في يومي 3 و4 يوليو/ تموز الجاري، سجلت دول العالم أعلى درجات حرارة في تاريخها، في حين اعتبر يونيو/حزيران الماضي "الأكثر دفئاً" على كوكب الأرض 2023. هذا ما كشف عنه تقرير لمرصد "كوبرنيكوس" لتغير المناخ بالاتحاد الأوروبي، مؤكداً أن موجة الحرارة التي يشهدها الكوكب بلغت مستويات قياسية تاريخية.
ولا تقتصر هذه الظاهرة على فصل الصيف الجاري، بل يتوقع أن تستمر مستويات الحرارة في الارتفاع، كل سنة أعلى من سابقتها. وهو ما يرجعه خبراء البيئة إلى التغيرات المناخية التي يتسبب فيها الاحتباس الحراري. بينما يحذر أخصائيو الصحة العامة وعلم الاجتماع من التبعات الخطيرة لهذا الواقع على صحة الإنسان، وتأثيراتها الكبيرة في مستقبل البشرية.
صيف ملتهب في كل بقاع العالم
وفي بيانه، أشار مرصد "كوبرنيكوس" إلى أن "درجات الحرارة في يونيو/حزيران ارتفعت بهامش كبير على الرقم القياسي السابق الذي سُجّل في 2019". هذا وبلغ متوسط درجة الحرارة العالمية في 4 يوليو/تموز الجاري نحو 17.18 درجة مئوية، متجاوزاً بذلك الرقم القياسي السابق البالغ 17.01 درجة مئوية والذي سُجّل في اليوم الذي يسبقه.
وأوضح المرصد أن درجات حرارة سطح المحيطات "كانت أيضاً الأكثر دفئاً على الإطلاق في الشهر الماضي، نتيجة لارتفاع درجة الحرارة في شمال المحيط الأطلسي، وظاهرة النينو العاصفة في المحيط الهادئ"، التي تحدث عندما ترتفع درجات حرارة سطح البحر في المنطقة الاستوائية الشرقية من المحيط بما لا يقل عن 0.5 درجة مئوية.
وفي أوروبا، من المتوقع أن تؤدي موجة الحر الحارقة التي تجتاح جنوب القارة العجوز إلى دفع درجات الحرارة لتتخطى عتبة 40 درجة مئوية خلال الأسبوع الجاري والمقبل، في سابقة تاريخية. وقد ترتفع درجات الحرارة في المناطق الداخلية من إسبانيا لتصل إلى 43 درجة مئوية، في حين قد تبلغ في أماكن مثل فوجيا في شرق إيطاليا إلى 44 درجة مئوية.
وخلال نهاية الأسبوع، سجلت مدينة ليون الواقعة جنوب شرق فرنسا درجات حرارة قصوى، تراوحت بين 37 و38 درجة مئوية، وهو ما وصفته هيئة الأرصاد بـ"موجة حر استثنائية لهذا الموسم". وفي ألمانيا أيضاً، وفقاً للبيانات الأولية الصادرة عن خدمة الأرصاد الجوية الألمانية (DWD) الأحد وصلت درجات الحرارة في بلدة تونيسفورست إلى 38 درجة مئوية.
وفي بولندا، وجه المسعفون والأطباء نداءات للسكان من أجل للبقاء في منازلهم خلال الجزء الأكثر سخونة من يوم الأحد، بعد أن أصدر معهد الأرصاد الجوية وإدارة المياه أول تحذير من الحرارة لهذا العام. وسُجلت درجات حرارة تصل إلى 32 درجة مئوية في ثماني مناطق على الأقل من البلاد.
هذا ونشرت هيئة الأرصاد الجوية الأمريكية الاثنين تحذيراً من موجة حر "عالية الخطورة" ستشمل عدداً من الولايات وسط وجنوب البلاد. وأوضح التحذير أن نحو 90 مليون أمريكي مهددون بمخاطر هذه الموجة، قائلاً: "ستكون موجة الحرارة شديدة الخطورة وقد تكون مميتة (...) بسبب كثافتها وطول مدتها، وكذلك ارتباطاً ببداية الصيف الباردة نسبياً والتي من المحتمل أنها حدت من قدرة الناس على التأقلم مع الطقس الصيفي الحار نموذجي".
وفي الصين، أدت موجة الحرارة إلى قفزة قياسية في إنتاج الطاقة الكهربائية لتلبية حاجة السكان للتكييف. وقالت شركة "تشاينا إنرجي"، في بيان يوم الثلاثاء، إنها سجلت زيادة مهولة في إنتاجها من الكهرباء بلغت 210 ملايين كيلوواط ساعة مقارنة باليوم السابق.
وفي المنطقة العربية، بالضبط في دول المغرب، التي تعيش موجة حرارة بلغت أقصى درجاتها في صحراء جنوب الجزائر إذ سُجلت 58 درجة مئوية. وفي تونس، وصلت درجة الحرارة إلى مستوى قياسي، يوم السبت، لتصل إلى 48.4 درجة في مدينة القيروان وسط البلاد. وأطلقت المديرية العامة للأرصاد الجوية المغربية نشرة إنذارية، تحذيراً من ارتفاع درجات الحرارة، من يوم الاثنين إلى الجمعة، لتتراوح بين ما بين 37و 48 درجة.
