قصص المجاعة في غزة تُكذب ادعاءات واشنطن حول تدفق المساعدات
في إحدى تكايا الطعام جنوبي قطاع غزة، يحاول النازح في خان يونس محمد المصري الذي بُترت ساقه، الحصول على بعض الطعام من التكية المكتظة بالنازحين، ومستنداً إلى العكاز وحاملاً الوعاء يشكو الرجل أنه قطع ثلاثة كيلومترات للوصول إلى التكية.
طفل ينتظر الحصول على طعام في خان يونس جنوبي قطاع غزة / صورة: Reuters (Reuters)

ويقول لـTRT عربي: "أقطع مشياً على العكاز مسافة 3 كيلومترات للوصول إلى التكيّة التي أُحضر منها الطعام، أجد التكية مكتظة بالناس الذين يحاولون الحصول على الطعام.. لو كان لديّ أولاد كبار كنت أرسلتهم، لكن أخشى على أطفالي الصغار الاحتراق من الطعام الساخن".

يتحدث الرجل بأنه إذا لم يفعل ذلك فلن يوجد شيء يأكله هو وأطفاله، إذ صار كل شيء غالياً جداً مع شح المواد الغذائية والخضار والفاكهة في غزة، ويضيف: "أحياناً ألحق الدور وأحياناً لا، إلّا أنني مُجبَر على أن آتي يومياً وأمشي هذه المسافة لكي أحصل على الغذاء الذي أحتاج إليه لعلاجي".

يشكو الرجل أيضاً صعوبة تلقي العلاج المفقود من المستشفيات: "نُكبنا في هذه الحياة.. لا أحد يدري كيف هي أوضاعنا الصعبة هنا، ولا أحد يسأل عنا.. هذا موت بطيء"، حسب تعبيره.

بدوره، يقول الحاج محمد القصاص الموجود أيضاً في مخيمات خان يونس، إن عليه الحصول على بعض الطعام من التكايا كي يعيش هو وأطفاله، ويقول لـTRT عربي: "وين الأطفال يروحوا؟ عم يموتوا بالشوارع من قلة الطعام".

ويروي الحاج أن التكية التي كانت مقابل مخيمه كانت تطعم مئات العائلات، إلّا أنه نتيجة إغلاق المعابر وعدم وجود المؤن الغذائية اضطرت إلى الإغلاق هي الأخرى، مما أجبره مع النازحين الآخرين على المشي ساعةً للوصول إلى التكية الأخرى، حيث تُقدم وجبة واحدة للعائلة.

ويتساءل الحاج حول المصير الذي سيواجهونه لو توقفت هذه التكية عن العمل أيضاً، معتبراً أن ما يحصل هو "حرب بالتجويع".

ويشير إلى أن "التكيات" أغلبها خرج عن العمل، وأن "الأطفال من الجوع رح يموتوا بالشوارع.. بدنا حل عاجل"، كما يتساءل: إلى متى ستستمر هذه الحرب؟ إذ حُرم الأطفال من الطعام والشراب والتعليم، بقوله: "ما ذنب هؤلاء الأطفال؟ لا قراءة، لا كتابة، لا علم، وأيضاً معاناة أكلهم وشربهم".

مستويات "حرجة للغاية" من الجوع

وقالت الأمم المتحدة في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي إن أكثر من 1.8 مليون فلسطيني في غزة يعانون من مستويات "حرجة للغاية" من الجوع، حيث دُمِّر 70% من الأراضي الزراعية ودُمرت سبل العيش خلال هجوم الاحتلال الإسرائيلي المستمر.

وأظهرت بيانات تقييم الأمن الغذائي من المبادرة العالمية للأمن الغذائي (IPC) أن 133 ألف شخص، أي 6% من سكان القطاع يعانون بالفعل من «المرحلة 5» أو "انعدام الأمن الغذائي الكارثي".

وكشف التقرير عن مخاوف ارتفاع هذا الرقم ليصل إلى نحو 345 ألف شخص، أي 16% من إجمالي السكان بين شهرَي نوفمبر/تشرين الثاني، وأبريل/نيسان المقبل، وذكرت التقييمات أن "خطر المجاعة لا يزال قائماً في جميع أنحاء قطاع غزة".

