وكانت قائمة المرشحين للرئاسة التي أقرّها مجلس صيانة الدستور في الأسبوع الماضي مفاجئة للمراقبين وصادمة للإصلاحيين، وذهبت آمالهم أدراج الرياح بعد رفض المرشد خامنئي دعوة الرئيس روحاني والعديد من الشخصيات المتنفذة إلى إصدار مرسوم تنفيذي بإضافة بعض المرشحين الذين تم استبعادهم إلى القائمة كما حصل في انتخابات العام 2005.
البحث عن مرشح
منذ انتهاء الولاية التشريعية الثانية للرئيس محمد خاتمي الذي يُعتبر الأب الروحي للتيار الإصلاحي عام 2005، شهد التيار وما زال أزمة تتمثل في عدم التمكن من إعداد شخصية وازنة يمكنها أن تحلّ محلّ خاتمي وتملأ مكانه. برزت هذه الأزمة بوضوح في انتخابات العام 2013، ما جعل التيار يقبل بتنحِّي مرشحه محمد رضا عارف نائب خاتمي، ويصطفّ خلف حسن روحاني القادم من خلفية أمنية.
ورغم مضي نحو ثماني سنوات على ذلك، لم يتمكن التيار من إعداد شخصية يمكن الرهان عليها للفوز في الانتخابات المزمعة في 18 من يونيو/حزيران الجاري. لذلك راهن قبل شهور على خيارين يمكن أن يعزّزا فرصه في الفوز بالانتخابات: الأول حفيد مؤسس الجمهورية الإسلامية حسن الخميني رغم أنه لا يملك رصيداً سوى نسبه إلى الخميني ولم يتولَّ أي منصب سوى الإشراف على مرقد جده. سقط هذا الخيار بعد الإعلان عن امتثاله لتوجيه المرشد بعدم الترشح للانتخابات.
كان الخيار الثاني وزير الخارجية الحالي جواد ظريف، رغم أنه لا ينتمي إلى التيار الإصلاحي، بل يوصف بأنه تكنوقراطي. صحيح أن ظريف أبدى زهده في المنصب، لكن كان العديد من المؤشرات يدلّ على رغبته بخوض الانتخابات. بَيد أن نشر التسريب الصوتي له نسف حظوظه في خوض المنافسة ودفع الإصلاحيين إلى التفكير بخيارات أخرى.
مواضيع ذات صلة:
قُبيل الانتخابات توصلت جبهة "إصلاحات إيران"، وهي أكبر تجمع للأحزاب الإصلاحية والمعتدلة، إلى قائمة من تسعة مرشحين للانتخابات، على أمل عبور بعضهم من فلتر مجلس صيانة الدستور.
لم يكن لدى الجبهة شكوك بتأييد بعض مرشحيها وعلى رأسهم إسحاق جهانغيري معاون الرئيس روحاني، الذي كان المجلس قد وافق على طلب ترشحه للانتخابات الرئاسية عام 2017. كانت صدمة الجبهة كبيرة برفض مرشحيها التسعة جملة واحدة، وربما كانت أكبر برفض المرشح علي لاريجاني الذي يوصف بأنه محافظ "معتدل" والذي كانت تعوّل عليه في حال رفض مرشحيها البارزين.
موقف التيار الإصلاحي تجاه الانتخابات
إن استبعاد مجلس صيانة الدستور مرشَّحي جبهة الإصلاحات من قائمة المرشحين لا يعني أن القائمة خلت من أبناء هذا التيار، فقد وافق المجلس على طلب مرشحَين اثنَين من أبناء التيار، وإن كانا لا يحظيان بثقل وازن فيه، وتَقدَّما بطلباتهما للترشح بمعزل عنه.
شغل المرشح مهر علي زاده منصب معاون رئيس الجمهورية في عهد خاتمي، وأراد روحاني تعيينه محافظاً لأصفهان. أما المرشح الآخر عبد الناصر همتي فهو محافظ البنك المركزي في حكومة روحاني وعضو اللجنة المركزية لحزب كوادر البناء، أحد الأحزاب الأعضاء في جبهة الإصلاحات، رغم أنه بدا بعيداً عن السياسة في السنوات الأخيرة.
إثر الإعلان عن قائمة المرشحين وجّهَت قيادات التيار الإصلاحي انتقادات حادة إلى أداء مجلس صيانة الدستور، كما أصدرت جبهة الإصلاحات بياناً أكدت فيه أنها لا تملك مرشحاً لتقدمه للشعب.
تشير هذه المواقف إلى غضب التيار الإصلاحي وحالة الإرباك التي أصيب بها، لكنها لا تعني أبداً أنه سيقاطع الانتخابات، بل يتوقع أن يتوجه زعيم الإصلاحيين خاتمي صبيحة يوم الانتخابات للإدلاء برأيه من منطلق أن مقاطعة الانتخابات تتنافى مع المصلحة الوطنية، وأن الطريق الوحيد للإصلاح هو صندوق الانتخابات. من خلال قراءة ردود أفعال معسكر الإصلاحيين يتضح أن فيه توجهات متعددة.
