تفاصيل حكم القضاء الفرنسي بملاحقة رأس النظام السوري لـ"جرائم ضد الإنسانية"
صدقت محكمة فرنسية على مذكرة اعتقال بحق رئيس النظام السوري بشار الأسد بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية. ورفضت المحكمة طلب مكتب المدعي العام الوطني بإلغاء المذكرة بسبب حصانة للرؤساء في أثناء وجودهم في السلطة، في قرار اعتبره حقوقيون "غير مسبوق".
القضاء الفرنسي يصدق على مذكرة توقيف بشار الأسد- أرشيف / صورة: AFP (AFP)

وصدقت محكمة الاستئناف في العاصمة الفرنسية باريس أمس الأربعاء، على مذكرة الاعتقال، لكنها ستلجأ في الوقت ذاته بعد طلب مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب إلغائها بدعوى "الحصانة"، إلى استئناف القضية أمام محكمة النقض، أعلى محكمة في النظام القضائي الفرنسي في الأيام القادمة.

ووصفت وكالة الصحافة الفرنسية القرار بـ"التاريخي"، خاصة أن هذه أول مذكرة توقيف تصدرها محكمة أجنبية بحق "رئيس دولة" في منصبه، إذ استهدفت مذكرة الاعتقال كلاً من رئيس النظام بشار الأسد، وشقيقه ماهر قائد "الفرقة الرابعة"، والعميد غسان عباس مدير "الفرع 450" من مركز الدراسات والبحوث العلمية التابع للنظام السوري، واللواء بسام الحسن مستشار رئيس النظام للشؤون الاستراتيجية وضابط الاتصال بين القصر الرئاسي ومركز البحوث العلمية.

وجاء القرار القضائي استجابة لدعوة قدّمتها جمعيات سورية وأجنبية، والمركز السوري للإعلام وحرية التعبير، ومبادرة العدالة في المجتمع المفتوح، ومبادرة الأرشيف السوري، ومدافعون عن الحقوق المدنية. ومن بين المدنيين في القضية، ضحايا (أو أهاليهم) يحملون جنسية مزدوجة فرنسية-سورية. وقدّمت تلك الأطراف الدعوى ضد المسؤولين الأربعة عام 2021.

"جرائم تتفوق على الحصانة"

وتقوم الدعوة المقدمة بحقّ الأسد وعدد من المسؤولين بالنظام السوري على اتهامهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وبالمسؤولية عن الهجمات الكيماوية التي استهدفت، في شهر أغسطس/آب من عام 2013، الغوطة الشرقية لدمشق.

ولخّص ستيف كوستاس، مسؤول القضايا في منظمة "l'Open Society Justice Initiative"، الوضع بقوله: "(نظام) بشار الأسد لجأ عدة مرات إلى استخدام السلاح الكيماوي ضد المدنيين، لكنه يرفض الاستجابة لمجريات التحقيقات الدولية، رغم أن مجلس الأمن، والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنظمة منع استخدام الأسلحة الكيماوية، عدّت الحكومة (السورية) مسؤولة عنها".

وفي 15 مايو/أيار الماضي، قررت غرفة التحقيق النظر في طلب مكتب المدعي العام الوطني لمكافحة الإرهاب في فرنسا، المتعلق بإلغاء هذه المذكرة باسم "الحصانة الشخصية" التي يتمتع بها رؤساء الدول في مناصبهم أمام المحاكم الأجنبية. فيما دافع المكتب عن موقفه مجدداً في جلسة أمس الأربعاء.

من جهتهم، وضع قضاة التحقيق دلالات "حازمة" تبرز الشروط التي يمكن بموجبها رفع دولة أجنبية الحصانة الشخصية عن رئيس دولة أخرى بهدف "فتح باب إضافي لمكافحة الجرائم ضد الإنسانية"، حسبما أكد مصدر مطلع لوكالة الصحافة الفرنسية، فيما أوضحت المحكمة أن "الجرائم التي يُنظر فيها تتفوق على مبدأ الحصانة".

وكانت 60 جمعية ومنظمة غير حكومية اعترضت على التماس الادعاء العام، وأصدرت بياناً اعتبرت فيه أنه "حان الوقت لإعادة النظر بمبدأ الحصانة، التي من شأنها أن تنسف الجهود الاستثنائية التي بذلها الضحايا والناجون، وهم يبحثون عن العدالة والتعويض عما لحق بهم لدى القضاء الفرنسي".

