تعاني المخيمات السورية من انعدام البنية التحتية، فضلاً عن تحولها لبِرك من الوحل خلال فصل الشتاء، حيث تبدأ الخيام بتسريب مياه الأمطار بعد تعرض أقمشتها للاهتراء بسبب حرارة الصيف الفائت .
مريم العبيد (34 عاماً) نازحة من معرة النعمان، فقدت زوجها في الحرب منذ ثلاث سنوات، وتقيم مع أولادها الأربعة في مخيم الكرامة التابع لمدينة أطمة الحدودية مع تركيا تتحدث لـTRTعربي عن مصاعب الشتاء فتقول: "تساقط الأمطار الغزيرة المترافقة مع رياح شديدة، تسبب باقتلاع خيمتنا، فبقيت دون مأوى أو ملاذ يقي أطفالي البرد القارس، فانتقلت للسكن في خيمة والدتي، كما تسببت الأوحال بإعاقة التنقل بين الخيم، إضافة للسيول الجارفة، وتجمع مستنقعات كبيرة داخل المخيم، والتي تسببت بغرق الخيم في المناطق المنخفضة".
وتؤكد مريم أن معظم الخيام لا تحتوي على مدافئ، كما يفتقر الناس للأغطية والملابس الشتوية.
بيوت من طين
ووسط المعاناة المستمرة والآلام في مخيمات النزوح، يحاول اللاجئون إيجاد حلول لمشكلاتهم بإمكانيات بسيطة، علها تخفف عنهم، فمنهم من فضل بناء بيوت من طين تقيهم برد الشتاء، وكونها لا تغرق بمياه الأمطار، ولا تتمايل بفعل الرياح.
عامر البكرو (40 عاماً) نازح من مدينة سراقب إلى مخيم في معرة مصرين، أقام مع عائلته في خيمة لمدة سنة، ثم قرر بناء بيت طيني لإيوائهم، وعن ذلك يقول لــTRT عربي: "عدم قدرتنا على شراء مواد البناء، دفعتنا لبناء منزل من طين، فهو أفضل من الخيمة خلال فصلي الشتاء والصيف، لأن موضوع النزوح بات طويلاً، والخيمة بحاجة إلى تبديل وصيانة كل سنة، أما الغرفة الطينية فتدوم لمدة أطول، ولكن الخوف يكون من الأمطار الغزيرة والفيضانات التي تؤدي إلى تصدعها وانهيارها".
ويشير عامر إلى أن مواد بناء البيوت الطينية بسيطة، تتألف من تراب ومياه وبقايا حصاد القمح والشعير (التبن)، تخلط مع بعضها، ثم تستخدم في بناء قطع من الحجارة نجمعها من الجبال، ويترك المنزل لأيام تحت أشعة الشمس، وبعد أن يجف، يُغطى السطح بأعمدة وشوادر من النايلون لمنع تسريب المياه للداخل، مؤكداً أن الشيء المتعب في ذلك كون البيوت الطينية تحتاج إلى ترميم شبه موسمي، فلا يمكنها تحمل الأمطار الغزيرة والفيضانات لأكثر من عام".
ويلفت البكرو إلى أنه وجد فكرة بناء الغرف الطينية حلاً مقبولاً في الوقت الحالي، نظراً لسهولة الحصول على المواد الأولية دون مقابل، إضافة إلى انخفاض تكلفة البناء، فضلاً عن كون هذه المنازل تتسم بالدفء في الشتاء، ما يجعلها مناسبة لسكن النازحين .
بيوت متهالكة ملاذ نازحين من برد الشتاء
عمد نازحون آخرون إلى ترك خيامهم التي غرقت بفعل الأمطار الغزيزة، وفضلوا السكن في أبنية متصدعة جراء قصف سابق، أو منازل غير مجهزة، رغم سكنهم في ظروف صعبة نتيجة العيش دون أبواب ونوافذ وتجهيزات صحية.
بلال الأخرس (36 عاماً) نازح من مدينة خان شيخون، ترك المخيم حين اشتد البرد بداية شهر ديسمبر/كانون الأول، وانتقل للسكن في منزل مهدم في مدينة أريحا بريف إدلب، فهو يعيش مع أسرته المكونة من زوجته وخمسة أطفال، إضافة إلى والده ووالدته، في “شبه منزل” دمرته آلة الحرب، يوضح ذلك بقوله: "لا قدرة لنا على دفع بدل إيجار منزل مجهز، لذلك وجدنا أنفسنا أمام خيارين أحلاهما مر، فإما تحمل البرد والطين في المخيمات، أو السكن في منزل آيل للسقوط، جدرانه متصدعة، وجزء من سقفه أعيته التشققات، تمسك به قضبان حديدية تمنعه من الانهيار".
يبين الأخرس أنه فعل ما بوسعه لتجهيز المنزل للسكن، حيث أزال الأنقاض وبقايا الحجارة الموجودة في أرض المنزل، كما أغلق بعض الفتحات الموجودة في الجدران بوضع البطانيات وشوادر البلاستيك .
عودة نازحين إلى مناطقهم القريبة من جبهات القتال
لم يمنع الدمار وغياب مظاهر الحياة بعض النازحين من العودة إلى منازلهم التي تحول العديد منها إلى خراب بفعل الحرب، حيث اتخذوا قرار العودة إلى مدنهم وقراهم التي نزحوا منها بعد غرق خيامهم أو تهدمها، رغم خوفهم من تجدد المعارك حولها، وتعرضهم باستمرار لمخاطر القذائف غير المنفجرة التي تشكل خطراً كبيراً على حياة المدنيين .
