عصر التسريبات.. من فيسبوك إلى كلاب هاوس
أصبح شائعاً في الأدبيات التكنولوجية في الوقت الحالي ذلك الخلاف الحاصل بين المختصّين حول تسمية هذا العصر الذي نعيش فيه.
أشخاص يقفون مع أجهزة الكمبيوتر المحمولة أمام شعار Facebook في هذه الصورة التوضيحية التي تم التقاطها في Zenica (Reuters)

فهناك مَن يذهب إلى أنّ المصطلح الأنسب لوصف هذا العصر هو وسمه بالعصر الرقمي، وآخرون بالعصر التكنولوجي، أو عصر تكنولوجيا المعلومات، أو العصر السايبراني، أو عصر الإنترنت، وهكذا. ولكنْ ماذا عن عصر التسريبات أو ما يمكن أنْ يُطلق عليه بـThe Age of Leaks؟

لوهلة يبدو المصطلح غريباً، غير أنّ عملية تصفّح سريعة لعناوين الأخبار في اليومين الأخيرين، تكشف لنا أننا فعلاً بصدد ظاهرة تسريب البيانات الشخصية لمستخدمي العديد مِن التطبيقات الرقمية كفيسبوك، ولينكد-إن، وكلاب هاوس وغيرها، بشكل يجعل الأمن الشخصي لهؤلاء المستخدمين في خطر.

وهنا لا يجد المستخدم نفسه ضحيةَ التلصص على بياناته، من الشركات التكنولوجية المعنية أو من الحكومات لاستخدامها إمّا في تضخيم العائد الاقتصادي لهذه الشركات، أو التضييق على الحريات الشخصية وحفظ الأمن كما تدعي الحكومات، وحسب، بل أيضاً ضحية تسريب هذه البيانات الشخصية مِن مجموعة من الهاكرز (القراصنة) الهواة أو المحترفين، الذي يستثمرون في نقاط الضعف، أو الثّغرات التي ما زالت موجودة على هذه المنصات والتطبيقات الرقمية. وقد أصبحت ظاهرة القرصنة واسعة الانتشار بشكل يثير القلق.

وهذا الانتهاك المزدوج لبيانات المستخدمين الخاصة سواء عن طريق التلصص/المراقبة، أو عن طريق التسريب إنّما يضع الأمن الشخصي لهؤلاء الأفراد، وخصوصياتهم في خطر. لم يعد أحدٌ يأمن على حياته لأنّه لم يعد يعرف لأيّ جهة آلت بياناته الشخصية. لقد أصبحت هذه البيانات الشخصية، والتي تشتمل على الأسماء، وعناوين البريد الإلكتروني، وعناوين السّكن وغيرها، متاحة على الإنترنت مجاناً لأيّ جهة تريد استخدامها سواء في عمليات اعتداء جسدية، أو في عمليات انتحال للشخصية أو سرقة الهويات، والابتزاز.

صورة توضيحية لتطبيق الصوت الاجتماعي كلاب هاوس  (Reuters)

ونحن هنا لا نتحدث عن عمليات تسريبٍ محدودةٍ تجري على نطاق ضيّق، بل عمليات واسعة على نطاق شامل. وقد بدأ مسلسل التسريبات الأحدث في الأيام الأخيرة الماضية مع فيسبوك والتي قام أحد الهاكرز من متوسطي المستوى باستغلال ثغرة في الشبكة استطاع من خلالها تسريب بيانات 533 مليون من المستخدمين، من 106 دول بما في ذلك أكثر من 32 مليون مستخدم من الولايات المتحدة الأمريكية، و11 مليون في المملكة المتحدة، و6 ملايين في الهند. وتتضمن البيانات المسرّبة أرقام الهواتف، ومعرّفات Facebook والأسماء الكاملة والمواقع وتواريخ الميلاد والسير والتحرك، وفي بعض الحالات، عناوين البريد الإلكتروني.

والصّدمة هنا هي أنّ الثغرة التي استغلها هذا الهاكر، واستطاع مِن خلالها تسريب هذا الكم الهائل من البيانات، كانت معروفة لدى فيسبوك منذ عام 2019، ولم تبذل من الجهد ما فيه الكفاية من أجل إصلاحها قبل الحادثة، وهذه الثغرة تتعلق بخاصيّة دعوة الأصدقاء Contact Import Feature.

