أحزان زلازل تركيا يجب أن تسهم في تحسين استجابة العالم للكوارث
ناشدت الأمم المتحدة لجمع مليار دولار من أجل مساعدة 5.2 مليون شخص لمدة ثلاثة أشهر وذلك عبر 15 وكالة تابعة للأمم المتحدة وتسع منظمات غير حكومية دولية والعديد من الهيئات الوطنية.
جزء من الدمار الناجم عن زلازل تركيا / صورة: AFP (AFP)

كارثة تركيا يمكن أن تكون فرصة لتحسين نظام المساعدات والإغاثة الإنسانية الدولي وعمل المؤسسات المالية العالمية وكذلك القطاع الخاص.

الزلازل ليست بالأمر الجديد على تركيا. لكن الهزات الأرضية الهائلة في 6 فبراير/شباط كانت لها القوة التدميرية بما يضاهي عديداً من القنابل الذرية إذ تسببت في دمار غير مسبوق. تضرر ما لا يقل عن 13 مليون شخص على مساحة قدرت بنحو 110000 كيلومتر مربع في جنوب شرق تركيا، مما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف. كما دمرت مساحات شاسعة من سوريا المجاورة.

كانت توجد قناعة عالمية واضحة أنه لا يمكن لأي دولة أن تكون مستعدة بشكل كافٍ أو تستجيب بشكل مناسب لمثل هذه الكارثة. من خلال تجربتي الخاصة للكوارث التي امتدت على مدار ثلاثة عقود، بما في ذلك في تركيا خلال زلزال 1999، لم أرَ أن العالم تحرك أبداً بهذه السرعة والإخلاص كما هو الحال الآن.

هذا هو التضامن الإنساني في أفضل حالاته، بدءاً من أوائل المستجيبين المحليين الشجعان والتعبئة الوطنية التركية الضخمة التي تضافرت معها عمليات الإنقاذ والإغاثة من أكثر من مئة دولة.

كانت المجتمعات التي تعد على دراية واسعة بالمصائب في المقدمة. فحاك اللاجئون الروهينيغيا في بنغلاديش البطانيات والسترات، وجمع الأفغان (الذين يعانون من الفقر) آلاف الدولارات، وأنقذت فرق الإنقاذ من أوكرانيا (التي مزقتها الحرب) الناجين من تحت الأنقاض.

هذه أعمال إنسانية ذات قيمة مضاعفة. لأنها عفوية وغير مشروطة. لا يأخذون بالحسبان مبدأ المعاملة بالمثل بالنسبة إلى المساعدات التي كانت تركيا قدمتها لبناء مستشفيات للروهينيغيا الجرحى في كوكس بازار، أو إرسال قطارات الإغاثة الطارئة إلى أفغانستان، أو تسهيل نقل ملايين الأطنان من الغذاء من أوكرانيا لإطعام أكثر الجوعى في العالم.

لقد كان هؤلاء جزءاً من الجهات التي ترسل إليها تركيا المساعدات حول العالم إذ بلغت هذه الجهات ما يقرب من 150 دولة من خلال وكالة التعاون والتنسيق التركية (TIKA). احتلت تركيا المرتبة الثانية في المساعدات الإنسانية في عام 2021، بإجمالي 5.6 مليار دولار أمريكي أو نحو 1٪ من الناتج المحلي الإجمالي، بما في ذلك استضافة 3.5 مليون لاجئ سوري، وفقاً لأحدث تقرير للمساعدات الإنسانية العالمية.

بطبيعة الحال، فإن المساعدات لا يمكن أن تصل إلى العالقين تحت المنازل بالسرعة الكافية المتوقعة. ولا تعزية لأولئك الذين فقدوا أحباءهم حين القول إن هذه الاستجابة كانت أكبر وأسرع مما شوهد سابقاً في تركيا أو في أي مكان آخر في العالم، وأنه جرى استخدم أفضل الأدوات والتقنيات والترتيبات التنظيمية المتاحة. توجد دائماً دروس يمكن تعلمها من أجل التحسين المستقبلي، لكن أداء تركيا كان جيداً للغاية في ظل الظروف القاسية السائدة.

مع عودة فرق الطوارئ الأجنبية إلى ديارها وتزايد العمل الشاق لتهدئة الناجين وإعادة تأهيلهم، سيستمر التضامن العالمي تحت وضعية الاختبار. ستحتاج تركيا إلى دعم أكبر في الفترة المقبلة إذ تجرى مراجعة الإحصاءات القاتمة التي ربما تنذر بالأسوأ خصوصاً عند تحديد تأثيرات الزلازل بالكامل.

