تحظى دولة فلسطين بصفة دولة مراقبة غير عضو في الأمم المتحدة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2012 بعد طلب قدمته السلطة الفلسطينية إلى الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2011، ومنذ ذلك الحين وهناك محاولات وتطلعات لترقية وضع دولة فلسطين في الأمم المتحدة. وقد أعادت السلطة الفلسطينية تحريك طلب العضوية في رسالة موجَّهة إلى مجلس الأمن في مطلع أبريل/نيسان 2024، ولكن لم يجرِ التوافق في مجلس الأمن.
ولم تتوقف الأمور عند ذلك، إذ طرحت الجزائر في 18 إبريل/ نيسان 2024 الأمر للتصويت في مجلس الأمن، إذ لا يحق لفلسطين طرح المشاريع في ظل صفتها القانونية الحالية، ولكن هذه المحاولة باءت أيضاً بالفشل بسبب الفيتو الأمريكي، مع أن 12 عضواً أيَّدوا القرار فيما امتنعت سويسرا والمملكة المتحدة عن التصويت.
ولذلك جاء التصويت في الأمم المتحدة ليعيد الكرة إلى ملعب مجلس الأمن مرة أخرى ويطالبه بإعادة النظر في طلب عضوية فلسطين بشكل إيجابي على الرغم من عدم التفاؤل بحصول ذلك في ظل الموقف الأمريكي المتعنت بهذا الصدد.
في العاشر من مايو/أيار 2024، وبناءً على قرار مقدَّم من المجموعة العربية صوَّتت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الاستثنائية العاشرة التي عُقدت تحت عنوان: "الأعمال الإسرائيلية غير القانونية في القدس الشرقية المحتلة وبقية الأرض الفلسطينية المحتلة"، لصالح مشروع يقرر أن دولة فلسطين مؤهلة للحصول على عضوية كاملة في الأمم المتحدة.
وبغالبية ساحقة اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً يوصي مجلس الأمن بإعادة النظر في عضوية فلسطين بشكل إيجابي، بعد أن صوَّتت لصالح القرار 143 دولة، وعارضته 9، وامتنعت 25 دولة عن التصويت. وقد أشار القرار إلى أن الفلسطينيين مؤهلون لينالوا العضوية الكاملة، وذلك وفق المادة 4 من ميثاق الأمم المتحدة.
إن هذه الخطوة على رمزيتها تشير إلى حضور القضية الفلسطينية من جديد وبشكل قوي في المحافل والمؤسسات الدولية بعد فترة طويلة من التغييب والتجاهل في ظل محاولات التصفية لحقوق الشعب الفلسطيني التي بلغت ذروتها في صفقة القرن، ونقل عاصمة دولة الاحتلال إلى القدس، والاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى، دون أن يكون هناك اعتراض دولي حقيقي على دولة الاحتلال الإسرائيلي.
ومع ذلك هناك أمور يجب الوقوف عليها في نص القرار، ومن بينها أن القرار يشير إلى تعزيز حقوق دولة فلسطين وامتيازاتها في الأمم المتحدة مثل تقديم المقترحات والتعديلات دون المرور بدولة ثالثة ولكن دون السماح لها بالتصويت في الجمعية العامة.
وقد عبَّر عن هذا الأمر دبلوماسيون في مستهلّ جلسة الأمم المتحدة، إذ رأوا أن القرار في حد ذاته لا يمثل إنصافاً لدولة فلسطين لأنها وإن مُنحت حقوقاً إضافية فإنها ستبقى دولة مراقبة لا تتمتع بحق التصويت في الجمعية العامة أو الترشح لهيئات الأمم المتحدة المختلفة.
امتيازات القرار
تضمنت وثيقة القرار مُرفقاً يحدد طرق إعمال الحقوق والامتيازات الإضافية المتعلقة بمشاركة دولة فلسطين، اعتباراً من الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة، من بينها:
-الحق في الجلوس بين الدول الأعضاء حسب الترتيب الأبجدي.
-حق التسجيل في قائمة المتحدثين في إطار بنود جدول الأعمال، غير البنود المتعلقة بقضيتي فلسطين والشرق الأوسط.
-الحق في الإدلاء ببيانات باسم مجموعة ما، بما في ذلك إلى جانب ممثلي المجموعات الرئيسية.
-الحق في تقديم، والمشاركة في تقديم، مقترحات وتعديلات وعرضها، بما في ذلك باسم مجموعة ما.
