ويقول الفلسطيني الثمانيني سليمان أبو سمرة النازح في خيمة جنوبي قطاع غزة إن "هاجس الهجرة عام 1948 ما زال يراودني"، وإن "هذه المظاهر، نزوح الناس (الذين يحملون متاعهم ويمشون لمسافات طويلة)، عايشتها في النكبة عام 1948".
وعايش الحاج تفاصيل الهجرة خلال نكبة الفلسطينيين عام 1948، و"النكبة" مصطلح يطلقه الفلسطينيون على ما حدث في 15 مايو/أيار 1948، الذي أُعلن فيه إقامة إسرائيل على أراضٍ فلسطينية محتلة، إثر تهجير نحو 750 ألف فلسطيني.
ويقول أبو سمرة لوكالة الأناضول إنّ "الفرق الوحيد الذي يميز هجرة عام 1948 عن النزوح القسري للفلسطينيين في الوقت الحالي هو أنه يحدث في زمن حقوق الإنسان، وتغني الأمم المتحدة به".
ومنذ بداية حرب الإبادة اضطر الفلسطينيون إلى حمل القليل من ممتلكاتهم والنزوح إلى مناطق جنوبي القطاع، التي ادعى جيش الاحتلال الإسرائيلي أنها إنسانية وآمنة، لكنها تعرضت لتقليص متواصل خلال أشهر الحرب.
وكما حدث عام 1948، اضطر الفلسطينيون منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 إلى حمل القليل من متاعهم والفرار بأرواحهم هرباً من الموت بآلات الحرب الإسرائيلية، مؤكدين أن "العودة قريبة وسريعة".
هذه العودة لم تتحقق منذ عام النكبة رغم المطالبات الأممية بإنهاء الاحتلال، فيما يشكل هذا المصير هاجس الفلسطينيين الذين حُرموا منازلهم ومدنهم لأكثر من عام منذ حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين.
وتعود هذه المأساة مجدداً على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي، إذ بات الفلسطيني يعاني لأشهر بحثاً عن مكان آمن في زمن يُعَدّ فيه أهم الحقوق "الحق في الحياة" من المسلّمات، وفق قول فلسطينيين اثنين في عقدهما الثامن.
وبعد وصول النازحين إلى الأماكن التي ادعت إسرائيل في بيانات رسمية أنها "آمنة"، يتعرضون لاستهداف إسرائيلي بهجمات شرسة وغير مسبوقة، موقعة مجازر مروعة بحقهم.
ولعدة مرات، قال مسؤولون أمميون إنه "لا وجود للأماكن الآمنة في غزة"، فيما تقول حكومة غزة إن حديث "الاحتلال عن الممرات والمناطق الآمنة محض كذب وخداع".
ويضيف أبو سمرة أن الفلسطينيين باتوا يطالبون بأدنى حقوقهم وهو "الحق في الحياة"، وأشار إلى أن المهجرين عام 1948 عاشوا في خيام مصنوعة من الأقمشة والنايلون كما يحدث اليوم، لافتاً إلى أن "مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة على سبيل المثال كان من الخيام".
من جهته يقول الفلسطيني الثمانيني ماجد البلعاوي إن هدف تهجير الفلسطينيين من أراضيهم عام 1948 كان بغرض سرقتها، وتابع: "هجروا الناس من وطنها وأرضها واستعملوا الجرافات في هدم البيوت وأطلقوا على القرى والمدن أسماء عبرية".
وأوضح أن كل "قرية هاجر منها سكانها أطلقت عليها إسرائيل أسماء عبرية لطمس حقيقتها والوجود الفلسطيني فيها". "وسرقة الأراضي" أكثر ما يثير مخاوف الفلسطينيين، خصوصاً بعد أعمال الإبادة والتطهير العرقي، لا سيما في مناطق شمال القطاع..
وبالتزامن مع مرور عام على بدء حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، أنذر جيش الاحتلال الفلسطينيين في بلدات بيت حانون وجباليا وبيت لاهيا وجباليا بشمال غزة بالإخلاء فوراً نحو المنطقة الإنسانية المزعومة في المواصي، جنوبي قطاع غزة.
وبدت هذه الخطوة تطبيقاً غير معلن لـ"خطة الجنرالات" التي تهدف إلى تفريغ شمال القطاع وفرض حصار مطبق عليه تمهيداً للاستيطان فيه، حسب وسائل إعلام عبرية.
وجرى الكشف عن "خطة الجنرالات" مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، وتقضي بتهجير جميع الفلسطينيين من شمال القطاع ضمن مهلة تستمر أسبوعاً قبل فرض حصار على المنطقة ووضع المقاتلين الفلسطينيين فيها بين خيار الموت أو الاستسلام.
و"خطة الجنرالات" صاغها قادة سابقون في الجيش الإسرائيلي محسوبون على اليمين المتطرف، بزعامة الرئيس الأسبق لمجلس الأمن القومي غيؤرا آيلاند ونشرت بوسائل إعلام عبرية.
ولم تعلن حكومة الاحتلال الإسرائيلي بعدُ تبني "خطة الجنرالات"، لكن هيئة البث (رسمية) ذكرت في سبتمبر/أيلول أن المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية (الكابينت) يبحث هذه الخطة.
وبدعم أمريكي أسفرت حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة المتواصلة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 عن أكثر من 140 ألف شهيد وجريح فلسطيني، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.
وتواصل تل أبيب الإبادة متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فوراً، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع أعمال "الإبادة الجماعية" وتحسين الوضع الإنساني المزري بغزة.