في الواقع، كان من المفاجئ للغاية أن يتخذ حزب الشعب الجمهوري هذه الخطوة، لأنَّه كان يتبع نهجاً أكثر توازناً تجاه القضية السورية طوال العامين الماضيين. بيد أنَّ بعض الأحداث الأخيرة في السياسة الداخلية في تركيا والموقف السياسي المتغير لحزب الشعب الجمهوري بعد الانتخابات المحلية الأخيرة هما من أسباب التغيُّر اللافت للنظر في سياسته تجاه سوريا على ما يبدو.
ولفهم التقلبات المستمرة في سياسة حزب الشعب الجمهوري تجاه سوريا استناداً إلى قوته المتغيرة في السياسة الداخلية في تركيا، ينبغي إجراء فحصٍ أدقّ لمنعطفات التغير في السنوات التسع الماضية.
فبعد بداية الحرب السورية انتقد الحزب أي تدخلات عسكرية في سوريا بشدة. وعلى الرغم من إصرار الحزب على أنَّه كان غير منحاز لأيٍّ من نظام الأسد والمعارضة السورية، فمن الواضح أنَّه كان أقرب إلى نظام الأسد منه إلى المعارضة. وكان اقتراح الحزب بشأن حل النزاع السوري هو وجود آلية لتقاسم السلطة تضم جميع الأطراف، بما في ذلك نظام الأسد.
يصر حزب الشعب الجمهوري في الوقت الحاضر على أنَّ الأسد يجب أن يشارك في عملية التوصُّل إلى حلٍّ في سوريا.
وفي هذا الوقت، عُقِد لقاءان شخصيان بين الأسد وممثلي حزب الشعب الجمهوري. وكانت أول زيارة رسمية أجراها ممثلو الحزب للأسد في عام 2011، ثم أعقبتها زيارات أخرى في عامي 2012 و2013. ووفقاً للتقرير الذي أعده مجلس إدارة الحزب في عام 2013، أظهر الحزب دعمهم الكامل للأسد للتعاون في بعض القضايا التي تشمل الهجرة والصحفيين الأتراك المسجونين في سوريا. وكذلك أجرى الأسد لقاءً مع قناة الحزب في ذلك الوقت.
وجاء أول تغيُّر في سياسة الحزب تجاه سوريا بعدما استخدمت قوات النظام السوري أسلحةً كيماوية في عام 2013. فبعد هذا الحادث صرّح ممثلو الحزب بأنَّهم ليسوا متيقنين تماماً ممَّا إذا كان النظام نفسه هو الذي استخدم هذه الأسلحة ضد المدنيين. ولكن نظراً إلى أنَّ هذا الحادث أثار رد فعل هائلاً في جميع أنحاء العالم ضد الأسد، جمَّد الحزب تعاملاته المباشرة مع النظام السوري، واتَّبع نهجاً أكثر توازناً بين عامي 2013 و2016.
ثم حدث التغيُّر البارز الثاني في عام 2016 بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا. ففي أعقاب هذه المحاولة تَوصَّل حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية إلى حلٍّ وسط بشأن سياسة تركيا تجاه سوريا والشؤون التركية الداخلية. وعلاوة على ذلك أصبح صعود القومية في السياسة الداخلية لتركيا أحد العوامل التي تُحدِّد طريقة التعامل مع قضايا السياسة الخارجية بعد عام 2016. ونتيجة للآثار المتزايدة لصعود القومية في السياسة التركية، بدأ حزب الشعب الجمهوري في دعم مطالب تركيا تدريجياً، لا سيما في السياسة الخارجية.
وكان من نتائج هذا التغيير الهائل أنَّ الحزب دعم حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية في إجراء عمليات عسكرية في سوريا على الحدود بين البلدين. وبفضل هذا الدعم وافق البرلمان التركي على قرارٍ يمنح الحكومة الإذن لإجراء عمليات عسكرية عبر الحدود في سوريا والعراق. ومع ذلك أكد الحزب أنَّه ما زال لديه بعض التحفظات على هذه العمليات.
ولكن يبدو أنَّ تحفُّظات حزب الشعب الجمهوري على سياسة تركيا تجاه سوريا قد اختفت قبل الانتخابات المحلية التي عُقِدت في 31 مارس/آذار الماضي. ففي المدة التي سبقت الانتخابات والوقت الذي أعقبها، أظهر الحزب التزاماً قويّاً لدعم عمليةٍ عسكرية محتمَلة عبر الحدود في سوريا.
التحول الأخير في سياسة حزب الشعب الجمهوري تجاه سوريا يرتبط بديناميات الشؤون السياسية الداخلية في الأشهر الأخيرة.
إذ أكَّد كمال قليجدار أوغلو أنَّ حزب الشعب الجمهوري سيدعم عمليةً عسكرية محتمَلة في شرق الفرات من أجل القضاء على تنظيم PYG الإرهابي. والسبب الأول في هذا الدعم هو التحالف بين حزب الشعب الجمهوري وحزب إيي القومي، الذي دعم كذلك العمليات العسكرية التي تنفّذها الحكومة التركية في سوريا، قبل الانتخابات، أما السبب الثاني فهو التأثير المتزايد للقومية في الأجندة الداخلية التركية.
أمَّا التحول الأخير في سياسة حزب الشعب الجمهوري تجاه سوريا، فيرتبط بديناميات الشؤون السياسية الداخلية في الأشهر الأخيرة، منذ أن عزَّز الحزب قوته في الانتخابات المحلية الأخيرة، بدأ يتصرف تماشياً مع نهجه القديم تجاه القضية السورية.
ومن ثَمَّ يصر الحزب في الوقت الحاضر على أنَّ الأسد يجب أن يشارك في عملية التوصُّل إلى حلٍّ في سوريا، لذلك سيدعو الحزب ممثلي نظام الأسد لحضور مؤتمر يعقده بشأن القضية السورية. ولكن من الواضح أنَّ موقف الحزب ما زال متأثراً جزئيّاً بالنزعة القومية لأنَّه لن يدعو أي ممثلين عن وحدات PYG الإرهابية لحضور المؤتمر.
ونظراً إلى كل هذه الأسباب، فمن الضروري تقييم التحول الأخير في سياسة حزب الشعب الجمهوري في سوريا من منظورٍ تاريخي، إذ نجد أنَّ السياسة المتغيرة لحزب الشعب الجمهوري دائماً تتحدَّد وفقاً لوضعه في الساحة السياسية الداخلية في تركيا. لذلك ينبغي ألَّا نُفاجَأ إذا رأينا مزيداً من التحولات في سياسة الحزب تجاه سوريا.
جميع المقالات المنشورة تعبِّر عن رأي كُتَّابها ولا تعبِّر بالضرورة عن TRT عربي.