ففي أعقاب حادثة آلتن داغ في العاصمة أنقرة مؤخراً، والتي راح ضحيتها شاب تركي طعناً على يد سوري على إثر مشاجرة بين الطرفين، تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى ساحة حرب مفتوحة على الوجود السوري في البلاد، تقودها المعارضة ومن يواليها من النشطاء والمواطنين.
هذا الأمر أسهم في تأليب جزء من الرأي العام التركي ضد السوريين مجدداً، ومهاجمتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.
ففي الأيام الأخيرة، ظهرت عشرات الدعوات عبر منصات الإعلام الرقمي مطالبة اللاجئين السوريين بالرحيل عن الأراضي التركية، حيث أعادت نشر بعض الوسوم القديمة التي تعبر عن رفضهم لأي وجود سوري، باعتبار أن هذا الضيف كما يسميه حزب العدالة والتنمية الحاكم، قد طال وجوده في تركيا وحان وقت رحيله. ومن بين هذه الوسوم:
#BuMisafirlikFazlaUzadı (هذه الضيافة طالت).
#SuriyelilerinVatanıSuriyedir (وطن السوريين سوريا).
#UElkemdeMuelteciİstemiyorum (لا نريد لاجئين في دولتنا) ، وغيرها.
فعلى سبيل المثال: نشر موقع "أيكيري" الإخباري عبر صفحته على تويتر مقطع فيديو، ادعى أنه يعود لشاب سوري، يهاجم عشرات الأتراك بولاية شرناق شرق البلاد بسيارة إسعاف مسروقة، قبل أن يتمكن رجال الشرطة من إيقافه بإطلاق النار في الهواء.
بالطبع تسبب الفيديو بإثارة حنق الأتراك المحسوبين على أحزاب المعارضة، والمعبئين أصلاً على السوريين بعد حادثة آلتن داغ. لكن الشرطة التركية نشرت توضيحاً لاحقاً حول الفيديو، فندت فيه مزاعم الموقع الإخباري، وأكدت أن هوية المعتدي تركية، وهو يعاني من اضطراب عقلي.
على صعيد آخر، تم رصد عدد من مقاطع الفيديو المفبركة والمنتشرة عبر المنصات الرقمية، والتي تهدف إلى إثارة الخوف في نفوس السوريين ودفعهم إلى مغادرة الأراضي التركية، من بينها مقطع مصور يُظهر عشرات الشبان وهم ينهالون بالضرب على شاب بشراسة قبل قتله دعساً بالسيارة، مرات عدة. مروجو الفيديو ادعوا أن المعتدين أتراك والمعتدى عليه سوري في العاصمة أنقرة، وهو تسبب في غضب السوريين الذين بدؤوا بالدعوة للانتقام، قبل أن تُعلن قيادة الشرطة أن الفيديو مصور في الصين منذ أشهر.
من الواضح أن تصريحات المعارضة، خاصة حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة في تركيا، هي التي تغذي مثل هذه الحملات التي تتضمن تحريضاً صريحاً ومباشراً ضد اللاجئين السوريين، وتستغل مثل هذه الحملات لرفع رصيدها في الانتخابات كما في كل مرة.
فمؤخراً، صدرت العديد من التصريحات التي تنادي بإعادة السوريين إلى بلادهم. أهم هذه التصريحات ما صدر عن رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كليتشدار أوغلو، الذي علق على أحداث أنقرة في تغريدة له على تويتر بالقول: "سنحل مشكلة اللاجئين هذه، وبالطبع سنفعل ذلك بحس سليم، سنرسل ضيوفنا بالطبول والكلارينيت، يرجى التزام الهدوء والثقة".
وقبل أسابيع قليلة تعهد كليتشدار بإعادة السوريين إلى بلدهم خلال عامين في حال فوز حزبه بالانتخابات الرئاسية المقررة في عام 2023.
تكرر الأمر على لسان رئيس بلدية "بولو" "تانجو أوزجان" عن حزب الشعب الجمهوري أيضاً، والذي أكد في شهر يوليو/تموز الماضي نيته إخراج السوريين من البلدة التي تتوسط أنقرة إسطنبول، عبر اتخاذ المزيد من الإجراءات ضد الأجانب في البلدة، من بينها رفع تكاليف المياه عشرة أضعاف عن ما يدفعه المواطنون الأتراك، وذلك لإجبارهم على الرحيل. وقد عبر أوزجان عن استيائه من الوجود السوري في البلدة، صراحةً، بالقول: "نقطع عنهم المساعدات فلا يرحلون، لا أعطيهم رخصة للعمل فلا يرحلون، لذا سنتخذ تدابير جديدة ضدهم".