أمريكا مستمرة في دعم إسرائيل رغم التحذيرات

في الشهر الماضي، وجَّهت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، إلى إسرائيل "إنذاراً صارخاً" لتحسين وصول المساعدات إلى غزة في غضون الأيام الثلاثين المقبلة، أو المخاطرة بفقدان بعض الدعم العسكري الأمريكي، وفق صحيفة واشنطن بوست.

وقالت الصحيفة: "تباهت السلطات في إسرائيل بالتقدم الذي أحرزته، إذ جرى فتح معبر آخر إلى غزة، والانتهاء من حملة تطعيم ضد شلل الأطفال، كما ارتفع عدد الشاحنات الداخلة عن أدنى مستوى الشهر الماضي، ووصل عدد قليل منها إلى مستشفيات الشمال التي أغلقتها إسرائيل في وجه كل المساعدات الخارجية تقريباً لأكثر من شهر".

لكنَّ الصحيفة كشفت في تحليل أجرته استناداً إلى مقابلات مع أكثر من عشرة من العاملين في المجال الإنساني والمسؤولين، عن أن إسرائيل فشلت في الامتثال للمطالب الثلاثة الرئيسية في الرسالة الأمريكية: زيادة المساعدات الإنسانية إلى القطاع، واستئناف وصول الشاحنات التجارية، وإنهاء عزلة الشمال.

والثلاثاء الماضي، ادعت إدارة بايدن أن إسرائيل أحرزت بعض التقدم الجيد، ولكن المحدود، في زيادة تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة، وأنها لن تحد من نقل الأسلحة إلى إسرائيل، كما هددت قبل شهر، إذا لم يتحسن الوضع.

وقال نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، فيدانت باتيل، إنه "لن يكون هناك أي تغيير في السياسة الأمريكية في نهاية المهلة التي حددتها الولايات المتحدة لإسرائيل لتحسين الأوضاع في غزة".

كان وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، قد طالبا في رسالة بتاريخ 13 أكتوبر/تشرين الأول، كبار المسؤولين الإسرائيليين باتخاذ خطوات عاجلة لضمان حصول السكان المدنيين على الغذاء وغيره من الضروريات، وألقيا باللوم على تصرفات الحكومة الإسرائيلية وانعدام القانون في غزة في تدهور الظروف.

وفي بيان صدر يوم الثلاثاء لتقييم التقدم الذي أحرزته إسرائيل بشأن المطالب الأمريكية، قالت وكالات الإغاثة بما في ذلك "أوكسفام" و"ميرسي كور" و"إنقاذ الطفولة" إن "تصرفات إسرائيل فشلت في تلبية أيٍّ من المعايير المحددة في الرسالة الأمريكية"، مضيفةً أن ذلك يأتي على حساب "تكلفة بشرية هائلة للمدنيين الفلسطينيين في غزة".

والثلاثاء، شددت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، على ضرورة أن لا تمارس إسرائيل "التهجير القسري أو سياسة التجويع في غزة"، محذرةً من أن مثل هذه السياسات ستكون لها تبعات خطيرة بموجب القانونين الأمريكي والدولي.

جاءت تصريحات غرينفيلد بعد ساعات فقط من ادعاء واشنطن أن إسرائيل تبذل ما يكفي من الجهود لمعالجة الأزمة الإنسانية في غزة لتجنب مواجهة قيود محتملة على المساعدات العسكرية الأمريكية.

وحذر اجتماع مجلس الأمن حول تقرير أعده خبراء دوليون من "احتمال قوي لمجاعة وشيكة في مناطق" في شمال غزة، فيما تواصل إسرائيل عدوانها وهجومها العسكري على المنطقة.

وقالت جويس مسويا، الأمينة العامّة المساعدة للشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة، خلال كلمة أمام المجلس: "أصبح أغلب مناطق غزة الآن أرضاً قاحلة مليئة بالأنقاض، وفي الوقت الذي أُطلعكم فيه على الوضع، تمنع إسرائيل دخول المساعدات الإنسانية إلى شمال غزة، حيث يستمر القتال، ويعاني نحو 75 ألف شخص نقصاً حاداً في إمدادات المياه والغذاء".

وبدعم أمريكي ترتكب إسرائيل منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، إبادة جماعية في غزة، خلَّفت نحو 147 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث الإنسانية في العالم.

TRT عربي - وكالات