علي الحسين (39عاماً) من بلدة أحسم بجبل الزاوية، لم يحتمل البرد وشظف العيش في المخيمات، وفضل العودة إلى منزله في البلدة بعد تهدم خيمته بفعل الأمطار والعواصف خلال المنخفض الجوي الأول الذي ضرب المنطقة بداية شهر نوفمبر/تشرين الثاني الفائت، وعن ذلك يقول: "مع بداية فصل الشتاء تركت حياة المخيمات المكتظة والمليئة بالأوبئة والأوحال، وعدت إلى بيتي رغم الخوف من التصعيد العسكري من قبل النظام السوري من جديد".
يبين الحسين أنه وجد منزله متهدماً، ماعدا غرفة وحيدة لم تُصب بأذى، وضعت فيها العائلة الأمتعة والحاجيات، وهي بنظرهم أفضل من الخيمة المهترئة الضيقة في ريف إدلب الشمالي.
رئيس المجلس المحلي في بلدة أحسم بجبل الزاوية أبو جميل يتحدث ل TRT عربي عن عودة الأهالي بقوله: "رغم الخوف من تجدد المعارك عاد أكثر من 20% من أهالي البلدة إلى منازلهم في فصل الشتاء رغم تهدم بيوتهم وتعطل الطرقات بفعل القصف".
ويشير أبو جميل إلى أن عدداً من أهالي البلدة عادوا مؤخراً إليها، ويعملون على ترميم ما تبقى من منازلهم بإمكانيات بسيطة، كبناء جدار لغرفة تعرضت للقصف والدمار، أو سقف منزل بشيء من العوازل البلاستيكية، على أمل أن تهدأ الأوضاع ليعيدوا إصلاح منازلهم وترميمها من جديد.
ويؤكد أبو جميل إلى حاجة النازحين للماء والكهرباء، وإعادة إعمار البيوت المهدمة، وتأمين مستلزمات فصل الشتاء وتقديم الخدمات للعائدين من مياه وكهرباء وإصلاح الطرقات.
ضعف استجابة المنظمات الإنسانية
محمود السلامة (44 عاماً) مدير مخيم في بلدة أطمة الحدودية مع تركيا يوضح لـTRT عربي أن معاناة النازحين تزداد في فصل الشتاء نتيجة ضعف خطط الاستجابة المسبقة، وقلة التمويل وتركيزه هذا العام على مواجهة فيروس كورونا المستجد، بالإضافة إلى هشاشة البنى التحتية، وعن ذلك يقول: "يعاني النازحون في مخيّمات الشمال السوري، مِن أوضاعٍ إنسانية صعبة، خاصةً خلال الأوضاع الجويّة السيّئة، حيث تنعدم فرص العمل وتزداد الأمراض، وسطَ مناشدات مستمرة للمنظمات الإنسانية، والمجالس المحلية لتخفيف المعاناة وتوفيرِ الأغذية ووسائل التدفئة".
وصدر في تقرير لفريق "منسقو الاستجابة" بتاريخ 17 من ديسمبر/كانون الأول الفائت أن هطول الأمطار لمدة 48 ساعة خلال الأسابيع الفائتة، تسبب بأضرار مادية لحقت بـ91 مخيماً منتشراً شمال غرب سوريا، حيث بلغ عدد الخيام المتضررة بشكل كلي 174 خيمة، فيما تضررت 318 خيمة بشكل جزئي، وتركزت غالبية الأضرار بمنطقة معرة مصرين، ومركز إدلب، ومخيمات أطمة، وأجزاء من مخيمات ريف حلب الغربي.
وقدر الفريق أن نسبة الاحتياجات ضمن المخيمات المتضررة من العوازل المطرية والأرضية بـ100%، ومواد التدفئة من وقود ومدافئ بـ94%، ومن المواد غير الغذائية بـ94%، دون استجابة فعلية من قبل المنظمات .
وأيضاً في إحصائية صادرة عن الفريق بتاريخ 29 من شهر ديسمبر/كانون الأول الفائت، أن عدد المخيمات الكلي في مناطق شمال غرب سوريا بلغ 1304 مخيمات منها 393 مخيماً عشوائياً، فيما بلغ عدد النازحين أكثر من مليون و48 ألف نازح، يعانون من بيئة غير صحية ومخاطر التلوث وخاصة في المخيمات العشوائية، وانتشار حفر الصرف الصحي المكشوف، إضافة إلى معاناتهم من انعدام أبسط الخدمات اليومية والنقص المستمر في الغذاء والماء، والحرمان من مصادر الدخل الأساسية والاعتماد على المساعدات الإنسانية فقط في تلبية حاجاتهم المعيشية، كما قدم التقرير بعض التوصيات منها تخفيض أعداد القاطنين في المخيمات، من خلال تحقيق الاستقرار في المدن والبلدات التي شهدت عمليات النزوح الأخيرة، وتحسين جودة الخدمات المقدمة في المخيمات وخاصة البنية التحتية من إصلاح شبكات الصرف وتعبيد الطرقات وعزل المخيمات، إلى جانب زيادة فعالية القطاع الطبي.
تتجدد في كل عام عذابات آلاف النازحين والمهجرين في شمال غرب سوريا، بعد أن أجبرتهم المعارك المشتعلة والتصعيد العسكري في مناطقهم على ترك أرزاقهم وبيوتهم للعيش في خيام مشتتة على أطراف المدن والبلدات، ليصبح فصل الخير بالنسبة إليهم عنواناً للقهر والبؤس، وينحصر همهم في الحصول على الدفء، ولقمة عيش تسد رمقهم .