و كانت المعارضة إيلاي أسكوي (عن حزب الجيد المعارض) حملت اللاجئين السوريين، مؤخراً، مسؤولية تدني مستوى التعليم في البلاد، بعد أن وصفتهم على "تويتر" بالأميين.
في المقابل، ورداً على هذه الحملات المسعورة، دشن العديد من الأتراك المتضامنين مع السوريين، هاشتاغ:
#KardeşimeDokunma (لا تلمس أخي).
كما اتهمت الأصوات المتضامنة مع السوريين "بعض وسائل الإعلام الموجّهة بالسعي لتهييج الشارع التركي ضد العرب وزرع الفتنة بين الطرفين"، كما فعلت الشابة التركية "لينا"، التي عبرت في مقطع فيديو على إنستغرام عن رفضها لما يجري بحق السوريين الذين وصفتهم بالأخوة.
فيما اعتبر الكاتب التركي جلال ديمير في منشور له على الفيسبوك، أنّ ما حصل في الآونة الأخيرة، مجرد لعبة من العلمانيين والعنصريين الحاقدين على تركيا وملف اللجوء قائلاً: "برأيي ما حصل في الأيام الأخيرة للسوريين في بعض المدن التركية، خاصة منطقة آلتن داغ في أنقرة، كان مخططاً له من بعض العنصريين أو من الأيادي الخفية التي تريد أن تزرع الفتنة في المجتمع، أو من العقلية التي تريد أن تسيء إلى تركيا باستغلال ملف اللاجئين".
وفي مقطع فيديو، ظهر شاب تركي مكذباً للأخبار التضليلية المنتشرة في الإعلام التركي المحرض على الوجود السوري، مؤكداً أن السوريين لا يحصلون على رواتب من الدولة، أو تعليم جامعي مجاني كما تروج المعارضة عبر إعلامها ومنصات التواصل الرقمي. كما أشار إلى الدور الذي يلعبه السوريون في الاقتصاد التركي وتوفير الأعمال لكثير من الأتراك.
وممَّا زاد من التحريض على السوريين في الآونة الأخيرة، تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين الأفغان إلى تركيا عبر الحدود مع إيران، في أعقاب الانسحاب الأمريكي من أفغانستان واستعادة حركة طالبان السيطرة على البلاد. مثل هذا الأمر أثار مخاوف البعض من تداعيات ذلك على الوضع الاقتصادي والأمني في البلاد، والذي تدعي المعارضة أنه ساء بسبب الوجود السوري في تركيا.
ففي ذات السياق، وظف بعض النشطاء الموالين للمعارضة مقطع فيديو لرفع العلم الأفغاني على أحد شواطئ مدينة آلانيا السياحية، لإثارة غضب الأتراك على مواقع التواصل الاجتماعي، ودفعهم إلى مطالبة الحكومة التركية بوقف الهجرة الأفغانية إلى البلاد والتحريض في الوقت ذاته على السوريين. ليتبين لاحقاً أن الفيديو قديم منذ عام 2018، وأن العلم الأفغاني كان من بين أعلام أخرى جرى تعليقها من قبل أحد الفنادق في تلك المنطقة، لكن جرى اقتطاع صورة العلم الأفغاني لإثارة البلبلة.
قد تصاعد خطاب الكراهية والعنصرية ضد السوريين منذ انتخابات البلدية الأخيرة في تركيا عام 2019، وفوز ممثل حزب الشعب الجمهوري المعارض أكرم إمام أوغلو برئاسة بلدية إسطنبول. في تلك الفترة، ارتفعت أصوات المعارضة التحريضية ضد اللاجئين السوريين وأسفرت عن أحداث شغب ضدهم في العديد من الولايات التركية. وعلى ما يبدو فإن المشهد يتكرر اليوم مع تصاعد منحنى الخطاب التحريضي ضد السوريين واستثماره في الانتخابات البلدية والرئاسية المقبلة. وكالعادة، يدفع السوريون وغيرهم من اللاجئين في تركيا فاتورة هذا التصعيد.
رغم خطابات التحريض ذات النكهة العنصرية التي تتبناها بعض الجهات ضد اللاجئين السوريين من حين لآخر، إلاَ أن ذلك لا يعبر إطلاقاً عن موقف الحكومة التركية، وقطاعات كبيرة من المجتمع التركي التي ترفض الإساءة للسوريين أو ترحيلهم من البلاد.
وكانت الرئاسة التركية عبرَت في أكثر من مناسبة عن رفضها السماح بعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم مع استمرار الحرب فيها، واصفةً تحريض المعارضة عليهم بالخطير والاستفزازي.
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.