قرار غير مسبوق

ورغم ما سبق، فإن المسألة المذكورة لم تتكامل بعد فصولها من الناحية القضائية، إذ باستطاعة الادعاء العام نقل الملف إلى محكمة التمييز، التي تعد الأعلى في السلم القضائي الفرنسي. وبما أن جلسة الأربعاء كانت مغلقة، لم يُعرف بعد إن كان الادعاء سيستخدم حقّه المشار إليه، أم أنه سيعدّ أن حكم محكمة التمييز قد لا يختلف عن حكم الأربعاء، وبالتالي لا داعي لمواصلة المسار القانوني.

وفي أي حال، فإن حكم أمس الأربعاء، بعد 11 عاماً من استخدام الأسلحة الكيماوية في الغوطة الشرقية (ريف دمشق)، ما أسفر عن مقتل 1000 شخص، وجرح 450 آخرين، يعد انتصاراً قضائياً للضحايا وذويهم، ولتطبيق مبدأ المساءلة عن الجرائم المرتكبة بغضّ النظر عن شخصية مرتكبها أو وظيفته الرسمية، وفق ما قال حقوقيون.

كذلك، يمكن النظر إليه باعتباره "سابقة بالغة الأهمية" قد تفتح الباب أمام الأجهزة القضائية في دول أخرى، خصوصاً الأوروبية، للاحتذاء بما قررته محكمة الاستئناف الفرنسية. فضلاً عن ذلك، قد يرى فيه آخرون إنجازاً للعدالة الدولية شرط تعميمه، وألا يُلجأ إليه استنسابياً.

في السياق، رحب "الائتلاف الوطني السوري" و"هيئة التفاوض السورية" و"الخوذ البيضاء" بمصادقة محكمة الاستئناف الفرنسية على مذكرة الاعتقال، مؤكدين أن القرار "خطوة نحو العدالة" في سوريا.

جرائم حرب بلا حساب!

وأدت الهجمات الكيميائية على الغوطة في 21 أغسطس/آب 2013، التي استخدم فيها غاز الأعصاب القاتل السارين، إلى سقوط عدد كبير من الضحايا بين المدنيين، وأدانها المجتمع الدولي على نطاق واسع. وكانت هذه الهجمات، إلى جانب الهجمات السابقة على دوما وعدرا، جزءاً من حملة ممنهجة ضد المدنيين في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة.

ويأتي قرار محكمة الاستئناف الفرنسية بعد شهر من حكم فرنسي بالسجن مدى الحياة بحق 3 مسؤولين في نظام الأسد، بتهمة التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية.

والمسؤولون الثلاثة هم: علي مملوك الرئيس السابق لمكتب الأمن القومي المشرف على أجهزة الأمن والمخابرات في سوريا، وجميل حسن مدير المخابرات الجوية الأسبق، بالإضافة إلى عبد السلام محمود المدير السابق لفرع التحقيق في ذات الفرع الأمني الذي يترأسه حسن.

وفي قضايا سورية أخرى، أصدرت الوحدة المتخصصة في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التابعة لمحكمة باريس في وقت سابق، 7 أوامر اعتقال في قضايا مختلفة استهدفت بها 7 مسؤولين كباراً آخرين في النظام السوري.

وفي 19 أكتوبر/تشرين الأول 2023 أيضا أصدر القضاء الفرنسي مذكرات توقيف دولية بحق 4 مسؤولين كبار سابقين في جيش النظام السوري يشتبه في مسؤوليتهم في قصف على درعا عام 2017، أدى إلى مقتل مدني فرنسي-سوري.

ومن بين المسؤولين الذين استهدفتهم مذكرات التوقيف، وزير الدفاع السابق فهد جاسم الفريج، المتّهم بـ"التواطؤ في هجوم متعمد ضدّ السكان المدنيين، الذي يُشكّل بحد ذاته جريمة حرب".

واليوم الخميس، أكدت المفوضة السامية لحقوق الإنسان، لين ويلشمان، أن النظام السوري ارتكب أعمال الاغتصاب والعنف الجنسي داخل المعتقلات ومراكز الاحتجاز التي يديرها، وأفلت بشكل تام من العقاب، مشددة على أهمية العمل القانوني للمحاسبة في جميع أنحاء العالم للضحايا والناجين.

TRT عربي - وكالات