8 مليارات إنسان بنهاية العام.. كيف تشكّل الديموغرافيا مصير عالم منقسم؟
يشكل أحدث تقرير للأمم المتحدة عن السكان إضاءة رائعة على عالمنا المتغير الذي سيبلغ عدد سكانه 8 مليارات نسمة بحلول نهاية العام. سيكون لهذا التوجه آثار ضخمة على كيفية عيشنا مع بعضنا البعض.
تشير تقارير أممية إلى أن عدد سكان الأرض سوف يبلغ 8 مليارات مع نهاية العام الحالي (Others)

يشكل أحدث تقرير للأمم المتحدة عن السكان إضاءة رائعة على عالمنا المتغير الذي سيبلغ عدد سكانه 8 مليارات نسمة بحلول نهاية العام. سيكون لهذا التوجه آثار ضخمة على كيفية عيشنا مع بعضنا البعض.

تُظهر أزمة المناخ المتسارعة أن الزيادة البشرية في عدد السكان تتجاوز بشكل خطير القدرة الاستيعابية للكواكب. إن استقرار السكان أمر حيوي للحفاظ على مستقبلنا. تتوقع الأمم المتحدة أن هذا لن يحدث حتى عام 2080 وبحلول ذلك الوقت سيكون هناك 9.7 مليار نسمة يعيشون على كوكب الأرض.

كيف سنستمر على هذا المنوال طيلة هذا الوقت هو سؤال مفتوح. لكن الخبر السار هو أننا نسير على الطريق الصحيح مع انخفاض النمو السكاني إلى 1٪ خلال المائة عام الماضية. انخفض معدل خصوبة النساء في الانجاب إلى 2.3، ومن المتوقع أن ينخفض أكثر إلى 2.1 بحلول منتصف القرن. كما يجدر الاحتفال بأن المزيد منا أصبح يعيش حياة أطول؛ فقد بلغ متوسط العمر المتوقع 72.8 سنة وسيصل إلى 77.2 سنة بحلول عام 2050.

على الرغم من أننا نتجه في نهاية المطاف نحو التقارب في نهاية هذا القرن، إلا أن أقدارنا الديموغرافية تتباعد حاليًا. يشير هذا إلى عالم غير متوازن يتسم بقدر أكبر من عدم المساواة وعدم الاستقرار الناتج عن التركيبة المختلفة لشعوب الأرض.

يعيش الناس في البلدان الأقل نموا 7 سنوات أقل من المتوسط العالمي للأعمار لأن الفقر يثقل كاهلهم. وفي الوقت نفسه، لا تزال خصوبتهم مرتفعة، على سبيل المثال، تصل نسبة الخصوبة إلى 4.6 طفل لكل امرأة في سن الإنجاب في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى.

تكافح الدول التي تتمتع بنسب مرتفعة من الشباب من أجل تلبية احتياجاتهم التعليمية والصحية والتوظيفية وغيرها من الاحتياجات الأساسية. مع تضاؤل آفاق أهداف التنمية المستدامة، يزداد عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي في وقت كان فيه العالم على الأقل يسوده السلام منذ الحرب العالمية الثانية.

ولكن هناك بصيص أمل بالنسبة لأفريقيا جنوب الصحراء وأجزاء من آسيا والأمريكتين، حيث زيادة عدد السكان من ضمن فئة الأيدي العاملة (25-64 سنة) وهو ما يعني آفاق أكثر إشراقًا للنمو الاقتصادي. يتناقض هذا المؤشر الديموغرافي مع الانخفاض الديموغرافي في 61 دولة ذات تعداد سكاني منخفض، معظمها في أوروبا وأمريكا الشمالية.

سكان العالم يشيخون بشكل عام. بحلول عام 2050، سيكون واحد من كل ستة أشخاص قد تجاوز سن 65 سنة، وهو عدد يفوق عدد الأطفال دون سن الخامسة. سيتضاعف عدد الذين تزيد أعمارهم عن 80 عامًا إلى 459 مليونًا. تبلغ نسبة الإعالة الحالية 55 بالمائة، مما يعني أن شخصًا واحدًا من فئة اللذين لا يعملون أو من صغار السن ستتم إعالتهم من قبل شخصين من فئة القوى العاملة. كلما انخفض عدد الأشخاص الذين يدخلون مجموعة سن العمل ويزيد عدد المتقاعدين أثناء العيش لفترة أطول، تزداد التبعية.

سيكون لهذا التوجه آثار اقتصادية خطيرة. تحتاج الدولة الأغنى إلى إنفاق خُمس ناتجها المحلي الإجمالي على المعاشات التقاعدية والرعاية الطبية والاجتماعية للمسنين. وفي الوقت نفسه، يتم الضغط على تقليل المعروض من العمالة للعمل بجدية أكبر وإنتاجية أكبر مع تأخير التقاعد. هذا سيؤدي إلى زرع بذور الصراع ما بين الأجيال. تسبب أزمة التقاعد بالفعل اضطرابات في دول مثل فرنسا.