يقدر اتحاد الشركات والأعمال التركي تكلفة الخسائر الناجمة عن الزلزال بنحو 84 مليار دولار، وهي نسبة مذهلة تبلغ 9 في المائة من اقتصاد تركيا البالغ 942 مليار دولار في عام 2022. ولكن مع جهود إعادة الإعمار المتوقعة بعد الزلزال، فإن البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير يتوقع أن تكون الخسارة متواضعة بحيث تصل إلى بنسبة 1٪ من إجمالي الناتج المحلي في عام 2023.

ومع ذلك، فإن تقليل الأثر الاقتصادي طويل المدى للزلزال سيتطلب استثماراً ربما يصل إلى ثلاثة أضعاف قيمة الخسائر الحالية لأنه سيكون أكثر تكلفة لإعادة البناء بشكل أفضل للامتثال بجدية لقانون البناء التركي المحسّن لمقاومة الزلازل والذي جرى اعتماده في عام 2018. لأن كثيراً من المساكن في تركيا قديم، فإن تحديث المساكن وتعديلها سيكون استثماراً كبيراً ولكنه ضروري لتقليل المآسي المستقبلية.

بطبيعة الحال، لا تعبر الحسابات المالية الباردة عن الآثار الخفية لصدمات السكان العميقة، والتي تكون دائماً أسوأ بعد الزلازل مقارنة بأنواع أخرى من الكوارث. ويشمل ذلك ردود الأفعال الحزينة والضغوط النفسية ومضاعفات الإصابات الجسدية ومخاطر الأمراض المعدية وتفاقم الأمراض المزمنة. قد ينتج خسارة ملايين من أيام الدراسة وساعات العمل وهو أمر لا مفر منه في مسيرة التعافي النفسي والجسدي الذي يجب أن يأخذ مجراه.

بلا شك ستكون بشأن التعافي وإعادة الإعمار ومصادر التمويل مناقشات حادة. يخطط الاتحاد الأوروبي لعقد مؤتمر للمانحين في مارس/آذار. تعتبر المؤسسات المالية الدولية أساسية، وبادر البنك الدولي بتقديم 1.78 مليار دولار والاستعداد لمتابعة تقديم مليار آخر وهو الأمر الذي يعد مُرحبّاً به. كما سيجرى تعزيز مبادرات التمويل الخاصة بالحكومة والقطاع الخاص، بما في ذلك سندات إعادة الإعمار التي يمكن للناس الاشتراك فيها.

تعد تركيا أحد أعضاء مجموعة العشرين ذات الدخل المتوسط المرتفع، إذ يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من حيث القوة الشرائية 30737 دولاراً في عام 2021. لا شك في أن تركيا سوف تقف على قدميها مرة أخرى. لكن نوعية التعافي وتقليل المعاناة التي يمكن تجنبها على طول الطريق تعتمد على المساعدة الإنسانية لمدة عامين على الأقل.

ناشدت الأمم المتحدة لجمع مليار دولار من أجل مساعدة 5.2 مليون شخص لمدة ثلاثة أشهر وذلك عبر 15 وكالة تابعة للأمم المتحدة وتسع منظمات غير حكومية دولية والعديد من الهيئات الوطنية.

فمع تدمير نحو 100000 منزل وهدم مزيد لأسباب تتعلق بالسلامة، فقد عديد من العائلات كل شيء. وبالتالي، فإن متطلبات هذا النداء العاجلة هي توفير 254 مليون دولار للمأوى (الخيام وأماكن الإقامة الأخرى) والملابس والبطانيات والطعام والأدوات المنزلية، ودعم أولئك الذين يقيمون مؤقتاً في المباني العامة.

203 ملايين دولار منها للصحة والتغذية والمياه والصرف الصحي والنظافة، بما في ذلك نشر فرق طبية للطوارئ، وعيادات ومختبرات متنقلة، وإعادة تأهيل المرافق الصحية القابلة للإصلاح، وتوفير مجموعات أدوية الصدمات النفسية والأدوية الأساسية، ومكافحة الأمراض المعدية وتدابير الصحة العامة. ومعالجة النساء والأطفال المصابين بصدمات نفسية والمعاقين الذين يحتاجون إلى رعاية خاصة وخدمات إعادة التأهيل لأنهم الفئات الأكثر ضعفاً جراء الكارثة.

