ماذا لو أصبح جيف بيزوس أو إيلون ماسك.. رئيساً؟
ماذا لو كان خلف صفقة إيلون ماسك للاستحواذ على شركة تويتر مآرب أخرى؟ لقد علل ماسك بأن هذه الصفقة تأتي في ظل مساعيه لجعل "أغورا" العصر الرقمي أكثر عدالة وانفتاحاً وأقرب إلى المبادئ الليبرالية.
إيلون ماسك وجيف بيزوس (Others)

تعليلاته حملت طابعاً خلاصياً، فهو "المسيح" الرقمي الذي جاء لتطهير الإنترنت من آفات التضليل، والرقابة، والأخبار الكاذبة. حتى الآن يبدو الكلام جميلاً. ولكن ماذا لو لم يفصح إيلون ماسك عن جميع نواياه دفعة واحدة؟ ألا يمكن أن تعد هذه الخطوة بداية ولوج أحد أغنى الرجال في العالم إلى عالم السياسة؟ ماذا لو كان إيلون ماسك سيبتعد قليلاً عن التفكير في المركبات الفضائية التي ستغزو كوكب المريخ وتستعمره، ليقترب أكثر من الحديث (بشكل صريح أو تلميحاً) عن الترشح لمنصب عمومي، مثل منصب الرئيس على سبيل المثال؟

لا تعد تويتر مجرد منصة عادية من منصات التواصل الاجتماعي. هي منصة النخبة خصوصاً من السياسيين وصناع القرار والفكر والمؤثرين. ولذلك فإن الاستحواذ عليها من قبل رجل واحد سوف يمنح هذه الرجل تأثيراً كبيراً على المداولات السياسية والفكرية التي تأخذ مكانها على هذه المنصة. وكلنا يتذكر كيف ساهمت منصة تويتر في إكساب الرئيس السابق دونالد ترمب تأثيراً كبيراً في توجيه الرأي العام حتى وصل الأمر إلى درجة أن أي شخص يريد أن يعرف آخر قرارات الرئيس عليه أن ينظر إلى حسابه على توتير وليس إلى الملخص الإعلامي للمتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض. وهل أكثر طرافة من أن يعلم وزير خارجيته ريكس تيلرسون بخبر إقالته عبر تويتر قبل أن ينقل عبر القنوات الرسمية ووسائل الإعلام؟!

النزعة نحو العمل العام تنامت في الآونة الأخيرة بين أساطير التكنولوجيا والمال. ورغم أن التعبير عن هذه النزعة المخيفة لم يأتِ صراحة، غير أن التلميحات تكفي للإفصاح عن توجه يأخذ في التصاعد رويداً رويداً. ربما يعني هذا التوجه أن هؤلاء الأساطين لم يعد يروق لهم أن يمارسوا النفوذ السياسي من خلال جماعات الضغط، بل يريدون أن ينزلوا إلى الميدان بأنفسهم. هذا فضلاً عن أن العديد منهم مثل جيف بيزوس –أسطورة أمازون– يرون أن الحل السحري للعديد من المشكلات السياسية يكمن في تدخلهم المباشر. تعكس هذه الرؤية تدخله المباشر سابقاً لإنقاذ صحيفة واشنطن بوست من الإفلاس وتعافيها بهذا الشكل الذي اعتبره خدمة جليلة للديمقراطية من خلال الحفاظ على واحدة من أبرز منابرها.

حملت تغريدات بيزوس مؤخراً تلميحات حول اهتمامه المتزايد بالشأن العام، وكانت النبرة التي جاءت بها هذه التغريدات تشي بضيق الرجل من الإجراءات التي تتخذها حكومة الرئيس بايدين في معالجة بعض القضايا الاقتصادية والسياسية الملحة مثل أسعار الفائدة العالية.

في إحدى تغريداته رداً على بايدن قال بيزوس إن "مجلس المعلومات المضللة Disinformation Board الذي جرى إنشاؤه حديثاً يحتاج إلى مراجعة (تغريدة الرئيس)، أو ربما يحتاجون إلى تشكيل مجلس جديد غير متسلسل بدلاً من ذلك. زيادة الضرائب على الشركات أمر جيد للمناقشة. ترويض التضخم أمر بالغ الأهمية للمناقشة. دمجهما معاً هو مجرد توجيه خاطئ". وكان الرئيس بايدن قد غرد بضرورة أن تدفع الشركات الأغنى نصيبهم من الضرائب إذا كانت توجد نية لخفض التضخم في البلاد.

