تعرضت تركيا لزلزال بقوة 7.7 درجة في فجر يوم 6 فبراير/شباط 2023، وكان مركزه منطقة بازارجيك بمدينة قهرمان مرعش. بعدها بساعات قليلة لحقه زلزال ثانٍ بلغت قوته 7.6 مركزه منطقة البستان بنفس المقاطعة، ليتبعهما ما يزيد على 2000 هزة ارتدادية حتى يومنا هذا.
على أثر هذه العاصفة الزلزالية فقد آلاف الأشخاص حياتهم وأصيب عشرات الآلاف في واحدة من أكبر الكوارث في العالم. أثرت الزلازل في 10 مقاطعات تركية، هي قهرمان مرعش وأضنة وأدي يامان وديار بكر وغازي عنتاب وهاطاي وكيليس وملاطية وعثمانية وشانلي أورفا، وأُعلنَت حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر في هذه المدن.
اعتباراً من اليوم الأول استُخدمَت وسائل التواصل الاجتماعي بفاعلية، ونُشرَت آلاف المنشورات حول الزلزال، وما زال التفاعل مستمراً. فمنذ الدقائق الأولى، لعبت تلك الوسائل دوراً مهمّاً في نقل أخبار ومعلومات حول الأشخاص العالقين تحت الأنقاض، سواء من قِبلهم أومِن قِبل عائلاتهم وأصدقائهم، إلى المسؤولين أو الأشخاص الذين يعرفونهم.
وعند وصول السلطات إلى المنطقة المنكوبة لإخراج الأشخاص من المباني المهدمة، استدعى هذا الوضع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل فعال للإعلان عن الأشخاص الذين أُنقِذوا من تحت الأنقاض. وكان الهدف الرئيسي من مواقع التواصل الاجتماعي الوصول إلى جمهور أكبر في أقرب وقت ممكن والعثور على المفقودين. لذلك عظمت منصات التواصل الاجتماعي التفاعل مع الحدث بشكل غير مسبوق.
بطبيعة الحال، صاحب هذا الإقبالَ الواسع على استخدام منصات التواصل الاجتماعي، كثير من المعلومات المضللة والأخبار الكاذبة حول فاجعة الزلزال. وبينما تمثل تلك المنصات حلقة اتصال بين الجميع، خصوصاً المواطنين المتضررين من الزلزال، ومن يريد مساعدتهم، وقوات الأمن والفرق الصحية بالدولة، بالإضافة إلى المؤسسات، والقنوات الرسمية، فإن انتشار الأخبار الكاذبة والمضللة بها يُعتبر كارثة فوق الكارثة.
لأجل ذلك تشارك السلطات بانتظام البيانات والمعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال القنوات الرسمية، مدركة خطر المعلومات المضللة. ويحاول المسؤولون جاهدين، منع تداول الأخبار الكاذبة على تلك المنصات واضعين أمام أعينهم سرعة انتشارها، ويردون موضحين بالأدلة مدى صحتها ولكن بما لا يجعلهم يهدرون الوقت والجهد الذي يجب أن يخصص لمناطق الزلزال. فقد صرّح وزير الداخلية سليمان صويلو بذلك بوضوح في بيان سابق، وأظهر حجم المعلومات المزيفة بقوله: "في وسائل التواصل الاجتماعي كارثة أيضاً".
إذاً، في هذه الفترة العصيبة التي نشعر فيها بالآثار المدمرة للكارثة مع ضحايا الزلزال، ما الموضوعات الرئيسية التي تُوظَّف في عمليات التضليل على وسائل التواصل الاجتماعي؟ وما الصواب؟
نرى أن حملات التضليل تركز في المقام الأول على الخدمات اللوجستية وفرق البحث والإنقاذ المتوجهة إلى المنطقة. آلاف المنشورات تتحدث عن أن مثل هذا التأخير لا ينبغي أن يحدث في هذه الحالة، إذ يُقال إن المساعدات والناس المنكوبة في سباق مع الزمن، متجاهلين ظروف المنطقة الصعبة التي أعقبت الزلزال من حيث الدمار وصعوبة الأحوال الجوية.
فرغم الصعوبات في اليومين الأول والثاني من الزلزال في منطقة شرق الأناضول نظراً إلى الشتاء والجليد بالإضافة إلى تحطم أجزاء من الطرق السريعة بسبب الزلازل، استطاعت أول فرقة من فرق الإنقاذ الوصول إلى المنطقة بعد 10-15 ساعة.