هذا التقاعس من فيسبوك يذكّرنا أيضاً بالتقاعس السّابق الذي أدى فيه إهمال الشّركة في التعاطي مع سياسة الخصوصية إلى فضيحة كامبريدج أناليتيكا، والتي تسببت أيضاً بالكشف عن البيانات الشخصية لملايين المستخدمين في الولايات المتحدة، والتي خضعت لاستغلال شركات الدعاية والإعلان من أجل القيام بإعلانات موجهة ومدفوعة الأجر لاستهداف الناخبين في الانتخابات الأمريكية 2016 دعماً للرئيس السابق دونالد ترمب الذي كان يخوض سباق الرئاسية ضد المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون.

في السياق نفسه، أكد موقع Cyber News، أنّ بيانات أكثر من 500 مليون مستخدم على منصّة لينكد إن Linkedin قد سُرّبت، وعُرضت على إحدى منصّات القرصنة لأجل البيع. وإذا علمنا أنّ عدد مستخدمي منصة لينكد إن هو 740 مليون مستخدم، فإنّ هذا التسريب يشمل ما يقرب من ثلاثي مستخدمي المنصة، ولا شكّ أنّ هذا رقم صادم. وقد تضمّنت البيانات المسربة الـIDs لهذه الحسابات، والأسماء الكاملة لأصحابها، وعناوين بريدهم الإلكتروني، وأرقام هواتفهم، ومعلومات عن مكان عملهم، والجنس، وروابطهم مع حسابات السوشيال ميديا الأخرى.

وليس بعيداً عن هذا التسريب الأخير، كان التسريب الذي ادعت بعض المواقع أنّه وقع على تطبيق كلاب هاوس Clubhouse، وهو التطبيق المتخصّص في التواصل الصوتي بين الأصدقاء. وشمل التسريب بيانات أكثر من مليون و300 ألف مستخدم. وقد نفت شركة كلاب هاوس ما أُشيع عن قرصنة محتملة لمنصّتها وذلك من خلال تصريح نشرته على حسابها على تويتر حيث قالت الشركة إنّ هذه الأخبار "مُضللة وخطأ، لم يتم التسلل إلى كلاب هاوس أو اختراقه. البيانات المشار إليها ما هي إلا معلومات الملف الشخصي العامة من تطبيقنا، والتي يمكن لأي شخص الوصول إليها عبر التطبيق، أو عبر الـAPI".

صورة توضيحية لتطبيق لينكد-إن (Others)

وبالرغم من هذا النّفي الذي يُعدّ مطمئناً نوعاً ما، إلا أنّ القلق ما زال يساور الكثير مِن مستخدمي التطبيق، الذي انطلق في شهر مارس/آذار 2020، خصوصاً في المنطقة العربية حيث بات المتنفّس الذي يلجأ إليه العديد مِن الناشطين مِن أجل الحديث عن القضايا التي تشغل بالهم. وقد برزت بدايات اهتمام الحكومات بمراقبة التطبيق مِن خلال بعض التكتيكات التي تتعلق بزراعة بعض الآذان القريبة منها، والتي تقوم بتسجيل الحوارات، وأسماء المحاورين، وتسريبها إلى الجهات المعنية، وهو الأمر الذي أخبرتني به إحدى الناشطات من دولة عربية شقيقة.

إنّ عصر التسريبات، والذي وجد بداياته مع تسريبات wikileaks، مطلع هذه الألفية، إنّما يأخذ في الاتّساع والشمول، وإذا كانت تسريبات Wikileaks، هي تسريبات احترافية وتشكّل إحدى تمظهرات الإعلان في عصر الإنترنت، فإنّ التسريبات التي يقوم بها القراصنة مِن شأنها تشكيل تهديدٍ جوهريٍ للمستخدمين، وتصيب أمنهم الشخصي والعائلي في مقتل، لذلك يجب زيادة الوعي بهذه الظاهرة الخطيرة، والدعوة المستمرة إلى جعل شركات تكنولوجيا المعلومات أكثر مسؤولية تجاه بيانات المستخدمين وخصوصياتهم.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عنTRTعربي.

TRT عربي