في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وبينما كانت حرب الإبادة الجماعية على غزة تدخل شهرها الثاني، صرّح الوزير الإسرائيلي اليميني المتطرف أميخاي إلياهو، قائلاً: إن القنبلة النوويّة يمكن أن تكون "أحد الخيارات" لاستهداف مقاتلي حماس.
وأثارت هذه التصريحات إدانات عديدة حول العالم، وامتعاضاً في أوساط السلطات الإسرائيلية، لأنها تكشف سر امتلاك السلاح النووي الذي لطالما ظلت الدولة العبرية غامضة بشأنه. بينما يعود تطوير البرنامج النووي الإسرائيلي إلى خمسينيات القرن الماضي، ومذّاك أصبحت إسرائيل قوة نووية.
وكانت فرنسا أول وأكبر من ساعد إسرائيل في هذا البرنامج، إذ مدّتهم بالتكنولوجيا والخبرات اللازمة، من أجل بناء مفاعل ديمونة النووي، كما تصنيع القنابل الهدروجينية والذرية.
كيف ساعدت فرنسا إسرائيل لتصبح قوة نووية؟
تعود الطموحات النووية لإسرائيل إلى مرحلة تأسيس الدولة، وفي عام 1949، أطلق رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون، البرنامج النووي لإسرائيل. وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، فإن بن غوريون كان يرى في امتلاك السلاح الأكثر فتكاً "حلاً لمشكلة إسرائيل الأمنية".
غير أن هذا الطموح لقي معارضة كبيرة من الولايات المتحدة، التي كانت ترفض انتشار السلاح النووي في الشرق الأوسط. وهو ما دفع قادة إلى طرق باب فرنسا، وخصوصاً بعد تقاطع مصالح البلدين في قناة السويس، التي دفعتهما إلى قيادة حرب مشتركة ضد مصر في عام 1956.
وقبلها بسنتين، أي في عام 1954، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي ديفيد بن غوريون باريس، وقد وقع مع نظيره الفرنسي مذكرة تفاهم حول التعاون العسكري، بما في ذلك تزيد إسرائيل بالتكنولوجيا النووية.
وفي حديثه لـTRT عربي، يؤكد المؤرخ والصحفي الفرنسي دومينيك فيدال، هذه الأحداث، قائلاً إن. "الفترة من 1948 إلى 1958، كانت فرنسا الحليف الرئيسي لإسرائيل، فقد قادت فرنسا حرباً جنباً إلى جنب مع إسرائيل والمملكة المتحدة في عام 1956. في هذه المناسبة، خلال التحضير لهذه الحرب، التزمت فرنسا بتزويد إسرائيل بوسائل للحصول على السلاح النووي، مدتهم بالقنبلة الذرية، ثم القنبلة الهيدروجينية".
وحسب تقرير سابق لصحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، فإن موافقة باريس على التعاون مع تل أبيب في المجال النووي، تأتي لكون فرنسا "تتمتع بالسبق في مجال البحوث النووية"، كما لأنها كانت "تريد إزالة عار التعاون من النازية بالتملق إلى اليهود".
وفي عام 1957، توصلت باريس وتل أبيب إلى اتفاقيات دبلوماسية وفنية، أطلقت فعلياً البرنامج النووي السري الإسرائيلي. إذ أشرف شمعون بيريز على هذا البرنامج، وجرى تمويله من أموال سرية مأخوذة من ميزانية وزارة الدفاع الإسرائيلية.
وفي الجانب الفرنسي، كان أبيل توماس، مدير مكتب وزير الجيوش الفرنسي وقتها، هو سمسار هذه الاتفاقات النووية بين بلاده وإسرائيل، وهو الذي سلّم البرنامج النووي الفرنسي إلى الجانب الإسرائيلي.
ويبرر توماس ما قام به قائلاً: "كان ذاك أعظم عمل في حياتي. فمنذ إنشائها، كان مصير إسرائيل مسألة حيوية بالنسبة لي. لقد كانت إسرائيل في خطر مميت، ولم يكن بوسع فرنسا أن تترك اليهود لمصيرهم مرة أخرى".
ووفقاً لهذه الاتفاقيات، زودت فرنسا إسرائيل بالتكنولوجيا النووية، وكذا الفنيين الذين درّبوا الإسرائيليين على إطلاق البرنامج. هذا بالإضافة إلى اليورانيوم المخصب، ومفاعل نووي بقدرة 24 ميجاوات الذي مثّل النواة التأسيسية لمفاعل ديمونة في عام 1958.
ما قدرات إسرائيل النووية؟
إلى اليوم، تلتزم إسرائيل سياسة غموض بشأن قدراتها النووية العسكرية، إذ دأبت على نفي امتلاكها تلك القدرات. وكشف الفني الساخط مردخاي فعنونو عام 1986 هذا السر، عندما تحدث عن حقيقة مفاعل ديمونة لصحيفة صاندي تايمز، إلا أن الموقف الإسرائيلي الرسمي لم يؤكد أو ينفي وجوده أبداً.
ومثلت تصريحات الوزير أميخاي إلياهو، تأكيداً على توافر إسرائيل على ترسانة نووية. وعلق الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن تلك التصريحات، قائلاً: "إن إسرائيل تملك حالياً سلاحاً نووياً، ولكن لا تقرّ بذلك، لأنها تستغل الكذب جيداً".
بينما قالت وزارة الخارجية الروسية إنّ تصريحات الوزير الإسرائيلي تثير عدداً من التساؤلات، أبرزها: "هل تمتلك إسرائيل أسلحة نووية؟" و"لو أن الأمر كذلك، فأين الوكالة الدولية للطاقة الذرية والمفتشون النوويون الدوليون؟".
وتعرف سياسة الغموض الإسرائيلية بشأن السلاح النووي باسم "خيار شمشون". ويشير هذا المصطلح المقتبس من اسم الشخصية التوراتية شمشون، إلى أن إسرائيل ستستخدم أسلحتها النووية ملاذاً أخيراً إذا واجهت تهديداً وجودياً. ويسمح الغموض المتعمد لإسرائيل بردع الخصوم المحتملين، من دون الاعتراف صراحة بترسانتها النووية.
وعلى الرغم من هذا، أشار التقييم السنوي للتسلح العالمي ونزع السلاح والأمن الدولي لمعهد استوكهولم الدولي لأبحاث السلام، في يونيو/حزيران الماضي، بأنه من المرجح أن إسرائيل لديها 90 رأساً حربياً مخزناً. بينما يعتقد مركز "الحد من التسلح ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل"، أن إسرائيل أنتجت ما يكفي من البلوتونيوم لصنع ما بين 100 إلى 200 رأس نووي.