تاريخيا، تم حل الاختلالات السكانية من خلال الهجرة حيث انتقل فائض السكان إلى حيث كانوا في أمس الحاجة إليهم. وبالمثل، فإن الأشخاص الذين يواجهون الفقر أو كارثة بسبب الصراعات أو الكوارث الطبيعية فإنهم يفرون إلى مكان أفضل أو أكثر أمانًا. فدولة مثل تركيا تستضيف أكبر عدد من اللاجئين وطالبي اللجوء بلغ عددهم 4 ملايين.

حسب تقرير الهجرة العالمي فإن 281 مليون من المهاجرين (واحد من كل ثلاثين) يجلبون نتائج مجتمعية إيجابية. تعتمد البلدان المرتفعة الدخل التي يتقلص فيها عدد السكان والقوى العاملة على المهاجرين للاستمرار. لكن تصاعد كراهية الأجانب أدى إلى حركة قوية مناهضة للهجرة، مع تأثيرات سياسية خطيرة مثل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

هناك معلم آخر بالغ الأهمية يقترب ويعاكس التوجه السابق. في العام المقبل، ولأول مرة على الإطلاق، ستتفوق الهند على الصين باعتبارها الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان. يحوم كل منها حاليًا حول 1.4 مليار نسمة، لكن الهند ستزيد إلى 1.7 مليار نسمة مع تقلص الصين إلى 1.3 مليار بحلول عام 2050.

اعتاد العدد كبير من السكان الفقراء على جر دولهم إلى أن تكون موضع شفقة وإحسان من الآخرين. هذا لا ينطبق على حالهما الآن بطبيعة الحال، حيث يرتفع كلا البلدين في عداد الدول ذا الدخل المتوسط حسب معايير البنك الدولي. تعد الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم حيث تبلغ قيمته 17.7 تريليون دولار أمريكي والهند السادسة بقيمة 3.2 تريليون دولار أمريكي، وربما تصعدان إلى المركزين الأول والثالث على التوالي بحلول عام 2040.

عالم حيث يزدهر شخص واحد من بين ثلاثة بشكل مستمر في كل من الصين والهند حتما سيهز النظام العالمي، اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا. ثقافيًا أيضًا، حيث يشكل الهنود أكبر الشتات العالمي بـ 18 مليونًا في حين يساهم الصينيون من جانبهم بـ 10 ملايين. أكثر من ذلك، فإن العديد من القادة من أصل هندي وبعض القادة المنحدرين من أصل صيني قد ترأسوا دولًا وحكومات أخرى، ويحتل عدد لا يحصى من القادة مناصب عليا في المؤسسات الوطنية والعالمية التي تساهم في تشكيل عالمنا.

بالطبع، تواجه كلتا الدولتين الكبيرتين تحديات محلية ضخمة، سواء كان ذلك بسبب استياء الملايين الذين ما زالوا فقراء أو استياء المواطنين، وخاصة الأقليات، حول الهوية والاندماج. وقد يكون تفاقم التفاوتات والفجوات في مجال حقوق الإنسان سببًا في تراجعها.

إن وقوع اضطرابات بين المليارات المزدحمة في الصين والهند سيكون لها انعكاسات جيوسياسية مهمة، لأن هذا من شأنه أن يمتد إلى جميع مجالات العلاقات الدولية. ومن هنا تمكن أهمية الحكمة التي يحكم بها القادة الصينيون والهنود شعوبهم لرفاهية العالم. في السياق ذاته، فإن التنافس بين العملاقين المتجاورين الذي أدخلهما في نزاع مسلح في عدة مناسبات، يمثل خطرًا خطيرًا على السلام العالمي.

يعتبر التعامل مع الاتجاهات المتعددة للصين والهند مصدر قلق كبير لأقطاب العالم. تسعى بعض الدول - وخاصة الدول النامية في إفريقيا وآسيا - إلى مواجهة بعضها البعض، إما لتجنب الانهيار الاقتصادي من جانبها أو لانتزاع أقصى قدر من المزايا الذاتية من دولة أو أخرى. الأساس هو السياسة البحتة حول السلطة: هل تحكم بخصائص السيطرة الصينية أم بالفوضوية والتدحرج الحر حسب الطريقة الهندية؟ تواجه الديمقراطيات المتعثرة والمعمّرة في التحالف الغربي نفس المشكلة وهي تحاول إعادة التوازن ضد الصين والهند الصاعدتين.

من الناحية الجيوسياسية، يشكل الصراع بين الصين والهند تهديدًا للاستقرار الإقليمي. من مصلحتهم تجنب ذلك من خلال إدارة خلافاتهم بشكل استباقي. في غضون ذلك، تعلمنا من التاريخ أن هيمنة أي قوة عظمى - سواء كانت سوفيتية سابقة أو القوة الأمريكية الحالية - تخاطر بالطموح المشترك لعالم ينعم بالسلام والازدهار. وبالمثل، فإن أي هيمنة مستقبلية من قبل الصين أو الهند ستكون غير مرغوب فيها بنفس القدر. بدلاً من ذلك، تعد المنافسة السلمية بينهما أكثر أمانًا، ليس أقلها كونها تنفيذًا طبيعيًا للأفكار الأفضل لإدارة العالم.

جميع المقالات المنشورة تعبِر عن رأي كُتَابها ولا تعبِر بالضرورة عن TRT عربي.



TRT عربي