجزائرية يوسف عبدات الذي شارك في عمليات الإنقاذ بحلب السورية منذ أيام لـ"TRT عربي" أن سبب الوفاة في بعض الزلازل هو سقوط أثاث المنزل على قاطني المنزل، لذلك يجب تثبيت مختلف أثاث البيت من ثلاجة وخزانة ومدفأة وغيرها، إضافة إلى التثبيت الجيد للأسقف المستعارة التي قد تسقط دون أن تسقط الأسقف الأساسية، وهو ما يجعلها تشكل خطراً على حياة الإنسان.
ويدعو عبدات أيضاً إلى وضع بعض المواد الخطيرة كتلك القابلة للاشتعال أو السوائل الحمضية الخطيرة في أماكن غير قابلة للسقوط وتثبيتها، لأن الوفاة تكون أحياناً جراء الخطورة التي تشكلها هذه المواد وليس بسبب قوة الزلزال أو سقوط البناء.
ويقترح المهندس في الإعلام الآلي عبد الحق بحري في حديثه مع "TRT عربي" ضرورة وجود أرقام الحماية المدنية والشرطة في أجندة الهاتف الخاصة بكل شخص، إضافة إلى روابط التطبيقات التابعة لهذه الجهات، وبالخصوص في الدول التي أنشأت تطبيقات تتعلق بطلب النجدة عند وقوع الزلازل، وهي التجربة التي فعّلتها مؤسسة "أفاد" التركية، وتتعلق بتطبيقات تحدد مكان الفرد في حال كان تحت الركام وغيرها من الإجراءات التي تسهل عملية الوصول إليه لإنقاذه.
وينصح المهتمون بالإسعاف والإغاثة السكان القاطنين في مناطق زلزالية بالإعداد المسبق لما يعرف بـ"حقيبة الحياة" أو "حقيبة الطوارئ"، والتي تحوي ماء وطعاماً بحجم صغير لكنه مرتفع السعرات الحرارية ومقاوم للظروف الطبيعية وغير سريع التلف كالمعلبات، إضافة إلى مبلغ من المال وبعض الأدوية والوثائق المهمة ومستلزمات الإسعافات الأولية وبطاريات وجهاز راديو وفانوس وقداحة وصفارة للإخبار عن الموقع في حال انهيار المبنى، فضلاً عن بعض الملابس وخيمة وبطانيات إن توفرت.
لحظة الزلزال
يشكل التعامل مع الثواني التي يقع فيها الزلزال جانباً مهماً في نجاة الإنسان من هذه الكارثة، وتسهيل عثور فرق الإنقاذ عليه.
وينصح الملازم أول بالحماية المدنية الجزائرية يوسف عبدات في حديثه مع "TRT عربي" بتفادي النزول من السلالم والسير في رواق البيت والجري خلال حدوث الزلزال، إضافة إلى تجنب الهلع والفزع، بالنظر إلى أن التزاحم عند مداخل المنازل والعمارات والتدافع بسلالم المباني يكون سبباً في سقوط ضحايا خلال حدوث الهزات الأرضية ولو لم تكن شدة الزلزال قوية.
أما رئيس جمعية البركة أحمد الإبراهيمي فينصح بالاختباء في الأماكن الفارغة في لحظة الزلازل، تحت الطاولات على سبيل المثال والأسِرة أو بجانب أعمدة البيت كونها أشد مقاومة للزلازل مقارنة بباقي مكونات الجدران أو الأسقف، إضافة إلى تفادي الحركة، بالنظر إلى أن الزلزال قد يتسبب في حالات إغماء والتي قد تجعل الفرد يسقط في أماكن أقل أماناً حين حدوث هذه الكارثة.
وينصح بتهدئة الأطفال خلال الزلزال وتقليل هلعهم، لتفادي حدوث أزمات نفسية وصدمات فيما بعد، إضافة إلى الابتعاد عن المباني والبقاء في الأماكن الخالية، إن كان الإنسان خارج البيت، مع تجنب الاقتراب من الأنفاق والشوارع الضيقة إذا كان الإنسان يقود مركبته.
بعد الزلزال
يوضح رئيس مكتب الهلال الأحمر الجزائري بالعاصمة الجزائر نبيل دعاس الذي شارك في عمليات إنقاذ في زلزال بومرداس بالجزائر عام 2003 وفي حلب بسوريا مؤخراً لـ"TRT عربي" أن كيفية التعامل مع فترة بعد الزلازل ضرورية لتفادي سقوط مزيد من الضحايا، إذ يُمنع منعاً باتاً دخول البنايات بعد الزلزال، بالنظر إلى وقوع هزات ارتدادية بعد الهزة الرئيسية.
وأردف دعاس قائلاً إن البنايات تصبح هشة ولا يُعلم مستوى صلابتها وأمانها بعد الزلزال، لذلك يُمنع دخولها ولو كان الأمر متعلقاً بإنقاذ أشخاص آخرين أو جلب أشياء ضرورية، لأن الجهات التقنية المختصة وفرق الدفاع المدني والإنقاذ وحدها التي تملك المهارة في التعامل مع البنايات بعد حدوث الزلزال.
وينصح أيضاً بالتأكد من توصيلات الغاز والكهرباء بعد الرجوع إلى المنزل لتفادي حدوث حرائق ناجمة عن تسرب الغاز أو شرارات كهربائية.
وأضاف دعاس أنه يجب ارتداء الأقنعة والقفازات عند الذهاب إلى ردوم الزلزال، وبالخصوص إذا كانت مدة وقوعه تعد بالأيام، بالنظر إلى انتشار الأمراض وانتشار روائح لا تقاوم بسبب إمكانية تعفن الجثث التي لا يمكن الوصول إليها.
ويعتبر رئيس جمعية البركة أحمد الإبراهيمي أن الدراية بالإسعافات الأولية سمة ضرورية لتسهيل التكفل بالمصابين عند حدوث الزلزال، لكن يجب الاتصال مباشرة بالفرق الطبية والإغاثية، مضيفاً أن الخيم تبقى هي أحسن مكان للتكفل بالمتضررين من الزلازل بعد حدوثه لتفادي سقوط الأبنية الهشة بسبب الهزات الارتدادية.
واعتبر الإبراهيمي أن الدعم النفسي ضروري بعد حدوث الزلازل، بتغليب الخطاب الإيجابي، والابتعاد، وفقاً له، عن خطاب أن هذا المصاب عقاب من الله، لأنه سيزيد سوء نفسية المتضررين وهلعهم، ولا يسهم في تقليل خوفهم، على حد قوله.
وبالنظر إلى النصائح المقدمة ممن عايشوا الزلازل ومختلف الكوارث الطبيعية، يتضح أنه صار اليوم من الواجب أن تكون للجميع ثقافة التعامل مع هذه المخاطر التي أصبحت أمراً حتمياً في حاضرنا ومستقبلنا، حسب ما يجري ترديده في مختلف قمم المناخ الدولية.