على خلفية دعمهم لفلسطين.. كيف يحرّض إعلام الغرب في انتخابات جنوب إفريقيا؟
تستمر عملية فزر أصوات الانتخابات في جنوب إفريقيا، التي أُجريَت يوم الأربعاء، بمشاركة واسعة بلغت 27 مليون ناخب، فيما تشير النتائج الأولية المعلن عنها إلى فقدان الحزب الحاكم (المؤتمر الوطني الإفريقي) لأغلبيته التاريخية في البرلمان.
كيف يحرّض الإعلام الغربي في انتخابات جنوب إفريقيا؟ / صورة: Getty Images (Getty Images)

ووفقًا لـ52% من الأصوات التي أحصتها لجنة الانتخابات في جنوب إفريقيا (IEC)، حصل حزب المؤتمر الوطني الإفريقي على 42.34% من الأصوات، ويليه حزب التحالف الديمقراطي المتزعم للمعارضة بنسبة 23.39%.

وجاء حزب أمكونتو ويسيزوي، الذي شكّله الرئيس السابق جاكوب زوما قبل أقل من عام في المركز الثالث، إذ حصل على 10.77% من الأصوات، يليه حزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية الذي حصل على 9.62% من الأصوات.

وفي حال لم يكشف فرز ما تبقى من أصوات أي مفاجأة جديدة، ستكون هي المرة الأولى التي يخسر فيها الحزب الحاكم أغلبيته البرلمانية منذ 1994، إذ دأب على الفوز بها للولاية السادسة على التوالي.

ولا تعني هذه النتائج خروج المؤتمر الوطني من دائرة حكم البلاد، بل ستُفرض عليه سيناريوهات الدخول في تحالفات مع الأحزاب الصغيرة من أجل الاستمرار في الحكم.

وأتت هذه الانتخابات الجنوب إفريقية في مناخ سياسي سِمَتُه الطاغية هي الانقسام بشأن الحرب الجارية في غزة، وذلك إثر المواقف البطولية التي أبرزها حزب المؤتمر الوطني في دعم الشعب الفلسطيني ومقاومته الاحتلال، وهو ما جرّ عليه هجمة إعلامية غربية واسعة، حرّضت ضده.

كيف يحرّض الإعلام الغربي في انتخابات جنوب إفريقيا؟

بدأت هذه الحملة الإعلامية الغربية من محاولة إشاعة شكوك بشأن تراجع حزب المؤتمر الوطني الحاكم في بريتوريا، والتقليل من قدرته على كسب الانتخابات. كما هوّلت وقع الانتخابات، معتبرة إياها نقطة تحوّل في تاريخ البلاد.

مقابل ذلك ضخمت وسائل الإعلام الغربية شعبية المعارضة الحليفة للغرب، الأمر الذي لا يتطابق مع الواقع على الأرض، حسب ما تؤكده النتائج الأولية لفرز الأصوات. كما بالغت في تقدير هذه النتائج الأولية، ووصف ضياع الأغلبية من الحزب الحاكم بـ"سيناريو يوم القيامة"، على الرغم من بقائه في الحكم حتى بهذه النتائج.

ومثالاً على هذا، قالت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، في تقريرها يوم الجمعة، إنّ الانتخابات في جنوب إفريقيا تمثل نقطة تحوّل، وبداية "عصر عدم اليقين الجوهري بالتأكيد".

بل وذهب تقرير الصحيفة البريطانية بعيداً في حملته إلى حد الاحتفاء بأن نتائج "الانتخابات أظهرت أن عصر هيمنة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي قد انتهى".

ونُقل عن محلل سياسي يُدعى فرانس كرونجي انتقاده للسياسات الاقتصادية للحكومة، بالقول: "إنها الهزيمة السياسية غير الضرورية. ولو أنهم ركزوا على رفع النمو إلى ما يتجاوز 2% وخلق فرص العمل، بدلاً من الدفع باتخاذ إجراءات شعبوية، لكانوا سيحتفظون بأغلبيتهم".

ويرجع مراقبون أسباب هذه الحملة الإعلامية الشعواء ضد حزب المؤتمر الوطني إلى موقف الحزب المتضامن مع الشعب الفلسطيني في مقاومته للاحتلال. وعقب هجوم طوفان الأقصى أصدر الحزب بياناً دعم فيه حركة حماس وحق الفلسطينيين في المقاومة المسلحة.