ليس الصيف الأكثر حرارة
فيما يجمع خبراء أن موجة الحر التي تضرب الكوكب حالياً، ليست حكراً على هذا الصيف، بل ستستمر لمواسم صيف قادمة تكون أكثر سخونة من الموسم الجاري. وهو ما أكده تقرير لموقع "ساينس ألرت" العلمي المتخصص، حين ننقل عن علماء بيئة تحذيرهم من أن الحرارة في عام 2024 سترتفع على الأرجح إلى مستوى جديد.
في حين، يتزامن هذا التحذير مع إعلان المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة بأن الكوكب يشهد حدوث ظاهرة "النينيو". وتعد هذه الظاهرة الطبيعية أقوى تقلب في نظام المناخ في أي مكان على وجه الأرض، وتحدث كل سنتين إلى سبع سنوات، وتشهد ظهور مياه دافئة على السطح قبالة سواحل أمريكا الجنوبية وتنتشر عبر المحيط دافعة كميات كبيرة من الحرارة إلى الغلاف الجوي ما يتسبب بموجات الحر.
ومن جانبه، أكد آدم سكيف، رئيس قسم التنبؤات بعيدة المدى في مكتب الأرصاد الجوية في المملكة المتحدة، أن: "تسجيل رقم قياسي جديد لدرجات الحرارة العالمية في العام المقبل أمر معقول بالتأكيد. ويعتمد ذلك على مدى ضخامة ظاهرة النينو، فظاهرة النينو الكبيرة في نهاية هذا العام، تمنح فرصة كبيرة لأن يكون لدينا رقم قياسي جديد في درجة الحرارة على المستوى العالمي في عام 2024".
ويضاف إلى ظاهرة "النينيو" عامل ارتفاع درجة حرارة الكوكب عبر الاحتباس الحراري. وفي تقرير سابق لها، شهر مايو/أيار الماضي، قالت منظمة العالمية للأرصاد الجوية إن حرارة الكوكب تزداد بأسرع من الوتيرة المتوقعة، ويوجد احتمال نسبته 50% لارتفاع حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية، ولو لفترة وجيزة، بحلول عام 2026.
كيف تؤثر موجات الحرارة على مستقبل الإنسان؟
من الناحية الصحية، قد تمثل موجات الحرارة خطراً مميتاً للإنسان. وهو ما تؤكده البروفيسور انتصار حدية، اختصاصية أمراض الكلي والأستاذة بكلية الطب التابعة لجامعة محمد الأول بالمغرب، في حديثها لـTRT عربي، قائلة: "إن لتأثيرات موجات الحر مضار كبيرة على صحة الإنسان، وتتراوح ما بين الأقل خطورة والخطيرة وصولاً إلى المميتة".
وتضيف الطبيبة المغربية أن "التعرض إلى الحرارة قد يؤدي إلى أعراض كالدوخة والصداع والعطش، لكن هذه تأثيرات في العادة لا تشكل خطورة على الشخص السليم، شريطة أن يبرد جسمه في غضون 30 إلى 45 دقيقة". فيما تكمن الخطورة، حسب المتحدثة، "في التعرض للحرارة المفرطة، وبخاصة عندما تتعدى حرارة الجسم عتبة 40.5 درجة مئوية. وهو ما يعتبر حالة طبية طارئة، قد تؤدي إلى تلف الأعضاء على المدى المتوسط والطويل والوفاة".
وأشارت الأستاذة حَدية إلى أعراض الإنهاك الحراري، والتي تتمثل في "التعرق المفرط والإرهاق الشديد، سرعة نبض القلب وضعفه، انخفاض ضغط الدم عن الوقوف، الإغماء والغثيان، التقيؤ والصداع، والتقلصات العضلية إضافة إلى اجتفاف الجسم".
ويعد العمال الفئة الأكثر تعرضاً للإنهاك الحراري، والتي تتضاعف احتمالية الإصابة به بفعل موجات الحرارة الحالية والتغيرات المناخية. وهو ما يؤثر أيضاً على إنتاجية العمل، إذ تتوقع "منظمة العمل الدولية" بأن يسبب الإجهاد الحراري الناتج عن تغير المناخ خسارة في الإنتاجية تعادل 80 مليون فرصة عمل بحلول عام 2030.
إضافة إلى هذا، يؤدي الاحترار العالمي إلى تفاقم نقص المياه في المناطق الجافة، كما يؤدي إلى زيادة مخاطر الجفاف فيما يخص الزراعة، ويؤثر بالتالي على المحاصيل، مما يهدد الأمن الغذائي لعدد كبير من سكان الكوكب، خاصة في وسط وشرق إفريقيا ودول شرق آسيا. وأيضاً مع ازدياد حمضية المحيطات بفعل التلوث، أصبحت الموارد البحرية التي تغذي مليارات البشر معرضةً للخطر.
ويزيد تغير المناخ من العوامل التي تضع الناس وتبقيهم في حالة فقر، وعلى رأسها مخاطر النزوح سواء من الجفاف أو من الكوارث الطبيعية. وحسب تقرير للأمم المتحدة، أدت الأحداث المتعلقة بالطقس خلال العقد الماضي إلى نزوح ما يقدر بنحو 23.1 مليون شخص في المتوسط كل عام.