بالرغم من أنّ غالبية الدول العربية قررت قطع جميع العلاقات مع النظام السوري، منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، وتورّط نظام بشار الأسد في العديد من الجرائم الإنسانية الفظيعة في حقّ أبناء شعبه، إلا أنّ الجزائر كانت من بين الدول القليلة التي حافظت على استمرار العلاقات مع سوريا.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه قيادات وزعماء الدول العربية خلال شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2011، تعليق عضوية سوريا لدى جامعة الدول العربية، ودعت إثر ذلك إلى سحب جميع السفراء من دمشق، وفرضت بالإضافة إلى ذلك مجموعة من العقوبات الاقتصادية على النظام السوري، قررت الجزائر التحفظ على قرار تجميد العضوية ولم تسحب سفيرها من دمشق.
ومع استئناف العلاقات بين كلٍّ من الأردن والإمارات مع النظام السوري، تزامناً مع تحضير الجزائر لاستقبال القمة العربية القادمة في دورتها الحادية والثلاثين، أعربت الجزائر عن أملها في عودة سوريا إلى مقعدها بالجامعة، داعية البلدان العربية لتأييد هذا التوجه.
الجزائر ودمشق.. مصالح مشتركة
إثر اختتام أعمال ندوة البعثات الدبلوماسية، قال وزير الخارجية الجزائري رمطان العمامرة خلال ندوة صحفية يوم الأربعاء 10 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري: "إنّ كرسي سوريا يجب أن يعود إليها دون التدخل في سياساتها وفي مَن يحكمها". وأضاف العمامرة قائلاً: "ستعمل الجزائر على تقريب وجهات النظر بين الإخوة العرب في القمة العربية والتحلّي بقسط من الواقعية".
وأكد العمامرة أنّ الجزائر اعترضت منذ البداية على تعليق عضوية سوريا بالجامعة العربية باعتبار أنّ ذلك لن يكون حلاً للأزمة التي استمرت طيلة سنوات إلى اليوم.
ورغم أنّ تصريحات العمامرة قد أثارت جدلاً واسعاً، إلا أنّها ليست جديدة ولا مستغربة في حقيقة الأمر، كما يوضح ذلك خبراء ومحلّلون. حيث إنّ العلاقات بين البلدين لم تتوقف أبداً منذ اندلاع الأزمة عام 2011، أي خلال فترة ولاية الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة، وحتى استلام الرئيس الجزائري الحالي عبد المجيد تبون الحكم، والذي جدد الدعوة بدوره إلى رفع التجميد عن عضوية سوريا بالجامعة العربية.
ويلاحِظ المتابعون للسياسات الخارجية الجزائرية، تأكيدها المتكرر على احترام السيادة الوطنية للدول، ونأيها بنفسها عن التدخل في الشؤون والمشكلات الداخلية، واعتبرت بذلك موقفها من الأزمة السورية أنه يندرج ضمن نفس التوجّه.
ويوضح خبراء ومحللون، أنّ المصلحة الاقتصادية والتجارية كانت من بين أهم الدوافع لاستمرار العلاقات الثنائية بين البلدين، رغم التشديد والضغط العربي والدولي. حيث إنه وفق ما كشفته تقارير ومصادر رسمية، بلغ حجم التبادل التجاري بين الجزائر وسوريا قبل عام 2011، ما يناهز حدود 600 مليون دولار سنوياً.
وتصدّر سوريا السّلع الغذائية والأدوية والأقمشة والقمح والأنسجة والقطن والألبسة والأحذية وسلعاً أخرى، إلى الجزائر، في حين تُصدّر الأخيرة المواد الكيماوية لسوريا.
وبعد أن شهدت العلاقات وحجم المبادلات التجارية بين البلدين ركوداً نسبياً خلال الفترة الماضية، على خلفية التطوّرات الأخيرة التي يعيشها كلٌّ مِن البلدين والمنطقة ككل، عاد الطرفان للاجتماع والتباحث حول سُبل تفعيل العلاقة وتعزيز فرص التعاون.
وقد التقى في هذا الإطار، سفير دمشق لدى الجزائر، نمير وهيب الغانم، مع وزيري التجارة والعمل الجزائريين، خلال شهر فبراير/شباط الماضي، وتلى ذلك عدة لقاءات أخرى مع وزراء ومسؤولين، اتفق فيها الجانبان على تفعيل الاتفاقيات الاقتصادية الموقّعة بينهما، إضافة إلى تفعيل مجلس رجال الأعمال السوري-الجزائري المشترك.
وصرّح حينها وزير التجارة الجزائري كمال رزيق بأنّ "الجزائر تطمح أن تكون سوريا البوابة الآسيوية للمستثمرين الجزائريين" وأضاف قائلاً: "سوريا في طور إعادة الإعمار، وبحاجة في الوقت الحالي إلى مستلزمات هذه العملية، والجزائر لديها الإمكانية والرغبة في المشاركة فيها".
تطبيع عربي مع نظام الأسد
بعد سنوات من الحصار الدبلوماسي والاقتصادي، تكسر اليوم بعض البلدان العربية جدار عُزلة النظام السوري، وسط حديث وجدال ساخن عن احتمال عودته إلى الجامعة العربية.
ففي عام 2018 أعادت كلٌّ مِن الإمارات والبحرين فتح سفارتهما في دمشق، لتلحقهما في ذلك سلطنة عُمان التي قررت بدورها عام 2020 إعادة سفيرها إلى دمشق واستئناف العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري.
وبدأ منذ ذلك الحين يظهر تحوّل كبير في الموقف العربي إزاء نظام بشار الأسد. وكان لكلّ طرف دافعه ومبرراته التي عبّر عنها في استئناف العلاقات من جديد. فقد أكدت المملكة الهاشمية الأردنية أنّ سبب عودة المباحثات مع النظام السوري يعود إلى "عدم رؤية أية استراتيجية فعّالة لحلّ الصراع السوري".
وفي هذا السياق قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في تصريح إعلامي، تعليقاً على مساعي استئناف العلاقت مع النظام السوري: "التعايش مع الوضع الراهن ليس خياراً".
وأكدت الجزائر من ناحيتها الموقف ذاته، على لسان وزير خارجيتها الذي أشاد بزيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى سوريا يوم الثلاثاء 9 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري ولقائه رئيس النظام بشار الأسد.
وانتهز العمامرة الفرصة لدعوة الزعماء والقادة العرب إلى "لمّ الشّمل العربي" ورفع التجميد عن عضوية سوريا في الجامعة.