أوروبا وPKK.. عندما تكون محاربة الإرهاب على المقاس
أن تعلن دولة ما أنها تدافع عن حقوق الإنسان وتحارب الانتهاكات ضد الإنسانية، فعليها في البداية العمل على إزالة المسببات التي أدّت إلى تلك الانتهاكات، لا رعايتها وتنميتها.
شعار مليشيا PYD الإرهابية مطبوعا على بندقية  (AA)

تلك من بديهيات وأولويات العمل في مكافحة الإرهاب، فكيف بدول أصبحت تُصدِر قوائم وتقارير تصنّف فيها مدى التزام الدول الأخرى في مجال حقوق الإنسان؟

منذ تشكيل حزب PKK المصنَّف على لوائح الإرهاب، تحتضن الدول الأوروبية قياداته، وترعى المشاريع الاقتصادية التي تغذّي عملياته الإرهابية، بل وتسمح بجمع الأموال ونقلها إلى مقراته في جبال قنديل، على الرغم من أنها تصنّفه على لوائح الإرهاب.

تطول القائمة، لو أردنا الحديث عن إرهابيين تحتضنهم أوروبا، ابتداءً من الرئيس المشترك لمجلس سوريا الديمقراطية التابع لمليشيا PYD الإرهابية رياض درار، وليس انتهاءً بالناطق باسم مليشيا YPG الإرهابية نوري محمود الذي ترعرع وسط تنظيم PKK الإرهابي في جبال قنديل، إذ أطلّ علينا مؤخراً في صورة يقف فيها بجانب برج إيفل في باريس، ثم استضافته القنوات الفرنسية متحدثاً وناطقاً باسم التنظيم.

تطول القائمة أكثر وأكثر لو أردنا الحديث عن عدد اللقاءات التي أجراها قيادات من تنظيم PKK الإرهابي مع مسؤولين أوروبيين، ابتداءً من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وليس انتهاءً بأصغر مركز دراسات في أوروبا.

وأما القائمة التي لا تنتهي فهي حجم الجرائم بحقّ الإنسانية وجرائم الحرب التي ارتكبها هؤلاء الذين يعيشون تحت رعاية وحماية حكومات دول أوروبية، منحتهم إقامات وحقّ لجوء وسمحت لهم بعبور مطاراتها، غير آبهةٍ بحجم الخطر الذي يشكّلونه على الأمن القومي وللمواطنين في الدول التي تتقاطع معها في فكرة مكافحة الإرهاب لضمان حقوق الإنسان.

كل ذلك يأتي في الوقت الذي تشكّل فيه الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا تحالفات دولية تقول إنّها للقضاء على الإرهاب، في أفغانستان والعراق وسوريا ودول أخرى، والسؤال هنا: ما المعايير التي تستند إليها تلك الدول في تصنيف الإرهابي وغير الإرهابي؟

لا أتحدث طبعاً عن صراعات سياسية بين حكومتين أو دولتين أو حتى مجموعة دول، بل الحديث ينحصر حول انتهاكات ضد الإنسانية يجب مكافحتها ومحاسبة مرتكبيها، فماذا لو رعت دولة كبرى من دول الشرق الأوسط تنظيم القاعدة في أفغانستان، وسلّحته ودربته لاحتلال جزء من دولة ما، وسمحت له بتجنيد الأطفال واستباحة المنازل والأراضي وإخفاء سكان تلك المنطقة الأصليين قسراً؟ هل كانت ستصمت أوروبا أو الولايات المتحدة؟ هذا بالضبط ما يفعله الغرب وتفعله وأوروبا مع PYD التابع لتنظيم PKK الإرهابي في سوريا والعراق ودول أخرى، فلماذا على الدول المتضررة الصمت عن هذا؟ ولماذا عليهم القبول بذلك؟