مواضيع ذات صلة:
الفريق الأبرز من الإصلاحيين يرى أنه ينبغي الرد بقوة على قرار مجلس صيانة الدستور، لكن ليس من خلال الانسحاب من المشهد السياسي ومقاطعة الانتخابات التي تفتقر إلى الحدّ الأدنى من المنافسة والنزاهة، ونتائجها شبه محسومة برأيهم، بل عبر "المشاركة غير الفاعلة" من خلال التصويت بورقة بيضاء احتجاجاً على قرار السلطات، وبهذا ستصل رسالتهم إلى النظام بأنه لا ينبغي تجاهلهم أو استبعادهم من السلطة.
في المقابل يعارض الفريق الثاني المقترح السابق، ويرى أنه لا ينبغي ترك الساحة خالية للمحافظين، بل يجب استغلال الفجوات الموجودة. ويعتقد أن المشاركة الواسعة في الانتخابات وإقناع المترددين في التصويت عبر الإدلاء بآرائهم لغير مرشح السلطة -وإن كان من المحافظين أنفسهم- يمكن أن يقلب المعادلة ويطيح بمخططات النظام. يعمد هؤلاء إلى تخويف الناخبين من مرشح السلطة الأبرز إبراهيم رئيسي لدفعهم إلى صناديق الاقتراع.
فضلاً عن الفريقين المذكورين، تنتمي أحزاب وجماعات ظاهرياً إلى التيار الإصلاحي، لكنها تدعم إبراهيم رئيسي بصفته "مرشحاً مستقلّاً"، فعلى سبيل المثال أعلن الأمين العامّ لحزب الشعب الإصلاحي زارع فومني دعم حزبه لرئيسي، ووصفه بالرئيس المصلح.
أسباب استبعاد التيار الإصلاحي
عدة أسباب قد تكون وراء قرار النظام استبعاد الإصلاحيين و"المعتدلين" من المشهد السياسي في البلاد، رغم الآثار السلبية التي يمكن أن يخلّفها القرار. فقد لعب التيار الإصلاحي منذ صعوده للسلطة دوراً مهماً في حماية النظام، وكان بمثابة صمام أمان له في وجه الحركة المجتمعية الراغبة في التغيير والإصلاح، لكن الاحتجاجات التي شهدتها البلاد في بداية العام 2018 ونهاية العام 2019 أوصلت النظام إلى قناعة مفادها أن هذا التيار فقد فاعليته في أداء المهمة التي يرجى منه تحقيقها على الصعيد الداخلي، ولذلك لا فائدة من منحه جزءاً من كعكة السلطة.
بالإضافة إلى خشية النظام من فقدانه السيطرة على الأمور في اللحظات المفصلية كوفاة المرشد، ولذلك يريد المجيء بالقوى الأكثر ولاءً للعبور من هذه المرحلة بأقلّ الأضرار الممكنة. وأخيرا، الخشية من زيادة الضغوط الدولية والرغبة بتوحيد الجبهة الداخلية وإلجام الأصوات المغايرة.
ما التوقعات؟
يبذل كل من علي زادة وهمتي جهوداً لإقناع الإصلاحيين بالوقوف خلفهما، ويبدو أن حظوظ الأخير أكبر من حظوظ زميله، وأنه في طريقه للحصول على أصوات شريحة واسعة من الإصلاحيين بعد إعلان حزب كوادر البناء -مجمع قوى خط الإمام وحزب نداء الإيرانيين- دعمه.
وعلى الرغم من أن سجلّ همتي لم يكن ناصعاً في أثناء رئاسته البنك المركزي، فإنه قدّم أداءً لا بأس به في الأيام الأولى من الحملة الانتخابية وحاول الظهور بمظهر يختلف عن باقي المسؤولين.
قد يزداد هذا الدعم في الأيام القادمة إذا تَمكَّن همتي من تقديم أداء جيد في المناظرات الانتخابية وإذا أظهرت استطلاعات الرأي مؤشرات مشجعة في تحسن فرصه. إذا تبين لـ"جبهة الإصلاحات" أن همتي قادر على إقناع شريحة كبيرة من الناخبين بالتصويت له، فستقف خلفه بصورة مباشرة أو غير مباشرة، لكن استطلاعات الرأي لا تُظهِر حتى الآن رغبة بمشاركة واسعة في الانتخابات. إن المشاركة الواسعة في الانتخابات -في حال حصولها- ستزيد فرص الإصلاحيين وقد تُطيح بخطط النظام، ولذلك سيسعى لعدم حدوثها.
جميع المقالات المنشورة تعبّر عن رأي كُتّابها ولا تعبّر بالضرورة عن TRT عربي.