لم تفرض عاصفة الزلازل التي ضربت جنوبي تركيا وشمالي سوريا الاثنين الماضي نفسها على جدول أعمال العالم وحسب، بل شغلت أيضاً حيزاً كبيراً من وقت الخبراء والمختصين الذين لم ينفكوا عن الحديث عن ندرتها وحجم الكارثة الكبرى التي خلفتها وراءها.
وبينما قال البروفيسور الياباني تودا شينجي إن "الزلزال الذي ضرب تركيا هو أحد أكبر الزلازل الأرضية في العالم"، موضحاً أن حجم الكارثة التي شهدناها لا تمكن رؤيتها إلا مرة كل ألف عام، صرّح أستاذ علوم الأرض والمحيطات الكندي إدوين نيسن بأن حدوث مثل هذا الزلزال لم يكن متوقعاً، لا سيما على اليابسة، مشيراً إلى أن هذا النوع من الزلازل المدمرة يحدث عادة في المحيطات لا على اليابسة.
وأعقب الزلزال الأول ذو قوة 7.7 درجة زلزال آخر بعد ساعات بقوة 7.6 درجة ومئات الهزات الارتدادية العنيفة، ما زاد حجم الكارثة التي طالت 10 مدن جنوبي تركيا وخلَّفت خسائر كبيرة بالأرواح والممتلكات. ووفقاً لآخر بيان صادر عن إدارة الكوارث والطوارئ التركية (AFAD)، فقد 31 ألفاً و643 شخصاً حياتهم، فيما أُعلن إجلاء 147934 شخصاً من المناطق المنكوبة.
"تحدث مرة كل ألف عام"
في تصريح خاص لموقع TRT Haber، عرّف البروفيسور شينجي زلازل قهرمان مرعش أنها من أشد الزلازل التي تحدث على الأرض، مشيراً إلى أن الدمار كان كبيراً جداً، نظراً إلى أن مركز الزلزال في تركيا كان قريباً جداً من الأرض (نحو 7 كيلومترات).
وأوضح البروفيسور تودا شينجي من معهد أبحاث علوم الكوارث الدولي بجامعة توهوكو اليابانية، أن مثل هذه الزلازل القوية تحدث مرة كل ألف سنة، وأنها كانت نتاجاً لحركة واسعة في القشرة الأرضية. وأضاف: "قد لا نرى مثل هذا التمزق الكبير الناتج عن حركة القشرة الأرضية إلا بعد ألف عام. فالطاقة المنبعثة من الزلزال في تركيا كانت 15 ضعف نظيرتها الخارجة من زلزال كوبي وقع عام 1995 وكانت قوته 7.2 درجة، وزلزال كوماموتو الذي حدث عام 2016 بقوة 7 درجات".
من جهته قال أورخان تتار مدير عام قسم الزلازل والحد من المخاطر في رئاسة إدارة الكوارث والطوارئ التركية (آفاد) إن "الطاقة المنبعثة من الزلزال الأول الذي بلغت قوته 7.7 درجة واستمر 65 ثانية، تعادل قوة 500 قنبلة ذرية".
"أحد أكبر الزلازل على الأرض"
أوضح البروفيسور تودا بأمثلة أن الزلازل التي شهدتها تركيا مؤخراً تعد من أكبر الزلازل التي شهدها العالم، مشيراً إلى أن "الزلزال الأخير في تركيا كان أكبر وأسوأ من الزلازل في سيتشوان وألاسكا ونيوزيلندا والتبت.. وثلاثة زلازل من تلك التي أحصيتها وقعت في المناطق الريفية، لذلك كانت الخسائر في الأرواح قليلة نسبياً، على خلاف زلازل تركيا الأخيرة التي وقعت في مناطق مكتظة بالسكان".
كما كشف شينجي أن أحد الأسباب الرئيسية للدمار الكبير الذي تعرضت لها تركيا هو أن مركز الزلزال كان قريباً من السطح، فضلاً عن أنه وقع على مساحة مئات الكيلومترات قرب السطح.
وتابع شينجي: "بعد الزلزال الذي ضرب تركيا، حدث عديد الهزات الارتدادية، وهي أكبر من توابع الزلزال العادية. تحدث الزلازل الكبرى على طول خطوط الصدع الطويلة. وقد تسبب التمزق الذي حدث نتيجة التوتر هنا في انتشار الدمار على هذه المنطقة الواسعة".
وفي ختام حديثه حذر البروفيسور الياباني من أنه "يجب ألا نتجاهل احتمال وقوع زلزال جديد"، مذكراً بزلزال غولوجوك/مرمرة الذي وقع في أغسطس/آب 1999 وزلزال دوزجة الذي تبعه بعد أشهر قليلة من ذلك، وأوضح: "كانت الطاقة المنبعثة من الزلزال الذي حدث في أغسطس/آب 1999 عظيمة، ولكن في الواقع نُقِل جزء منها إلى خط الصدع الآخر. بعد التوتر الكبير الذي أحدثه ذلك الزلزال، وقع الزلزال الثاني بعد بضعة أشهر فقط. بالطبع، لا يمكننا توقع متى وأين سيحدث الزلزال. لكن يجب ألا نتجاهل احتمال وقوع زلزال قوي في نفس المنطقة (قهرمان مرعش)".
ماذا قال الخبراء عن عاصفة الزلازل الأخيرة؟
خلال تقييمهم لسلسلة الزلازل والارتدادات التي ضربت تركيا وسوريا مؤخراً، أشار خبراء ومتخصصون إلى مجموعة من العوامل جعلت الزلازل الأخيرة مدمرة إلى هذا الحد، منها عمق الزلزال الأول وموقعه على خط صدع هادئ نسبياً منذ مدة طويلة، فضلاً عن وجود عديد المباني القديمة والضعيفة التي شُيدت قبل فرض قانون الإنشاءات وفق المعايير الزلزالية الذي صدر بعد زلزال عام 1999.
وفي حديثه إلى الأناضول، قال أستاذ علوم الأرض والمحيطات في جامعة فيكتوريا الكندية الدكتور إدوين نيسن إن الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا كان أحد أكبر الزلازل التي سُجلت على اليابسة. وأضاف أنه "ربما من بين أكبر 5 أو 10 زلازل تحدث على اليابسة، ما يفسر تسببه في أضرار كبيرة في المناطق السكنية المجاورة".
وحول كونها كارثة كونية، قال خبير الزلازل الدكتور بيرند أندرويغ: "لم تشهد المنطقة زلزالاً بهذا الحجم منذ قرون. نعتقد أن وقوع تلك الزلازل وتوابعها كان نتيجة لتراكم كبير للطاقة. لم أرَ في حياتي تأثر مساحة كبيرة بزلزال بهذا الشكل. وبالنظر إلى أنهما كانا زلزالَين لا واحداً فقط، فقد اتسع نطاق المناطق المتضررة بشكل هائل".
وفي السياق نفسه، أشار رئيس المعهد الوطني الإيطالي للجيوفيزياء والبراكين البروفيسور كارلو دوغليوني إلى أن الزلازل التي ضربت تركيا تسببت في تحرك البلاد (لوحة الأناضول) 3 أمتار نحو الغرب، وقال: "يبدو الأمر كما لو أن تركيا تحركت".