قُبيل انطلاق عملية نبع السلام شمال شرق سوريا، التي حققت ملاذاً آمناً للمدنيين الذين كانوا يرزحون تحت سطوة ميليشيا PYD الإرهابية، وعلى الرغم من وجود عشرات التقارير لمنظمات حقوقية دولية عن انتهاكات لحقوق الإنسان ارتكبها التنظيم الإرهابي في المنطقة، دعت السويد الاتحاد الأوروبي إلى فرض حظر أسلحة على تركيا خلال العملية، ووقفت الصادرات العسكرية، ولم تكتفِ عند هذا الحد، بل عقد وزير الدفاع السويدي بيتر هولتكفيست اجتماعاً مع زعيم المليشيا "مظلوم عبدي" شاهين عبر الإنترنت، وقال له إنهم على استعداد للتعاون معهم ومساعدتهم لفترة طويلة.

الأمر الأشدّ عجباً، أن ترعى السويد مؤتمر ستكهولم للشخصيات تقول إنها من المعارضة السورية في 14 و15 مايو/أيار الماضي لمناقشة إحلال السلام في سوريا، وتدعو لهذا المؤتمر أعضاءً من مجلس سوريا الديمقراطية التابع لمليشيا PYD، عُرف منهم إلهام أحمد ورياض درار وحسن محمد علي وزوزان علوش ورناس سينو وجهاد عمر ومجدولين حسن وصلاح فرحو، والمفارقة هنا أن تعتبر السويد مليشيا تتبع تنظيم PKK الإرهابي، جزءاً من صناعة السلام والحرية، وتفتتح لها أكثر من 40 منظمة وجمعية لجمع التبرعات بهدف تمويله، في الوقت الذي تسعى فيه للانضمام إلى حلف الناتو الذي يضمّ تركيا.

في إطار تشديد الأمم المتحدة على احترام حقوق الإنسان، أصدرت لجنة حقوق الإنسان قراراً في دورتها السادسة والخمسين ينصّ في مادته الأولى على "الإدانة القاطعة لكل أعمال الإرهاب وأساليبه وممارساته، بصرف النظر عن دوافعها، وبجميع أشكالها ومظاهرها، أينما ارتُكبت وأيّاً كان مرتكبوها، بوصفها أعمالاً ترمي إلى هدم حقوق الإنسان والحريات الأساسية والديمقراطية، وتهدّد السلامة الإقليمية للدول وأمنها، وتزعزع استقرار الحكومات المشكَّلة بالطرق المشروعة، وتقوّض أركان المجتمع المدني التعدُّدي وسيادة القانون، وتُحدِث آثاراً ضارة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية للدولة". وفي مادته الثانية ينصّ على "إدانة انتهاكات الحقّ في العيش دونما خوف والحقّ في الحياة والحرية والأمن".

وهنا يجدر القول إنّ أول من خالف هذا القرار هو بعض الدول التي وقّعَت عليه، فالمطّلع على الرعب الذي تسبّبه التنظيمات الإرهابية من قبيل PKK وPYD للمدنيين في سوريا والعراق، فضلاً عن عملياتها الإرهابية التي أودت بحيات مئات، لا بد أن يتساءل،: كيف تحمي أوروبا هؤلاء؟ بل وتزوّدهم بالأسلحة وتدعم أنشطتهم الاقتصادية التي تمول تلك العمليات الإرهابية.

بناءً على كل ما سبق، ومن منطلق إنساني بحت، فإن خرق حقوق الإنسان ودعم الإرهاب لا ينحصر في مَن يُقدِم على الفعل، بل كما أسلفت فإنّ التقاعس عن القضاء على جوهر المشكلة هو دعم لتمدُّد الإرهاب وسماح بتغوُّله، فكيف بمن يدعم مرتكبي الجرائم ضدّ الإنسانية ومؤسسي التنظيمات الإرهابية والمنتمين إليها.

على أوروبا أن تراجع سياستها نحو هذا الأمر، فالنظام العالمي أمام تحوُّلات كبيرة، والدول التي كانت مضطرَّة إلى الصمت سابقاً أصبحت دولاً محورية ذات قوة ونفوذ في المنطقة، وما كان يمرّ سابقاً على مضض، لا يمكن تمريره اليوم ولو بالقوة.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.



TRT عربي