-الحق في تقديم تعديلات للتصويت باسم الدول الأعضاء في مجموعة ما.
-حق الرد فيما يتعلق بمواقف مجموعة ما.
-الحق في أن يُنتخب أعضاء وفد دولة فلسطين لعضوية مكتب الجمعية العامة ومكاتب اللجان الرئيسية التابعة لها.
-الحق في المشاركة الكاملة والفعالة في مؤتمرات الأمم المتحدة والمؤتمرات والاجتماعات الدولية التي تُعقد تحت رعاية الجمعية العامة.
وبقيت النقطة الأهم وهي أن القرار أكد أنه لا يحق لدولة فلسطين، بصفتها دولة مراقبة، أن تصوت في الجمعية العامة أو أن تقدم ترشيحها لأجهزة الأمم المتحدة.
موقف الاحتلال الإسرائيلي
ومع أن هذا القرار عبارة عن توصية وينقصه الاعتراف الكامل بدولة فلسطين، ومع أن المراقب الدائم لدولة فلسطين لدى المتحدة أكد قبل اعتماد القرار أن مشروع القرار تصويت لصالح الوجود الفلسطيني وليس ضد دولة أخرى وضد محاولات حرمان الفلسطينيين من دولتهم، فإن الاحتلال الإسرائيلي جُنَّ جنونه من هذا القرار، ووصف وزير الخارجية الإسرائيلي القرار بأنه سخيف ومتحيز واتخذ ذلك فرصة لمهاجمة الأمم المتحدة وأمينها العام.
كما أن مندوب الاحتلال الإسرائيلي في الأمم المتحدة غلعاد إردان، وصف الهيئة بأنها وقحة اختارت مكافأة النازيين على حد قوله، كما مزَّق ميثاق الأمم المتحدة وعدَّ القرار انتهاكاً لهذا الميثاق. كما رأى إردان أن هذا التصويت عمل غير أخلاقي وعارٌ على المصوِّتين بـ"نعم" عليه، ووصف ما فعلته الأمم المتحدة بأنه ذنب لا يُغتفر، وأن "المنظمة تبصق على القيم ذاتها التي صيغت لتلتزم بها".
بماذا يصطدم القرار؟
لا يمكن لأي دولة أن تنضم إلى الأمم المتحدة إلا بموافقة مجلس الأمن والجمعية العامة، ولذلك يصطدم القرار بالبنية غير العادلة لمجلس الأمن التي تجعل 5 دول تقرر عن بقية دول العالم، فالولايات المتحدة تعارض الاعتراف بدولة فلسطين في إطار الأمم المتحدة لأنها تعدّه خارج إطار التفاوض بين الفلسطينيين ودولة الاحتلال الإسرائيلي.
وقد عبَّرت الولايات المتحدة عن استعدادها لتكرار رفع بطاقة الفيتو في مجلس الأمن ضد أي اقتراح خارج هذا المحدد، وذكر روبرت وود نائب السفيرة الأمريكية، ذلك بشكل محدَّد حين قال إنه في حال تلقَّى مجلس الأمن طلب عضوية فلسطين نتيجة لهذا القرار فستكون هناك نتيجة مماثلة.
وكما ذكرنا فإنه في وقت سابق من الشهر الماضي، ورغم تأييد ثلثي أعضاء اللجنة المعنية بقبول أعضاء جدد بالمجلس، أعلنت رئاسة مجلس الأمن الدولي عدم التوصل إلى توافق بشأن المبادرة الفلسطينية للحصول على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة.
إن الرفض الأمريكي والإسرائيلي هو دليل واضح على أن الطرفين يرفضان حتى مشروع حل الدولتين حتى وإن تشدَّقا به، ويعارضان أي شكل من أشكال الدولة والاستقلال الفلسطيني. كما أن دولة الاحتلال وحلفاءها وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية يحاربون كل تطلعات الشعب الفلسطيني سواء عبر مقاومته أو عبر المسارات الدبلوماسية في المحافل الدولية، وبالتالي هذا يؤكد وهن الاعتماد على الرعاية الأمريكية للتفاوض لأنها، كما نرى، شريكة ومسؤولة عن الإبادة الجماعية لأنها تزوِّد الاحتلال الإسرائيلي بالسلاح لقتل الفلسطينيين في غزة، وتوفِّر له الحماية اللازمة في المؤسسات الدولية.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.