نقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية تخوفات قائد القيادة الاستراتيجية الأمريكية الأدميرال تشارلز ريتشارد التي جاء فيها أن "أزمة أوكرانيا التي نمرّ بها الآن، مجرد عملية إحماء". وأضاف محذراً: "الكبير قادم، ولن يمر وقت طويل قبل أن نختبر هذا بطرق لم نختبرها لفترة طويلة".
وتأتي تصريحات ريتشارد قبل أيام قليلة من تفجير صحيفة واشنطن بوست خبراً مفاده أن الولايات المتحدة تشجّع أوكرانيا سرّاً على التلميح بالانفتاح على التفاوض مع روسيا والتخلي عن رفضها العلني للمشاركة في محادثات سلام إلا بعد إزاحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن السلطة، وسط رفض من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.
وفي ظل استمرار الرفض الأوكراني لإبداء أي مؤشرات علنية لقبول دخول مفاوضات مع موسكو، كشفت صحيفة وول ستريت جورنال الأحد، أن مستشار الأمن القومي الأمريكي جاك سوليفان أجرى محادثات لم يُكشف عنها مع كبار المسؤولين الروس على أمل الحدّ من مخاطر امتداد الحرب في أوكرانيا أو تصعيدها إلى صراع نووي.
واشنطن تدفع نحو الحوار
في أعقاب تصريحات وزارة الخارجية الأمريكية بأن موسكو تصعّد الحرب وغير راغبة بجدية في المشاركة بمحادثات سلام، ذكرت صحيفة واشنطن بوست أن الولايات المتحدة تشجع أوكرانيا سرّاً على التلميح بالانفتاح على التفاوض مع روسيا.
ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تسمّها القول إن طلب المسؤولين الأمريكيين لا يهدف إلى الضغط على أوكرانيا للجلوس إلى طاولة المفاوضات، بل محاولة محسوبة لضمان أن تحافظ كييف على دعم دول أخرى، وذلك بعد أن أقر مسؤولون من الولايات المتحدة وأوكرانيا بأن رفض زيلينسكي إجراء محادثات مع نظيره الروسي تَسبَّب في قلق في أجزاء من أوروبا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، حيث تشعر تلك المناطق بأكبر تبعات للحرب على تكلفة الغذاء والوقود.
وأشارت واشنطن بوست إلى أن هذه المناقشات توضح مدى صعوبة موقف إدارة بايدن بشأن أوكرانيا، إذ تعهد المسؤولون الأمريكيون علناً بدعم كييف بمبالغ ضخمة من المساعدات "لأطول فترة ممكنة"، فيما يأملون في التوصل إلى حلّ للصراع المستمرّ منذ أكثر 8 أشهر وألحق خسائر فادحة بالاقتصاد العالمي وأثار مخاوف من اندلاع حرب نووية.
هل تريد واشنطن حرباً واسعة؟
رغبة واشنطن في دفع كييف إلى الحوار مع موسكو، بالإضافة إلى المحادثات السرية التي أجراها سوليفان في الأشهر الأخيرة مع نظيره نيكولاي باتروشيف سكرتير مجلس الأمن الروسي ويوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي، تكشف حسب خبراء عن أن الولايات المتحدة لا تريد توسع الحرب خارج الحدود الأوكرانية، فضلاً عن دخول الأسلحة النووية ساحة الصراع، وهو السيناريو الذي لا يزال خبراء الأمن يعتبرونه غير محتمَل.
وتأتي المناقشات غير المعلنة في الوقت الذي تضاءلت فيه الاتصالات الدبلوماسية التقليدية بين واشنطن وموسكو وألمح بوتين ومساعدوه إلى أنهم قد يلجؤون إلى استخدام الأسلحة النووية لحماية الأراضي الروسية، وكذلك الحفاظ على المكاسب التي تحقّقت في غزو أوكرانيا المستمر منذ أكثر من 8 أشهُر، وكان آخرها اتهام كييف مراراً وتكراراً بالتخطيط لاستخدام "قنبلة قذرة" مشعَّة، دون تقديم أدلة.
وعلى الرغم من دعمه لأوكرانيا والإجراءات العقابية ضدّ روسيا بعد دخولها أوكرانيا، قال البيت الأبيض إن الحفاظ على مستوى معين من الاتصال مع موسكو أمر حتمي لتحقيق بعض المصالح الأمنية القومية المتبادَلة، لا سيما وأن العلاقات الأمريكية-الروسية في أدنى مستوياتها منذ نهاية الحرب الباردة.
هل تلاشت قوة الردع الأمريكية؟
حسب تقرير وول ستريت جورنال الأخير، كشف الهجوم الروسي على أوكرانيا عن تلاشي قوة الردع العسكري الأمريكي، وهي الحقيقة التي يبدو أن قلة قليلة من القادة الأمريكيين على استعداد للاعتراف بها علناً. فوفقاً الأدميرال تشارلز ريتشارد فإن التفوق العسكري الأمريكي ضد الصين يتراجع.
وأضاف ريتشارد: "مع استمرار هذا التراجع، لا يهم مدى جودة قادتنا، أو مدى جودة خيولنا؛ لن يكون لدينا منهم ما يكفي، وهذه مشكلة قريبة المدى للغاية"، مشيراً إلى أن امتلاك أجود الأسلحة هو أمر لا يكفي، فالولايات المتحدة بحاجة إلى بناء خطوط الإنتاج القادرة على ضمان استمرار إنتاج هذه الأسلحة وذخائرها، فضلاً عن إصلاح مشكلات الصيانة.
يُذكَر أن أحدث "مؤشّر للقوة العسكرية الأمريكية" الذي نشرته Heritage Foundation الأمريكية في منتصف أكتوبر/تشرين الأول، يحذّر من تراجع القوة البحرية والجوية الأمريكية. ويقيس المؤشر قدرة الجيش على الانتصار في نزاعين إقليميين رئيسيين في وقت واحد، على سبيل المثال صراع في الشرق الأوسط وحرب في شبه الجزيرة الكورية. وخلص التقرير إلى أن الجيش الأمريكي يخاطر بعدم القدرة على التعامل حتى مع "صراع إقليمي رئيسي واحد".