هذه المنشورات كانت مجرد محاولة لبثّ روح اليأس والسلبية بين الناس. في الحقيقة، فقد تمت محاولة إيصال مساعدات تتكون من طعام وملابس ومنتجات صحية وعديد من الموادّ الأخرى للمتضررين دون أدنى انتظار. وقد وُزّعَت حمولة ما مجموعه 800 شاحنة من أصل 1000 في حين جرى الاحتفاظ بالمئتي شاحنة المتبقية في المستودع لتوزيعها حسب الحاجة.
إن عدم وجود خيام للهلال الأحمر في مناطق الزلازل هو إحدى القضايا التي استُخدمت كمادة في عمليات التضليل على منصات التواصل الاجتماعي. وقد دحض البيان الصادر الهلال الأحمر والصور التي أظهرها أن هذه الإشاعة التي سرعان ما جرى التفاعل معها في منصات التواصل الاجتماعي ما هي إلا أخبار كاذبة.
لقد أُظهِرَت الخيام والمساعدات الغذائية في الصور التي التُقطت من المنطقة، فالخيام التي أُرسلَت إلى ملاطية وأدي يامان وتتسع لأكثر من عشرة آلاف شخص قد لبّت احتياجات عديد من المتضررين. بالإضافة إلى ذلك، أُنشئَت المطابخ المتنقلة والأفران وعربات التموين مع مختلف المؤسسات والجمعيات بتنسيق من الهلال الأحمر التركي لدعم ضحايا الزلزال في هذه المنطقة. ومع ذلك، لم يتوقف التضليل عند هذا الحد، بل امتدّ إلى أمور أخرى.
فادّعاء نهب وسرقة موادّ الإغاثة التي تصل إلى المنطقة هو واحد من الأخبار التي تثير غضب الجمهور. والهدف من نشر الفيديو الذي يظهر نهب شاحنة مساعدات وجرى تداوله على نطاق واسع هو تأكيد أن الدولة خلقت فراغاً إداريّاً، وبالتالي تسهيل عمليات نهب اللاجئين.
لكن الوضع مختلف تماماً، فالفيديو ليس لسرقة المساعدات في تركيا على أي حال، إذ صُوّرَت اللقطات الواردة فيه في فرنسا في 6 سبتمبر/أيلول 2016. كما لا توجد أصلاً سرقة، فاللاجئون يحاولون ركوب الشاحنة التي وقفوها في فرنسا من أجل المرور إلى إنجلترا. وقد حذف مستخدم وسائل التواصل الاجتماعي الذي شارك هذا المقطع التغريدة لاحقاً، ولكن بعد أن حدث الضرر.
إن الأخبار التي تفيد بإخفاء الأرقام الحقيقية لمن فقدوا أرواحهم هي سلوك لا ينبغي في هذه البيئة حيث الحساسية عالية. يعمل عدد كبير من خبراء الطب الشرعي والمدعين العامّين والأطباء والمسؤولين بنشاط وبطريقة لا تدع مجالا للشكّ في مناطق الزلزال. تُعتبر الإدارة المهنية للعملية من خلال تسجيل كل شخص متوفّىً أمراً مهمّاً للغاية لكل أقارب المتوفّى. لذلك، تُحدَّث الأرقام يوميّاً وتُشارَك مع الجمهور.
بالإضافة إلى كل ذلك، فإن المشاركات التي لا أساس لها من الحسابات الوهمية التي فُتحَت باسم الفنانين والعلماء هي أيضاً سلوكيات تحاول تحريض الجمهور على الحزن واليأس والغضب.
إن خلق تصوُّر بعدم وجود أمن يجعل وقع الزلزال أكثر صعوبة. فبينما تجري محاولة إدارة كارثة الزلزال التي تعرضت لها تركيا بنشر معلومات دقيقة غير منقوصة للجمهور، وتستمر عمليات البحث تحت الأنقاض بكثافة في المنطقة، فإن عيب وسائل التواصل الاجتماعي هو أنها بيئة تنتشر فيها الأخبار المزيفة أسرع من الأخبار الحقيقية.
في أوقات الكوارث، يجب فهم أهمية الوحدة والتضامن والعمل وفقاً لذلك. علاوة على ذلك، لدى تركيا إجراءات مكثفة وقنوات ووسائل إعلامية في مكافحة الأخبار المزيفة، وهي شفافة دائماً أمام الجمهور. ويمكن للمواطنين التأكد من صحة عديد من الأمور التي يشعرون بالشك تجاهها من خلال تلك القنوات والوسائل
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.