بالمقابل، يتربط حزب التحالف الديمقراطي المعارض بعلاقات ودية مع إسرائيل. وثبت ذلك بإدانته الشديدة اللهجة لما اعتبره الهجوم غير المبرر الذي قامت به حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول.

وأكدت صحيفة تايمز أوف إسرائيل أن إسرائيل تراقب من كثب الانتخابات في جنوب إفريقيا. مُثنية على نتائج حزب التحالف الديمقراطي، التي قالت إنه ليس معادياً لإسرائيل، وأن كون معقله في كيب الغربية، وهي المقاطعة التي تضم أعلى نسبة من السكان المسلمين في البلاد، يمنعه من إبداء مواقف أكثر دعماً للاحتلال.

دعم مستمر للقضية الفلسطينية

وتعتبر جنوب إفريقيا، بقيادة حزب المؤتمر الوطني، من الداعمين التاريخيين الكبار للقضية الفلسطينية، وهو ما عبّر عنه نيلسون مانديلا، الرئيس السابق وزعيم نضال جنوب إفريقيا ضد نظام الفصل العنصري، بكلمته الشهيرة: "حريتنا منقوصة من دون حرية الفلسطينيين".

وتاريخياً، يعود التآخي النضالي بين القضية الفلسطينية والجنوب إفريقية إلى سنوات السبعينيات، حين دعمت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة الرئيس الراحل ياسر عرفات حزب المؤتمر الإفريقي في نضاله ضد نظام الفصل العنصري.

ويُعَدّ الفصل العنصري الكلمة المفتاح في فهم جذور تضامن الشعب الجنوب إفريقي مع نظيره الفلسطيني، إذ تُذكّر معاملة إسرائيل للفلسطينيين كثيرين في جنوب إفريقيا بما كان يلاقيه سكان البلاد من أصحاب البشرة السمراء من جرائم عنصرية وانتهاكات جسيمة.

وعقب اندلاع الحرب في غزة أكدت بريتوريا وقوفها إلى جانب فلسطين، واتّهم رئيس جنوب إفريقيا سيريل رامافوزا إسرائيل بارتكاب "جرائم حرب" و"إبادة" في غزة، مشدداً على أن "العقاب الجماعي للمدنيين الفلسطينيين عبر استخدام غير مشروع للقوة من جانب إسرائيل يشكّل جريمة حرب".

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أعلنت جنوب إفريقيا قطع علاقاتها الدبلوماسية بإسرائيل وإغلاق سفارتها بالبلاد حتى وقف الاحتلال لمجازره في غزة.

كما خلق البلد الإفريقي الحدث بجرّه إسرائيل لأول مرة في تاريخها أمام محكمة العدل الدولية، ومحاكمتها بارتكاب إبادة جماعية في حق الفلسطينيين. ونجحت هذه الدعوى في استصدار حكم على تل أبيب باتخاذ تدابير مؤقتة لمنع الإبادة الجماعية في غزة.

وفي هذا السياق قالت وزيرة خارجية جنوب إفريقيا ناليدي باندور، في تصريحات سابقة لـTRT عربي: "أفلتت إسرائيل من العقاب لفترة طويلة تحت دعوى الفزع من المحرقة.. لكن ما يجري الآن أنها أصبحت درعاً لممارسة الأذى ضد الآخرين، خصوصاً الشعب الفلسطيني.. هذا أمر لا يمكن التسامح معه، هم دفعوا العالم إلى الوقوف والتحدث علناً".

وأضافت: "إنني أشعر بالخجل لأنني لست في غزة اليوم، ولأنني لا أستطيع حماية الأطفال والنساء.. أتمنى لو أستطيع.. أتمنى أن يتمكن مزيد منا من الذهاب إلى غزة والوقوف لحماية الشعب الفلسطيني.. هذا هو ما يستحقونه، لقد ظلوا يكافحون طويلاً، وكنا غائبين عن مساعدتهم".

وشددت الوزيرة في ختام حديثها على أنه يجب على العالم "أن يقف ويقول إننا سنحمي الشعب الفلسطيني، ويجب عليه إرسال قوة سلام إلى هناك من أجل إنقاذ حياة هذا الشعب".

TRT عربي