بعد دعوته مصر للتدخل العسكري في ليبيا.. ماذا تبقى من شرعية مجلس نواب طبرق؟
أثارت دعوة مجلس نواب طبرق للجيش المصري من أجل التدخّل "لحماية الأمن القومي" للبلدين، تساؤلات حول ما تبقى من شرعية المجلس غير المعترف به دولياً.
مجلس النواب الليبي في طبرق المؤيد لحفتر يدعو الجيش المصري للتدخل عسكرياً في ليبيا (AP)

دعا مجلس النواب في طبرق، المؤيّد للجنرال الانقلابي خليفة حفتر، الاثنين، الجيش المصري إلى التدخّل "لحماية الأمن القومي" للبلدين، مشدّداً على أهمية تضافر جهودهما من أجل مواجهة تركيا.

وقال البرلمان في بيان: إنّ "للقوات المسلّحة المصرية التدخّل لحماية الأمن القومي الليبي والمصري إذا رأت أنّ هناك خطراً داهماً وشيكاً يطال أمن بلدينا".

وأكد البيان ضرورة "تضافر الجهود بين ليبيا ومصر بما يضمن حفظ الأمن القومي المشترك ويُحقّق الأمن والاستقرار في المنطقة".

ويوشك حفتر أن يفقد آخر ما تبقى له من شرعية منحها له مجلس النواب في طبرق، بعدما عينه قائداً أعلى للجيش، قبل أن يقوم مجلس النواب الموازي في طرابلس بإلغاء هذا المنصب بالإجماع في 17 يونيو/حزيران الماضي.

وكان حفتر قد حظي بعد إطلاقه عملية عسكرية في 2014 بدعم غالبية أعضاء مجلس النواب، المقدر عددهم بـ188 نائباً، رغم مقاطعة نحو 25 منهم لاجتماعاته في طبرق، ثم خسر دعم معظمهم بعد أن وقّع 100 نائب، في 11 أبريل/نيسان الماضي، على بيان مشترك أعلنوا فيه استنكارهم هجومه في الرابع من الشهر نفسه على طرابلس.

وجاء بيان النواب الـ100 للتبرؤ من إعلان رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، باسم البرلمان، دعمه هجوم حفتر على طرابلس. ورغم أن جناح عقيلة صالح لم يعلن عدد النواب الذين أيدوا هجوم حفتر على طرابلس خلال اجتماعهم بطبرق، فإن وسائل إعلام محلية تتحدث عن نحو 30 نائباً فقط، ممَّا يعني أن اللواء المتقاعد فقدَ تأييد نحو 130 نائباً. وتجلى ذلك في البيان المشترك للنواب الـ100، ثم تلاه اجتماع 53 نائباً في طرابلس (47 بحسب وسائل إعلام مقربة من حفتر) أعلنوا رفضهم هجومه.

وانتخب النواب المجتمعون في طرابلس، في 5 مايو/أيار الماضي، الصادق الكحيلي رئيساً جديداً لمجلس النواب، لمدة 45 يوماً، في محاولة الإطاحة بعقيلة صالح من رئاسة البرلمان، نظراً لاتهامه بأن مواقفه لا تعكس موقف غالبية النواب.

ويعتبر قرار مجلس النواب في طرابلس ضد حفتر "رمزياً"، على أساس أن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، المعترف بها دولياً، لا يعتبر حفتر قائداً أعلى للجيش، وهي الصفة التي يتولاها حالياً فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي، كما أن جناح صالح في طبرق، على ضعفه، ما يزال يعترف بحفتر قائداً أعلى للجيش.

غير أن هذا القرار استفز مليشيا حفتر ممَّا دفعها إلى قصف مقر اجتماع برلمان طرابلس، في 24 مايو/أيار الماضي، كما أعلن برلمان طبرق سعيه إلى فصل النواب المجتمعين في طرابلس، رغم أنهم يمثلون نحو ربع النواب، الذين قاطع معظمهم اجتماعات المجلس منذ فترة.

وإذا نجح مجلس النواب في طرابلس في سحب البساط من تحت أرجل عقيلة صالح وجماعته، فإن حفتر سيكون تماماً خارج الشرعية، وسيصنف كانقلابي وخارج عن القانون، ومن الممكن أن تفرض عليه عقوبات دولية، بحسب وكالة الأناضول.

ويبدو أن الصادق الكحيلي، رئيس مجلس النواب الجديد، وزملاؤه مصرّون هذه المرة على استعادة مصداقية مجلس النواب وعدم جعله رهينة لجماعة "عْقيلة".

