منذ أن شنت موسكو هجومها العسكري على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط الماضي، سادت مخاوف عميقة لدى العديد من الدول الآسيوية وفي مقدمتها تايوان، من أن تخطو الصين، الحليف الاستراتيجي لروسيا، الخطوة نفسها، وتضم الجزيرة إليها قسراً، وتشعل بذلك جبهة جديدة للحرب.
ويعتقد خبراء ومحللون أن حرب الاستنزاف التي تخوضها روسيا حالياً في أوكرانيا، وعدم تمكنها من الحسم في الصراع رغم مرور قرابة ثلاثة أشهر على اندلاعه، قد تدفع بالكثير من القوى الدولية المتنافسة مع المعسكر الغربي الذي أبدى وحدة ملحوظة، لا سيما الصين، لإعادة حساباتها وعدم الانزلاق في الصدام المباشر.
ولكن يرى آخرون أن النفوذ الذي تمكنت بكين طيلة عقود من تحقيقه بخاصة في منطقة المحيط الهادئ، والذي ذهبت فيه بعيداً حتى باتت قوة مكافئة وأحياناً متجاوزة لهذه القوى الغربية، قد لا يمنعها من تنفيذ مخططاتها الاستراتيجية والتطلع إلى تحقيق طموحاتها في المنطقة. وانطلاقاً من هذه المخاوف بدأت القوى الغربية مؤخراً تكثيف مساعيها لتوحيد جهودها وتنسيق تعاونها الأمني لمواجهة التهديد الصيني.
المحيط الهادئ عمَّق الصراع الصيني الغربي
تراقب القوى الغربية من كثب مآلات التوترات الصينية-التايوانية التي دخلت منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي منعرجاً خطيراً بإرسال القوات الصينية قرابة 150 طائرة عسكرية وقاذفات إلى منطقة الدفاع الجوي التايواني، في خطوة اعتبرها آنذاك خبراء ومحللون خطوة استعراضية للقوة العسكرية الصينية، وتحذير غير مباشر باحتمال شن حرب قوية، إذا ما قررت تايوان فعلياً الانفصال عنها، كما تحمل في طياتها تحذيراً لواشنطن وبلدان الاتحاد الأوروبي الحلفاء الاستراتيجيين لتايبييه من تقديم أي دعم لها.
ودخلت بذلك الأزمة التايوانية عمق الصراع الأمريكي-الصيني، وأثيرت المخاوف من اندلاع فتيل التوتر في أي لحظة، مع اشتعال الحرب الأوكرانية-الروسية.
وفي سياق متصل قال إيفان ميديروس عضو مجلس الأمن القومي خلال فترة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما: "لقد توقفت قضية تايوان عن أن تكون شكلاً من أشكال من القضايا الضيقة وأصبحت بالتالي مسرحاً مركزياً للمنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين".
وأمام التهديد الصيني المستمر لضم شبه الجزيرة البركانية إليها في إطار عقيدة "الصين الواحدة"، ضغطت كل من حكومة تايبييه واليابان على لسان مسؤوليها، إلى جانب عدة بلدان آسيوية أخرى، على الحكومات الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة، لفرض عقوبات صارمة ومشددة على الصين في حال تنفيذها أي محاولة للغزو. كما شددت هذه البلدان أيضاً على ضرورة التزام توفير الضمان الأمني.
وبموجب قانون العلاقات مع تايوان لعام 1979 الذي أقره الكونغرس الأمريكي تلتزم واشنطن الدعم العسكري لتايوان. وفعلاً وإلى حدود هذه اللحظة تزود الولايات المتحدة الدفاع التايواني بالمعدات العسكرية اللازمة، وهو ما أثار غضب بكين واعتبرته ازدواجية وتحدياً لها، وسبباً كافياً لاندلاع صراع محتمل في أي وقت.
وإلى جانب الأزمة التايوانية طفت على السطح بوادر أزمة جديدة من أعماق المحيط الهادي، وأطرافها الصين والولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا وجزر سليمان، بعد أن وقعت الصين اتفاقية أمنية مع هذه الدولة التي تضم أكثر من 990 جزيرة.
واعتبرت واشنطن توقيع هذه الدولة المحيطية اتفاقية أمنية يلبي الطموحات العسكرية التوسعية لبكين في المحيط الهادي، لا سيما أن أستراليا تقع على بعد 1500 كيلومتر جنوب جزر سليمان، والتي تخشى بدورها منذ سنوات إمكانية بناء الصين قاعدة بحرية لها في المحيط الهادي.
وفي هذا السياق قال المنسق الأمريكي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ كورت كامبل في تصريحات نشرتها صحيفة "الغارديان" البريطانية، مشيراً إلى الطموحات الصينية المحتملة لإنشاء قواعد جزر في المحيط الهادئ، إن الولايات المتحدة لديها "مصالح أخلاقية واستراتيجية وتاريخية هائلة" في المحيط الهادئ لكنها لم تفعل ما يكفي لمساعدة المنطقة. مضيفاً: "لدينا فترة زمنية قصيرة جداً، للعمل مع شركاء مثل أستراليا ونيوزيلندا واليابان وفرنسا، الذين لديهم مصلحة في المحيط الهادئ لتكثيف لعبتنا في جميع المجالات".
الغرب يعزز حلفه لمواجهة الصين
وفي إطار تعزيز التحالف الغربي لمواجهة النفوذ الصيني تندرج الاتفاقية الأمنية الاستراتيجية "أوكوس" التي أعلنت عنها كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا في منطقتَي المحيط الهندي والهادي خلال شهر سبتمبر/أيلول الماضي.
وفي سياق متصل دعت بريطانيا مؤخراً قادة حلف شمال الأطلسي "الناتو" للدفاع عن تايوان وتقديم الدعم لها، وعلى ضوء ذلك قالت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس إن "بريطانيا ترفض الاختيار الخاطئ بين الأمن الأوروبي الأطلسي وأمن المحيطين الهندي والهادئ" لصالح "الناتو العالمي".
وأضافت الوزيرة البريطانية: "ما أعنيه هو أن الناتو يجب أن تكون لديه نظرة عالمية، وعلى استعداد لمواجهة التهديدات العالمية. نحن بحاجة إلى منع التهديدات في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والعمل مع حلفاء مثل اليابان وأستراليا لضمان حماية المحيط الهادئ".
وشددت على أنه "يتعين علينا ضمان ذلك حتى تستطيع دولة ديمقراطية مثل تايوان حماية نفسها".
وبدوره أعلن البيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يعتزم زيارة اليابان وكوريا الجنوبية خلال الشهر القادم مايو/أيار لتعزيز علاقات بلاده مع الحليفين الآسيويين الرئيسيين لواشنطن، وسط تصاعد التوتر مع الصين وكوريا الشمالية.