وفي تغريدة أخرى وجه بيزوس انتقاده إلى إدارة بايدن حول حزمة الحوافز الاقتصادية التي أقرتها إدارته من أجل مساعدة الشرائح الأقل دخلاً من المجتمع الأمريكي للتغلب على الصعوبات الاقتصادية. منبع انتقاد بيزوس هو أن هذه الحوافز من شأنها أن تزيد من معدلات التضخم المرتفعة أصلاً. وقد أبدى تقارباً في هذا الموقف مع موقف السيناتور الديمقراطي عن غرب فيرجينيا جو مانشين الذي صوت بالرفض لمشروع الرئيس بايدن المسمى Build Black Better (والمعروف اختصار BBB)، وهو المشروع الأبرز على أجندة الرئيس الاقتصادية والتي يريد منها تحفيز الاقتصاد وتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي من خلال ضخ مليارَي دولار في مشاريع البنى التحتية.

وهذا يقودنا إلى التساؤل حول الموقف أو المبدأ السياسي لمثل هؤلاء الأساطين الأكثر ثراء إذا ما كان واضحاً؟ أخشى أن الإجابة: "لا". موقف بيزوس السابق يدل على تضارب ما بين موقفين متعارضين من الأساس هما يمين اقتصادي ويسار سياسي. لا شك أن بيزوس من الناحية السياسية يقف على يسار الحلبة السياسية ويعتبر داعماً تقليدياً للحزب الديمقراطي، وهو الحزب المرجح أن يستخدمه بيزوس جسراً إلى المنصب السياسي إذا ما قرر خوض حلبة السياسة بشكل مباشر لزيادة نفوذه ومكانته الاجتماعية. ولكنه (أي بيزوس) جمهورياً إذا ما كان الحديث يدور عن نزعته الاقتصادية. فهو ضد فرض مزيد من الضرائب على الشركات الأكثر ثراء، وأحد أبرز المعارضين لأي تنظيمات عمالية.

الأكثر ازعاجاً هو أن هؤلاء الأساطين يفكرون بالسياسة بمنطق رجال الأعمال. هنا نحن أمام ديمقراطية برسم البيع. ليس علينا أن نذهب إلى الوراء بعيداً للتأكد من هذه الحقيقية. مايك بلومبيرج، رجل الأعمال والملياردير المعروف وعمدة نيويورك السابق، أنفق (حسب مجلة فوربس) ما يقرب من مليار ومئة مليون دولار من أمواله الشخصية على حملته الرئاسية قبيل انتخابات 2020 قبل أن ينسحب من السباق تاركاً الساحة للرئيس بايدن. كان هذا المبلغ صادماً حتى لأقرب المطلعين على سجل الإنفاق على الحملات الانتخابية. ليس هذا وحسب، فقد أنفق الرجل 150 مليون دولار لاحقاً لدعم حملت الرئيس بايدن وحملة مرشحين ديمقراطيين آخرين.

سيكتب الكثير حول مضار أن تتحول اللعبة السياسية إلى لعبة قمار لمن يملكون الثروة. وإذا كنا نعيش آثار هذه المضار حالياً من خلال تعزيز التوجهات النيوليبرالية والتي أسفرت عن فجوة هائلة في عدم المساواة الاقتصادية، فإن هذه المضار سوف يتعزز عندما تصبح السياسة مجرد خادمة مطيعة تحت أقدام الرجال الأكثر ثراء على الكوكب.

ليس شرطاً أن يشفع نجاح جيف بيزوس وإيلون ماسك وغيرهما في عالم الأموال والتكنولوجيا للمراهنة على نجاحهم في حلبة السياسة ودهاليزها المعقدة. في السابق جاء الرئيس ترمب من ذات العقلية، عقلية رجال الأعمال والمال. وقد رأينا كيف تحولت السياسة معه إلى مجرد شبكة من الصفقات تهدد مصائر ملايين الشعوب. وهل كانت أزمة حصار قطر عام 2017 إلا نتاج مثل هذه الصفقات؟!

بطبيعة الحال يوجد فرق كبير بين الشخصيات المذكورة آنفاً، ولكن الخشية أن يكون المنطق الذي يحكمهم واحداً. وعند الحديث عن إكراهات النظام، يمكن أن تتلاشى تأثير الفروقات الشخصية. يمكن لهؤلاء الرجال ورغم الفروق في شخصياتهم أن يتصرفوا بطريقة متشابهة نوعاً ما إذا ما وضعوا في ذات المنصب. بطبيعة الحال من الصعب التنبؤ بما ستؤول إليه الأمور، لكن مبدئياً وحسب ما قال هاميلتون نولان في مقالته في الغارديان والتي حملت عنوان: أوه لا. هل جيف بيزوس يستعد للترشح لمنصب؟: "استمر فقط باللعب بصواريخك يا جيف. كلما ابتعدت عن الأرض، كان ذلك أفضل للجميع". وأنا أقول ذات الشيء لإيلون ماسك: العب بعيداً. اذهب إلى المريخ .. يوجد متسع كافٍ لك ولصواريخك".

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي