ماذا ينتظر أهل غزة بعد وقف إطلاق النار؟
مع إعلان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، تنتظر أهل القطاع تحديات قاسية على رأسها الدمار الذي لحق بالمنازل والممتلكات، إلى جانب البنية التحتية والقطاع الصحي، ما يجعل إعادة الإعمار وعملية العودة للحياة الطبيعية أمراً قد يستغرق عشرات الأعوام.
ماذا ينتظر أهل غزة بعد وقف إطلاق النار؟ / صورة: AA (AA)

تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن إعادة إعمار غزة ستتطلب مليارات الدولارات، نظراً لحجم الدمار الكبير الذي خلفه العدوان الإسرائيلي، جراء 15 شهراً من الإبادة المستمرة.

وأفاد تقرير أممي نُشر العام الماضي بأن عملية إعادة بناء المنازل المدمرة في القطاع قد تستغرق حتى 15 عاماً على الأقل، مع احتمالية أن يمتد هذا الإطار الزمني إلى فترة أطول.

لا منازل ولا بنية تحتية

في يناير/كانون الثاني الجاري، قال المكتب الإعلامي الحكومي في بيان، إن نسبة الدمار في قطاع غزة بلغت نحو 88% منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

وأظهرت بيانات صادرة عن الأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول، أن الحرب في غزة أسفرت عن تدمير أو تسوية ثلثي مباني القطاع بالأرض، حيث تضرر أكثر من 170 ألف مبنى، ما يعادل نحو 69% من إجمالي المباني.

وشملت هذه الأضرار نحو 300 ألف وحدة سكنية، أي ما يعادل 90% من منازل القطاع، وفق تقديرات أممية، فيما يحتاج أكثر من 1.8 مليون شخص حالياً إلى مأوى، حسب مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية.

ووفق تقرير مشترك للأمم المتحدة والبنك الدولي صدر العام الماضي، بلغت الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية في غزة نحو 18.5 مليار دولار، وشملت هذه الخسائر المباني السكنية والتجارية، بالإضافة إلى المدارس، والمستشفيات، والمصانع، ومحطات الطاقة.

وأوضح التقرير أن شبكة الطرق تعرّضت لأضرار بالغة، إذ تضرر ما لا يقل عن 68% منها. وأظهر تقرير حديث لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن المتاح حالياً من إمدادات المياه في القطاع يمثل أقل من ربع الكميات المتوفرة قبل الحرب.

وكشف تقرير لمنظمة العفو الدولية أن الدمار الأكبر لحق بالمناطق الحدودية الشرقية لقطاع غزة، إذ تعرض أكثر من 90% من المباني في هذه المنطقة بما في ذلك ما يزيد على 3500 مبنى، للتدمير الكامل أو أضرار جسيمة.

وأشار التقرير إلى أن الوضع في مدينة غزة، التي كانت تضم 600 ألف نسمة قبل الحرب، هو أيضاً من بين الأكثر كارثية؛ فقد أظهرت تحليلات عبر الأقمار الصناعية أجراها خبراء جغرافيا من جامعة ولاية أوريغون أن نحو 74.3% من مباني المدينة إما دُمِّرت وإما تعرضت لأضرار كبيرة.

تدمير كامل للقطاعين الصحي والزراعي

منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أخرجت الحرب الإسرائيلية 34 مستشفى و80 مركزاً صحياً إضافةً إلى 136 سيارة إسعاف من الخدمة. ومن بين هذه المنشآت، دُمّرت 5 مستشفيات بالكامل، وفق أرقام جمعها مشروع "أوبن ستريت ماب"، ووزارة الصحة في غزة ومركز الأقمار الصناعية التابع للأمم المتحدة (UNOSAT).

وبحلول يناير/كانون الأول 2024، كانت 17 مستشفى فقط من أصل 36 تعمل بشكل جزئي، فيما دُمّر عديد من المستشفيات الأخرى أو تعرضت لأضرار جسيمة. وفي مايو/أيار 2024، أفادت الأمم المتحدة بأن 28% من المستشفيات فقط ما زالت تعمل جزئياً.

وأكدت صور الأقمار الصناعية التي حللها خبراء تابعون للأمم المتحدة، أن أكثر من نصف الأراضي الزراعية في غزة تضررت بشكل كبير، مما يشكل تهديداً للأمن الغذائي في القطاع الذي يعاني من آثار الحرب.

ووفق مركز الأقمار الصناعية للأمم المتحدة (يونوسات) في سبتمبر/أيلول 2024، فقد تضرر 68% من الأراضي الزراعية، بما يعادل نحو 103 كيلومترات مربعة، وكانت محافظة شمال غزة الأكثر تضرراً، إذ بلغت نسبة الأراضي الزراعية المتضررة هناك 79%، في حين بلغت النسبة في محافظة رفح 57%.

في السياق، أوردت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة أن أكثر من 15 ألف رأس من الماشية، أي ما يعادل 95% من إجمالي الماشية في القطاع، نفقت أو ذُبحت خلال وقت الحرب.

