منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة، توالت المظاهرات التضامنية مع الشعب الفلسطيني في عدد من الولايات الأمريكية. بالمقابل، استمرت إدارة الرئيس جو بايدن في التعبير عن انحيازها المطلق لإسرائيل، سواء بدعمها عسكرياً بمساعدات وأسلحة وخبراء، أو سياسياً بتعطيل أي قرار أممي لوقف إطلاق النار.
هذه السياسة الأمريكية التي أصبحت تثير حفيظة الكثيرين داخل إدارة بايدن، والذين أصبحوا يطالبون بأن تنأى ديبلوماسية البلاد بنفسها عن المذابح التي ترتكبها إسرائيل في غزة، وتعبر عن مخاوف بشأن مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط إن استمرت في تورطها في تلك الجرائم ضد الإنسانية.
ديبلوماسيون أمريكيون ضد إسرائيل!
في تقرير لها، كشفت مجلة بوليتيكو الأمريكية، بأن موظفي وزارة الخارجية الأمريكية وجّهوا "انتقادات لاذعة" لتعامل إدارة بايدن مع الحرب التي تشنها إسرائيل في غزّة. وطالب الموظفون، في مذكرة احتجاجية، بأنه على إدارة بايدن أن تتمكن من انتقاد إسرائيل علانية.
وبحسب المذكرة الاحتجاجية، يطالب الموظفون بأن تدعم الولايات المتحدة وقف إطلاق النار، وأن توازن بين رسائلها الخاصة والعامة تجاه إسرائيل، بما في ذلك توجيه انتقادات للتكتيكات العسكرية الإسرائيلية ومعاملة الفلسطينيين، والتي تفضل الولايات المتحدة عمومًا الاحتفاظ بها سرًا.
وانتقد الديبلوماسيون الأمريكيون انحياز بلادهم لإسرائيل، ذلك لكونه "يساهم في تكوين تصورات عامة إقليمية بأن الولايات المتحدة جهة متحيزة وغير نزيهة، وفي أفضل الأحوال لا تعمل على تعزيز المصالح الأمريكية في جميع أنحاء العالم، وفي أسوأ الأحوال تضر بها".
وحثت المذكرة على أنه "علينا (كخارجية أمريكية) أن ننتقد علنًا انتهاكات إسرائيل للمعايير الدولية، مثل الفشل في قصر العمليات الهجومية على الأهداف العسكرية المشروعة (...) فعندما تدعم إسرائيل عنف المستوطنين والاستيلاء غير القانوني على الأراضي أو الاستخدام المفرط للقوة ضد الفلسطينيين، يجب علينا أن نقول علنًا أن هذا يتعارض مع قيمنا الأمريكية حتى لا تتصرف إسرائيل دون عقاب".
ورفضت وزارة الخارجية الأمريكية التعليق عن مضمون المذكرة الاحتجاجية، بالمقابل قال المتحدث باسم الوزارة ماثيو ميلر، بأن وزير الخارجية أنتوني بلينكن يرحب بمثل هذه الحجج ويزنها بعناية.
ليست المرّة الأولى
فيما ليست هي المرة الأولى التي تتصاعد فيها انتقادات من وزارة الخارجية الأمريكية ضد موقف إدارة بايدن بشأن الحرب في غزة. ففي 19 أكتوبر/ تشرين الأول المنصرم، كتب موقع هافينغتون بوست، بأن هناك عصيان متصاعد داخل الخارجة الأمريكية حول السياسات المتعلقة بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ونقل الموقع على لسان أحد المسؤولين في الوزارة، قوله: "هناك تمرد يختمر داخل وزارة الخارجية على جميع المستويات".
وأوضح الموقع بأن موظفي وزارة الخارجية مجبرون على إدارة الغضب العالمي إزاء الانطباع بأن الولايات المتحدة توفر الغطاء للقوة المفرطة التي تستخدمها إسرائيل. وأوضح المسؤول الديبلوماسي الأمريكي: "إن مسؤولي وزارة الخارجية تلقوا تحذيرات من نظراءهم في الحكومات العربية، والذين أبلغوهم بأن الولايات المتحدة معرضة لخطر فقدان الدعم في المنطقة لجيل كامل".
وفي وقت سابق، أعلن مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية استقالته، احتجاجاً على إرسال بلاده أسلحة لإسرائيل. وكتب جوش بول، الذي كان يعمل مديراً لمكتب الشؤون السياسية في وزارة الخارجية الأمريكية، "عملت لعقد من الزمان في مكتب الشؤون السياسية المختص بعمليات نقل السلاح والمساعدات الأمنية للحكومات الأجنبية (...) ما لم أره حتى هذا الشهر، هو نقل معقد للسلاح وفيه تحد أخلاقي، بدون نقاش سياسي".
هل تغير الأصوات الجديدة بإدارة بايدن مشهد حرب غزة؟
بحسب ما ذكرت هافينغتون بوست، نقلاً عن المسؤول الديبلوماسي الأمريكي، فإن "هناك شعور داخل الموظفين بأن الوزير لا يرى ذلك أو لا يهتم (...) هذا الشعور يمتد إلى شخصيات رفيعة المستوى في الوزارة. إذ من شبه المؤكد أنه ليس على علم بمدى سوء ما يشعر به الموظفون، إنهم مكتئبون وغاضبون بسبب كل ذلك".
ولحد الآن، يستمر بلينكن في تجاهل هذه الانتقادات الموجهة من داخل الوزارة التي يرأسها. ويكتفي الناطق الرسمي بالاسم الخارجية الأمريكية بالتأكيد على أن " مثل هذه المذكرات الداخلية هي قناة للتعبير عن المعارضة متاحة للموظفين منذ حرب فيتنام، ونحن فخورون بأن الوزارة لديها إجراء راسخ للموظفين للتعبير عن خلافات السياسة مباشرة لعناية كبار مديري الوزارة دون خوف من الانتقام".
بالمقابل، نضع هذه الأصوات إدارة بايدن في حرج من الاستمرار في دعمها لإسرائيل. وهو ما أشارت له سيلفيا يعقوب، الموظفة في مكتب شؤون الشرق الأدنى بوزارة الخارجية، في تغريدة لها، مشيرة إلى أن استمرار دعم بايدن للدولة العبرية سيضر بجهود إعادة انتخابه في عام 2024.
ومع استمرار قتل المدنيين في غزة جراء القصف الإسرائيلي، يواجه الرئيس بايدن ضغوطاً إضافية، إذ "حتى أعضاء الكونغرس المؤيدين لإسرائيل ويدعمون إرسال المساعدات العسكرية إليها، أشاروا إلى ضرورة إظهارها لمزيد من ضبط النفس خلال عملياتها ضد حماس في غزة"، وفق ما قالت وول ستريت جورنال.
وتسعى إدارة بايدن للضغط على إسرائيل لقبول وقف مؤقت لإطلاق النار. وعلى هامش زيارته لتل أبيب، يوم الجمعة، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن: "نحن في حاجة إلى بذل مزيد من الجهد لحماية المدنيين الفلسطينيين".
غير أن هذه الجهود تصطدم بالرفض الإسرائيلي الذي يصر على عدم السماح بدخول الوقود إلى القطاع وعدم الموافقة على وقف مؤقت للقتال لا يشمل إطلاق سراح جميع الرهائن المحتجزين لدى المقاومة.