وتتمثل أكبر عقبة أمام مجلس النواب في طرابلس في أن غالبية أعضائه من المنطقة الغربية، التي لها أكبر حصة من النواب (نحو 80 نائباً) نظرا لأن نحو نصف سكان ليبيا يقطنون بها، في حين أن معظم أعضاء مجلس النواب في طبرق من المنطقة الشرقية التي خسرت 12 نائباً بسبب عدم إجراء الانتخابات في مدينة درنة لأسباب أمنية، في حين يتوزع نواب المنطقة الجنوبية بين المجلسين، لذلك فإنه من الصعب أن يلغي نواب برلمان طرابلس نظراءهم في طبرق، والعكس صحيح، لأن ذلك لن يؤدي إلى إحداث شرخ في مجلس النواب فقط، بل سيرسخ الانقسام بين الشرق والغرب داخل البلاد.

انفضاض النواب من حول حفتر

ويرتبط سبب تخلي معظم النواب عن دعم حفتر بالاتفاق السياسي الذي تم التوقيع عليه في الصخيرات بين وفد من مجلس النواب وآخر من المؤتمر الوطني العام (المجلس التأسيسي) في 17 ديسمبر/كانون الأول 2015، وتم فيه اختيار أحد نواب طبرق، فائز السراج، رئيساً للمجلس الرئاسي، الذي استطاع استقطاب جناح من النواب لدعم حكومة الوفاق، خاصة من المنطقة الغربية، وبالأخص من طرابلس، التي تضم أكبر عدد من النواب.

بالإضافة إلى ذلك كان أكثر من 100 نائب مؤيدين لاتفاق الصخيرات، ولكن مجموعة صغيرة من النواب الموالين لحفتر أفسدوا محاولات المجلس المصادقة على اتفاق الصخيرات، من خلال البلطجة وافتعال الفوضى داخل المجلس، ممَّا عرقل اعتماد حكومة الوفاق، رغم أن تمديد عهدة مجلس النواب، التي انتهت رسمياً في 2015، جاء تحت شرعية اتفاق الصخيرات.

وكان لكتلة مهمة خلاف حساس مع حفتر رغم استمرار تأييدها له، ويتعلق الأمر بالنواب الفيدراليين، الذين يطالبون بحكم فيدرالي في إقليم برقة (شرق)، وهو ما يرفضه حفتر الذي يؤمن بالحكم المركزي، ممَّا دفع نواب "برقة" إلى مقاطعة اجتماعات المجلس.

كما أن خلافات حفتر مع بعض القبائل المؤيدة له مثل التبو وجناح من الزنتان والمغاربة، وقبائل من الشرق انشق قادتها عن قوات حفتر، على غرار محمد الحجازي من قبيلة الحاسة، ومهدي البرغثي من البراغثة، وفرج البرعصي من قبيلة البراعصة، كان له تأثير في مواقف نوابها إما من خلال المقاطعة أو الانحياز لمجلس النواب في طرابلس.

وقاطع قطاع آخر من النواب الاجتماعات في طبرق لغياب الأمن، إذ تعرض بعضهم للضرب أو الاختطاف بسبب مواقفهم أو لأسباب شخصية، فضلاً عن آخرين توفوا. ولكن يبقى الموقف الدولي مُهماً بشأن الاعتراف بمجلس النواب في طرابلس، ورئيسه الجديد الصادق الكحيلي الذي حظي باستقبال رئيس المجلس الرئاسي، ممَّا يعني اعترافاً من أحد أطراف الصراع.

ويبدو أن عقيلة صالح لا يزال يحظى بجزء من الاعتراف في معسكر حفتر بالنظر إلى لقاء المبعوث الأممي غسان سلامة له قبل رحيله، لكن في مقر إقامته بمدينة القبة (شرق)، وليس في طبرق، خاصة أن صالح يُعتبر من أعيان قبيلة العبيدات، كبرى قبائل الشرق، لكن انحياز أغلبية النواب لمجلس النواب في طرابلس يُفقده كثيراً من المصداقية.

وأثارت تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي حول التدخل في ليبيا جدلاً واسعاً وردود فعل دولية معارضة، حين قال إن مصر قد تتدخل عسكرياً في ليبيا، وإن أي تدخل مباشر قد تقوم به "باتت تتوفر له الشرعية الدولية".

وجاءت تصريحات السيسي بعد أسابيع متواصلة من تحقيق الجيش الليبي انتصارات أبرزها تحرير كامل الحدود الإدارية لمدينتَي طرابلس وترهونة وكامل مدن الساحل الغربي وقاعدة الوطية الجوية وبلدات في الجبل الغربي، وتقدُّمه باتجاه مدينة سرت وقاعدة الجفرة التي قال السيسي بشأنها إن "تجاوُز سرت والجفرة خط أحمر".

TRT عربي - وكالات