بعد أن عبّرت مؤخراً كلٌّ مِن إيران والإمارات عن نيّتهما فتح "صفحة جديدة" في العلاقات بينهما وتعزيز أسس التعاون والشراكة، وبالتالي خفض حدّة التوتر الذي وسَم العلاقة بين البلدين طيلة سنوات، تطفو بعض الإشكاليات المُعقّدة على السطح، التي لم يتمكّن الجانبان، بعد مرور نحو 50 عاماً، من إيجاد حلٍّ جذري لها، واستعصى حلّها أيضاً، أثناء التفاوض والحوار، على مختلف الأطراف الأممية والدولية.
ويُعتبر ملف استحواذ إيران على الجزر الثلاث التي تقول الإمارات إنها جزء من أراضيها، مِن أعقد هذه الملفات، التي قد تكون حجرة عثرة في طريق أيّ تقدّم على مستوى العلاقات التي تربط البلدين.
كيف سيطرت إيران على الجزر؟
على إثر إعلان بريطانيا بدء الانسحاب من منطقة الخليج عام 1968، حاولت إيران اغتنام الفرصة لتوسيع نفوذها في المنطقة في ظلّ غياب قوة أمنية رادعة أو حقيقية تكافئها، حسب خبراء ومحللين.
ولم تمضِ فترة قصيرة على ذلك، حتى أعلنت البحرية الإيرانية يوم 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1972 سيطرتها على جزيرة "طنب الكبرى" و"طنب الصغرى" و"أبو موسى" الواقعة في مضيق هرمز، بعد أيام من خروج القوات البريطانية منها وقبل يومين فقط من إعلان الإمارات استقلالها.
وبذلك تُوّجت محاولات إيران المستمرة في بداية القرن المنصرم ومنتصفه بالسيطرة على هذه الجزر بالنجاح.
وتشير المصادر التاريخية، إلى أنّ إعلان السيطرة جاء عقب مراسم مذكّرة التفاهم الموقّعة بحضور ممثل عن بريطانيا ونائب حاكم الشارقة آنذاك الشيخ صقر بن محمد بن صقر القاسمي.
وتنصّ الاتفاقية على "تقاسم السيادة على جزيرة أبو موسى، بأن يكون الجزء الشمالي لإيران والجزء الجنوبي للشارقة، واقتسام عوائد نفطها". وقد نشرت طهران منذ ذلك الحين، قواتها العسكرية في نصف جزيرة "أبو موسى"، استناداً لما جاء بالمذكرة، وبسطت سيطرتها في المقابل على كامل جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، بعد أن اقتحمتها بقواتها العسكرية وتسببت في مقتل عشرات المدنيين وتهجير نحو 200 عائلة.
وبين مؤيّد لِما جاء بالاتفاقية ومعارض لما اعتُبر رضوخاً للتهديد الإيراني وتفريطاً في الأرض، تباينت المواقف وانقسم الرأي العام بشدة.
أمّا فيما يتعلّق بتقاسم السيادة في جزيرة "أبو موسى"، فقد استمرّ إلى حدود عام 1992، ثم نصبت بعد ذلك القوات الإيرانية الصواريخ المضادة للسفن وتوسيع وجودها العسكري، ومنعت الدخول إليها إلا بتصريح أو تأشيرة إيرانية.
ومنذ إعلان قيام دولة الإمارات يوم 2 ديسمبر/كانون الأول 1972، اعتُبرت قضية الجزر الثلاث قضية وطنية، وعبّرت الإمارات في كلّ فرصة أُتيحت لها عن إصرارها الدائم على استرداد ما اعتبرته حقاً لها، وتسعى في ذلك إلى تسوية الخلاف مع إيران.
وفي المقابل كانت إيران توسّع وجودها واستغلالها الاستراتيجي للجزر الثلاث وتطوّر نفوذها هناك، غير مستجيبة للتهديدات الإماراتية ولجهود الوساطة الدولية.
فأسست مطاراً في جزيرة "أبو موسى"، وافتتحت بلدية إيرانية في الجزيرة. ومع حلول عام 2012 أعلنت قيام محافظة جديدة أُطلق عليها "خليج فارس" وجعلت جزيرة "أبو موسى" عاصمتها. ونفّذت العديد من المناورات العسكرية البحرية والجوية في مياه هذه الجزر.
الأهمية الاستراتيجية للجزر الثلاث
يرى خبراء ومحللون أنّ نزاع البلدين على الجزر الثلاث يكمن أساساً في أهميتها الاستراتيجية، حيث أنّها بالرغم مِن صغر حجمها إلا أنها توجد بالممرات الآمنة للملاحة البحرية. كما أنها تُشرف على مضيق هرمز الذي يُعتبر شريان الإنتاج العالمي من النفط، وتربط بين خليج عمان والخليج العربي الذي يُعدّ المعبر الرئيسي إلى المحيط الهندي.
وبفضل عمق مياهها، يعدّها الخبراء العسكريون أهم ملاجئ الغواصات، وأنسب مكان لإقامة المنشآت العسكرية وتنفيذ المهمّات العسكرية من قبيل المناورة والمراقبة.
وإضافة إلى أهميّتها الجغرافية، فإنّ الجزر الثلاث، كما أكدت العديد من المصادر، ثريّة بالبترول، وأكسيد الحديد الأحمر، وكبريتات الحديد، والكبريت. إلى جانب اكتشاف وجود النفط في مياه جزيرة "أبو موسى" عام 1972.
وتُعدّ هذه الأسباب كافية، لتبقى هذه الجزر موطن خلاف دائم بين البلدين اللذين يملكان طموحات جيوستراتيجية في المنطقة. كما أنّ تخوّف بُلدان الخليج العربي من تمدد النفوذ الإيراني في المنطقة بسبب سيطرة طهران على الجزر الثلاث، يُعدّ أحد المحرّكات الرئيسية للموقف الإماراتي.
ومن جانبها، وتعبيراً عن تمسّكها بموقفها، أعلنت البعثة الإيرانية الدائمة لدى الأمم المتحدة في وقت سابق، تعليقاً على التصريحات الإماراتية فيما يتعلّق بهذا الملف، أنّ "الجزر الثلاث هي مساحات لا تنفصل عن الأراضي الإيرانية وأيّ مطالبة بها مرفوضة بشدة".
وأكد الموقف ذاته اللواء محمد علي جعفري، قائد الحرس الثوري الإيراني في تصريح إعلامي سابق قائلاً: "إنّ جزيرة أبو موسى قلب إيران النابض في المياه الخليجية وسندافع عنها ونواصل تعزيز قواتنا العسكرية فيها".
وتقع جزيرة "أبو موسى" على بعد نحو 43 كلم من شاطئ الإمارات، و67 كلم عن الشاطئ الإيراني وسط.