وأفادت منظمة هيومن رايتس ووتش بأن حرب الإبادة الإسرائيلية دمرت ما لا يقل عن 31 من أصل 54 خزاناً للمياه في القطاع بحلول نهاية أغسطس/آب 2023.

أما على صعيد الاقتصاد، فقد انهارت مصادر الدخل، وبلغت نسبة الفقر 100%، ودُمّر أكثر من 200 منشأة حكومية، كما تعرض القطاع الخاص في غزة لخسائر شديدة، وتضررت أو تهدمت 82% من الشركات التي كانت تعد المحرك الرئيسي للاقتصاد في القطاع، كما انخفض عدد الوظائف، إذ لم يعد ثلثا الوظائف التي كانت موجودة قبل الحرب متاحة.

لا أماكن للتعليم ولا دور عبادة

أدى العدوان الإسرائيلي إلى تدمير أو تضرر مئات المدارس والجامعات والمعاهد والمراكز التعليمية في قطاع غزة، فوفق البيانات الفلسطينية، دُمّر أكثر من 136 مدرسة وجامعة. وتُظهر الإحصاءات أن أكثر من 70% من المدارس التي تديرها أونروا تضررت جراء القصف.

وأحصت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) تضرر ما لا يقل عن 496 مدرسة من أصل 564 منشأة مسجلة في غزة، وهو ما يمثل نحو 88% من إجمالي المدارس في القطاع. ومن بين هذه المدارس، تعرضت 396 مدرسة لقصف مباشر، فيما دُمّرت 53 مدرسة بالكامل.

كذلك تعرضت دور العبادة في غزة لأضرار جسيمة، فوفق بيانات مركز الأقمار الصناعية للأمم المتحدة وقاعدة بيانات "أوبن ستريت ماب"، تُظهر الأرقام أن 83% من المساجد في القطاع تعرضت لأضرار جزئية أو كاملة، كما دمرت أو تضررت ثلاث كنائس.

تقديرات تكلفة الإعمار

تزداد التقديرات المتعلقة بتكلفة إعادة إعمار قطاع غزة بعد الحرب التي تسببت في دمار واسع، فوفقاً للأمم المتحدة، تصل تكلفة إعادة البناء إلى نحو 40 مليار دولار أمريكي، فيما أفادت شبكة بلومبرغ في أغسطس/آب 2024 بأن التكلفة قد تتجاوز 80 مليار دولار. في حين أكد مدير عام دائرة حقوق الإنسان في منظمة التحرير الفلسطينية، قاسم عواد، في تصريحات صحفية، أن تكلفة إعادة الإعمار قد تتجاوز 120 مليار دولار.

وأضافت الأمم المتحدة أن إزالة 42 مليون طن من الركام الناتج عن القصف الإسرائيلي قد تستغرق سنوات وتكلِّف نحو 1.2 مليار دولار. وقدّر أحد التقارير أن إزالة الأنقاض قد تستغرق نحو 14 عاماً، والتي تحتوي على أشلاء بشرية قدَّرتها وزارة الصحة في مايو/أيار 2024 بنحو 10 آلاف جثة.

وقف إطلاق النار "ليس كافياً" لإصلاح حياة أهل غزة

تنص المرحلة الأولى من الاتفاق على أن عمليات إعادة تأهيل البنية التحتية ستنطلق في جميع مناطق قطاع غزة، تحت إشراف مجموعة من الدول والمنظمات الدولية، مع إدخال المعدات اللازمة لدعم فرق الدفاع المدني، وإزالة الركام والأنقاض. تشمل هذه المرحلة أيضاً توفير الوسائل اللازمة لإنشاء مراكز لإيواء النازحين الذين فقدوا منازلهم، بما في ذلك بناء ما لا يقل عن 60 ألف وحدة سكنية مؤقتة، بالإضافة إلى 200 ألف خيمة إيواء.

أما المرحلة الثانية فتبدأ بوضع الخطط اللازمة لإعادة إعمار شامل في القطاع، بما في ذلك المنازل والبنية التحتية المدنية. وستشهد المرحلة الثالثة تنفيذ الخطة الموضوعة لإعادة إعمار قطاع غزة على مدى فترة تمتد من 3 إلى 5 سنوات، تشمل إعادة بناء المنازل، والمباني المدنية، والبنية التحتية الأخرى.

وقالت منظمة العفو الدولية إن وقف إطلاق النار لن يكون كافياً لإصلاح حياة الفلسطينيين الممزَّقة جراء الإبادة الجماعية التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة، واصفةً إياه بأنه جاء "متأخراً جداً".

وأشارت المنظمة إلى أن "الكابوس" الذي يعيشه الفلسطينيون لن ينتهي بمجرد توقف القصف، محذرةً من أن المعاناة ستستمر حتى بعد ذلك باستمرار الحصار الذي يفرضه الاحتلال على غزة والذي سيضاعف من معاناتهم ويعوق جهود الإغاثة وإعادة الإعمار.

TRT عربي - وكالات