يتطلب المضي قدماً إزالة الركام وعمليات التنظيف من أجل تهيئة الظروف للعودة وإعادة البناء. جرى تخصيص 148 مليون دولار لإزالة الأنقاض وإعادة تدويرها أو الإدارة الآمنة، والتي من شأنها أن تخلق فرص عمل كبيرة. يعد الحفاظ على التراث الثقافي الرئيسي وإعادة بنائه، لتجنب الخسارة والأضرار الدائمة، أمراً حيوياً لإحياء الروح المعنوية الاجتماعية.

بسبب الحرب الأوكرانية-الروسية، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في جميع أنحاء العالم إلى مستوى غير مسبوق. في جنوب شرق تركيا، جرى تدمير المحاصيل والإنتاج الحيواني وخطوط النقل. لأجل ذلك مطلوب 107 ملايين دولار لإطعام الناس والمدخلات الزراعية للمزارعين والرعاة لبدء موسم الزراعة التالي.

تؤدي الأزمات دائماً إلى انعدام الأمن للأطفال غير المصحوبين بذويهم وكبار السن والنساء المعرضات لخطر العنف والاتجار. يتم توفير 105 ملايين دولار لخدمات الحماية الاجتماعية والأسرية، بما في ذلك الأماكن الآمنة، ولم شمل الأسرة، ومنع العنف.

بالتوازي مع نداء الأمم المتحدة يوجد مبلغ 375 مليون دولار طلبها الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر، جرى توجيهه من خلال الهلال الأحمر التركي، والذي تنتشر فروعه الـ279 والمتطوعين والموظفين البالغ عددهم 211 في كل مكان.

تحركت الوكالات الإنسانية بسرعة فائقة لإجراء التقييمات وإطلاق المناشدات. يجب أن يستجيب المانحون بنفس القدر من الاستعجال. يجب عليهم أيضاً تبسيط متطلبات إعداد التقارير والمراقبة. ولكن مع مراعاة عدم المساومة على المساءلة لضمان أن يذهب الحد الأقصى من أموال المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين. يجب أن تظل وكالات المعونة والمانحون مرنين لأن الاحتياجات المتفاقمة تتطلب تعديلات سريعة.

في ذات الوقت، وفي ظل مشاركة العديد من المنظمات، يعد التنسيق أمراً حيوياً بحيث تذهب المساعدة المناسبة في الوقت المناسب إلى المكان المناسب. وتقود هذه الجهود بشكل مناسب وكالة الكوارث الوطنية التركية (آفاد) والتي ينبغي تعزيزها من أجل تسهيل عمليات تنسيقها مع مكتب الأمم المتحدة مما يُفعّل التعاون الدولي.

إن تقديم المساعدة الإنسانية بكفاءة مع الحد الأدنى من النفقات العامة والحد من التسرب لا يتعلق فقط بالإدارة. إنها مسؤولية أخلاقية أيضاً لضمان أن الحد الأقصى من المنافع للمحافظة على الحياة يصل إلى المحتاجين خصوصاً عندما تكون الموارد تعاني من ضغوط شديدة.

هذا يعني توطين المساعدة قدر الإمكان. لأن المنظمات المحلية والوطنية هي التي تنفذ معظم الأعمال الأساسية، يجب على الجهات المانحة الأجنبية، بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة، تمويلها مباشرة لتقليل تكاليف المعاملات التي تُهدَر على طول الطريق. تعتمد ثقة الجمهور وإيمانه على مقدار الشفافية والانصاف في إنجاز الأعمال المتعلقة بالإغاثة الإنسانية.

من اللافت أن أول صفقة كبرى للإصلاحات فيما يتعلق بالعمل الإنساني الدولي جرى التوصل إليها في قمة عقدت في تركيا عام 2016. لسوء الحظ، يوجد تقدم بطيء حول أفضل الطرق لتنظيم المساعدات الإنسانية الدولية في ظل الظروف الاستثنائية التي تنجم عن كارثة.

الكوارث الكبرى هي فرص للتفكير والإصلاح والتجديد. فيما نعود إلى جيوبنا من أجل مساعدة الناجين، فإن أجدر تكريم لأولئك الذي رحلوا إنما يتمحور حول تغيير وتحسين الأنظمة التي تعتمد عليها فرص العيش والنجاة من المآسي المستقبلية.

فلندع الآلام والأحزان التي نتجت عن الزلازل التي ضربت تركيا لا تضيع سدى.


جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي