باريس ترضخ للأمر الواقع.. ما تداعيات انسحاب فرنسا من النيجر؟ / صورة: AFP (Alain Jocard/AFP)
تابعنا

في أحدث تطور وسط توترات شديدة بين البلدين منذ سيطرة المجلس العسكري على النيجر في يوليو/تموز الماضي، أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأحد، عودة السفير الفرنسي في النيجر "في الساعات المقبلة" إلى باريس، وأن البلاد ستنهي وجودها العسكري في النيجر بحلول نهاية عام 2023، وفق وكالة الصحافة الفرنسية.

وقال ماكرون في معرض حديثه عن القادة العسكريين الذين تولوا حكم الدولة الواقعة في شمال غرب إفريقيا: "لقد وضعنا حداً لتعاوننا العسكري مع سلطات الأمر الواقع في النيجر، لأنها لم تعد ترغب في محاربة الإرهاب".

من جانبه، رحب المجلس العسكري الحاكم في النيجر بإعلان فرنسا اعتزامها سحب قواتها من البلاد بحلول نهاية العام، معتبراً ذلك "خطوة جديدة باتجاه السيادة". وتظاهر المئات من النيجريين أمام القاعدة العسكرية الفرنسية "برخان" بالعاصمة نيامي في أول رد فعل شعبي على قرار الانسحاب الفرنسي.

فرنسا تنسحب

وكانت فرنسا قد نشرت قوات عسكرية في النيجر، وكان الكثير منها هناك للمساعدة في مهام مكافحة الإرهاب، على أساس أن النيجر كانت ديمقراطية مستقرة نسبياً في منطقة محفوفة بالاضطرابات السياسية والإرهاب وحركات التمرد الإسلامية، حسب ما ذكرت شبكة CNN.

لكن العلاقات مع فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة للبلاد وحليفتها في حربها ضد الجهادية، تدهورت بسرعة بعد وقوف باريس إلى جانب الرئيس المخلوع محمد بازوم، حليف فرنسا الذي أثار انتخابه عام 2021 الآمال في الاستقرار في الدولة المضطربة.

وبعد رفضها في البداية الامتثال لمطالب الجيش النيجري، الذي جعل من رحيل الجنود الفرنسيين رأس مال سياسياً، قالت وزارة القوات المسلحة والعديد من المصادر لصحيفة لوموند يوم 5 سبتمبر/أيلول، إن باريس كانت تحاول كسر الجمود في النيجر من خلال بدء محادثات بشأن إعادة انتشار بعض قواتها في البلاد. وحسب ما ورد لا يزال هناك حوالي 1500 جندي منتشرين في النيجر.

ومع ذلك، أطلق النظام العسكري في النيجر هجوماً لفظياً جديداً على فرنسا يوم الجمعة، متهماً إياها بـ"التدخل الصارخ" من خلال دعم رئيس البلاد المخلوع، بينما نظم المتظاهرون مسيرات في العاصمة نيامي تطالب السفير والقوات الفرنسية بالرحيل.

وجاء قرار حظر الطيران الذي فرضه النظام العسكري الحاكم في النيجر، والذي مُنعت بموجبه الطائرات الفرنسية من عبور المجال الجوي للبلاد، ليزيد الضغط على الحكومة الفرنسية، مما اضطر ماكرون إلى الخروج وإعلان انسحاب قواته ومغادرة سفيره للنيجر.

خسارة النفوذ

بعد الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو، أجبر الانقلاب الأخير في النيجر فرنسا على دراسة النفوذ المتبقي لها في المنطقة، حيث ترفض مستعمراتها السابقة إرثها.

وفي منطقة الساحل، يبدو أن المشاهد نفسها تتكرر من بلد إلى آخر، إذ يردد آلاف المدنيين شعارات تحت نوافذ السفارات الفرنسية أو على أبواب القواعد العسكرية الفرنسية، منتقدين "الاستعمار الجديد" الفرنسي ويطالبون برحيل القوات الفرنسية المتمركزة على أراضيها، وفقاً لما نقلته لوموند.

وتساءلت الصحيفة الفرنسية، في البداية كانت باماكو وواغادوغو، ومن ثم نيامي، فهل تكون نجامينا أو داكار هي التالية؟ ومن المغري عقد أوجه التشابه بين مواقف هذه البلدان. السمة المشتركة بينهم أنهم موجودون فيما كان يُعرف باسم "الملعب الخاص" لفرنسا في إفريقيا، والذي تحدده مستعمراتها السابقة، إذ لم يعد المستعمر السابق موضع ترحيب.

وتحت وطأة الماضي الاستعماري الذي كافحت فرنسا للاعتراف به، والذي تباطأ بسبب السنوات التي أعقبت استقلال إفريقيا في أوائل ستينيات القرن الماضي، وأثرت عليه فترة "Françafrique"، وهي فترة من التواطؤ والتدخل في الأنظمة غير الشرعية، أصبح السياسيون والدبلوماسيون والعسكريون الفرنسيون في وضع حرج.

وحسب لوموند، أسفرت خطة باريس لإعادة بناء العلاقات مع القارة الإفريقية، والتي استمرت لعقود من الزمن، عن نتائج مختلطة حتى الآن. فيما باتت باريس ممزقة بين ذكرى قوة ماضية وافتقارها إلى فهم المجتمعات الإفريقية المتغيرة التي شكلتها قوى سياسية ودينية جديدة، والتي تعتبر فرنسا كبش فداء مناسباً لها.

تداعيات الانسحاب الفرنسي

إلى جانب خسارتها معظم نفوذها غربي إفريقيا وانهيار تحالف الدفاع المشترك الذي أسسته في 2014 مع دول مجموعة الساحل الخمسة، بما فيهم مالي والنيجر وبوركينا فاسو، خسرت فرنسا بعد انسحابها من النيجر أيضاً مصادر الطاقة والموارد الطبيعية، فضلاً عن قواعدها العسكرية في موقع استراتيجي غربي القارة السمراء.

وبينما تحصل فرنسا على نحو 35% من طاقتها الكهربائية عن طريق اليورانيوم المخصب الذي تجلبه من النيجر، فإنها تلبي جزءاً كبيراً من احتياجاتها للغاز الطبيعي من الغاز النيجري الذي يأتي إليها عبر نيجيريا والجزائر مروراً أسفل البحر الأبيض المتوسط. وتأتي خسارة مصادرة الطاقة الحيوية هذه في وقت تشهد فيه أسعار الطاقة ارتفاعاً تدريجياً مع دخول الشتاء وقلة حجم المعروض.

وعلى الصعيد الاستراتيجي، خسرت باريس موضع قدم مهماً في دول الساحل غرب إفريقيا، بانسحابها من النيجر، إذ أنهت القوات الفرنسية وجودها في 5 قواعد عسكرية في البلاد.

TRT عربي
الأكثر تداولاً